يوسع الأردنيون من خياراتهم لمواجهة ارتفاع إيجارات المنازل، والتي تسجل زيادة غير مسبوقة، تتراوح بين 25% و45% عن أسعار العام الماضي، بالرحيل عنها والعودة للسكن في بيت "العيلة".
الأربعيني محمد السالم، وهو موظف في الجهاز الحكومي وأب خمسة أطفال، واجه صعوبة كبيرة في ضبط ميزانيته على الإيقاع المشتعل لإيجارات المنازل، منذ أعوام، غير أنه لم يعد بمقدوره الاستمرار أكثر، قائلاً لـ"العربي الجديد": "الإيجارات غير منطقية ولا تتناسب مع مستوى الدخل".
المطالبة المتكررة من جانب مالك العقار، برفع الأجرة الشهرية بنسبة 30% أو إخلاء المنزل، الذي يستأجره خلال 30 يوماً من انتهاء العقد متذرعاً بقانون المالكين والمستأجرين الذي دخل حيز التنفيذ مطلع عام 2010، لم تترك للموظف الأردني خياراً سوى ترك المنزل والعودة للسكن في بيت العائلة. ويقول "حزمت أمتعتي وعدت إلى بيت أبي، الذي خرجت منه عريساً قبل 16 عاماً، فوجدت كل الترحيب من العائلة، لكنني أشعر بأنني فقدت جزءاً من خصوصيتي"، لكنه يستدرك "إنه وضع مؤقت لحين الفرج".
ويصف السالم، معادلة إيجارات المنازل في الأردن أنها "لغز أصاب من يحاول كشفها بالإعياء"، قائلاً، إنه يتقاضى راتباً مقداره 400 دينار أردني (564 دولار أميركي)، يدفع ثلاثة أرباعه لقاء استئجار شقة صغيرة على أطراف العاصمة، وما تبقى منه بالكاد يكفي لتسديد فاتورتي الكهرباء والماء.
حال السالم لا تختلف كثيراً عن حال كثير من الأردنيين، فمقصلة إيجارات المنازل تطاول رقبة العديد من موظفي الجهاز الحكومي والخاص.
كذلك يقول الموظف علي الشعلان، إنه قرر العودة للسكن في بيت "العيلة" في إحدى المدن التي تبعد عن العاصمة زهاء 100 كيلو متر، "سأضطر أنا وزوجتي المعلمة لقطع 200 كيلومتر ذهاباً وإياباً"، لكن الشعلان يقول، إنه بصدد الحصول على قرض لإضافة غرفة ومطبخ لمنزل، وهو ما يعني نيته الإقامة الدائمة.
وفي هذا الصدد، يقول الشعلان، إن المعيشة وتدبر أمور الحياة اليومية أصبح حملاً ثقيلاً على عاتق أرباب الأسر التي تقف عاجزة أمام وضع مالي مترد، "وفي حالتي لو لم تكن زوجتي عاملة وتساهم في مصروف البيت لما استطعنا الاستمرار في الحياة".
ويقول أحد المستأجرين، وهو خالد إبراهيم، إنه لما ضاق ذرعاً بطلبات المالك برفع الأجرة الشهرية لتصبح 320 ديناراً وكانت قبل 7 أعوام 155 دينار، لم يعد أمامه أي خيار، سوى الرحيل والعودة للسكن مع والدته.
ويضيف: "الإيجارات تثقل كاهلنا وشروط البنوك فوق طاقتنا والأسعار تتصاعد والرواتب متدنية والسنوات تمضي دون تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار".
اقرأ أيضا: أسعار العقارات بالأردن تدفع العرب والأجانب للعزوف عن التملك
ويجمع مواطنون وخبراء على أن مشكلة السكن تقض مضاجع كثيرين في الأردن، لاسيما من أرباب الأسر الذين أرهقتهم الإيجارات، وأن حلمهم بامتلاك شقة صغيرة يصطدم بواقع فرضه رأس المال، فالمستثمرون والمصارف يطرحون حملات ترفع شعارات براقة لاستهداف فئات ذوي الدخل المحدود لامتلاك سكن، لكنها في حقيقة الأمر ليست سوى فاتح للشهية للمقتدرين، وما على من يقرر الالتحاق بإحدى هذه الحملات إلا أن يستعد ليطوق رقبته بقيود الالتزامات المصرفية، ثم يرهن مصير عائلته سنين طويلة، وأن يستعد للعبة الأرقام: أنت باختصار ستعيد ثمن الشقة مضاعفاً.
وفي هذا الصدد يقول المواطن شريف الناصر، الذي اقترض من المصرف 38 ألف دينار لشراء شقة بمساحة 115 متراً، والتي وصل ثمنها مع الفوائد إلى 70 ألفاً بالإضافة إلى 3600 دينار رسوم نقل الملكية، إن راتبه "لا يتجاوز 600 دينار ويدفع أقساطاً شهرية للمصرف بقيمة 300 دينار لمدة 20 عاماً".
ويضيف أن أسعار الفائدة التي تفرضها المصارف التجارية ترهق المواطنين وتحملهم أعباء إضافية. ويوافقه الرأي ساهر قواسمة، الذي أشار إلى بعض الصعوبات التي تواجه المواطنين الذين يسعون لامتلاك شقة سكنية، وعلى رأسها ارتفاع أسعار الفائدة التي تفرضها المصارف التجارية، بالإضافة إلى الرسوم التي تدفع عند عملية التنازل عن الشقة والتي تشكل عائقاً كبيراً أمام المواطنين.
ويحذر خبراء اقتصاديون من أبعاد الارتفاع الملحوظ في أعداد الأردنيين الذين لا يمتلكون القدرة المالية على استئجار منزل أو الحصول على قرض لشراء شقة سكنية نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة والرسوم.
ويقول المحلل الاقتصادي مروان الهامي، إن تأمين سكن يتوفر فيه الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة، مشيراً إلى أن الحكومة الأردنية لا تتخذ أيّ إجراءات للحد من ارتفاع الإيجارات غير المبرر أو ارتفاع أسعار الشقق.