في ظلّ إجراءات الإغلاق في محافظة بيت لحم، بجنوب الضفة الغربية، في فلسطين المحتلة، تعيش المحافظة التي ظهرت فيها أولى الإصابات بفيروس كورونا الجديد في الخامس من مارس/ آذار الماضي، هواجس مختلفة لا تغيب عنها لحظات إنسانية تتباين بين الألم والفرح.
أثار موقف وداع شاب مصاب بالفيروس، في أحد فنادق بيت جالا غربي مدينة بيت لحم، عاصمة المحافظة، لجثمان والدته وهو في سيارة نقل الموتى أمام الفندق، مشاعر ألم وتعاطف مع الشاب المكلوم، الذي لم يستطع حتى احتضان جثمان والدته، ولم ينتظر الموت أياماً أخرى قبل أن يغادر هذا الابن إلى المنزل من حجره الصحي الإجباري. وبهذا اجتمع عليه كورونا وموت والدته، ثم خرج متعافياً من المرض، في عيد الأم بالذات (21 مارس) لكن لم يجد الأم التي تستقبله وتهنئه بسلامته. يعلق مدير صحة محافظة بيت لحم، عماد شحادة، لـ"العربي الجديد": "كانت تلك اللحظة من أكثر اللحظات تأثيراً في المدينة. أنجزنا له في مديرية الصحة، الإجراءات وألبسناه الملابس الواقية قبل أن يخرج إلى مدخل الفندق حيث أقام خلال فترة الحجر الصحي، وودع جثمان والدته من دون أن يتمكن من احتضانه أو تقبيله... كان موقفاً مؤثراً للغاية فعلاً".
بالرغم من تعافي أصغر مصابة بكورونا في فلسطين، الطفلة ميلا شوكة، ابنة السنة وعشرة أشهر، فإنّ نبأ إصابتها في مارس/ آذار الماضي، شكّل صدمةً للجميع في محافظة بيت لحم وخارجها، حتى زادت صورها المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي من جرح أقاربها وعائلتها. لكنّ ذلك انتهى بعد أسبوعين من إصابتها مع إعلان وزيرة الصحة الفلسطينية، مي كيلة، عن شفاء ميلا.
يكمن الأمل في الألم، لذلك كان المحجور عليهم في أحد فنادق بيت جالا، يحاولون تخطي التجربة القاتلة بما تأتى لهم من قدرة على صنع الأمل، إذ يقول المصاب الذي احتفل بعيد ميلاده أثناء فترة الحجر، سلطان ناصر لـ"العربي الجديد": "احتفلت بيوم ميلادي في الثالث عشر من مارس/آذار الماضي. كنت في غرفتي في الفندق، وتلقيت مكالمة فيديو من أحد زملائي في الفندق، وإذ به رفقة آخرين، يحملون قالب كاتو (حلوى) وقد غرسوا في وسطه شمعة، وطلبوا مني قبل إطفائها، تمني أمنية في سِرّي في يوم دخولي سنّ الثالثة والعشرين، فقلت الأمنية علناً، وهي أن نخرج متعافين من هنا، وهذا ما حصل بالفعل... فأطفأوا الشمعة بدلاً مني ووزعوا قطع الحلوى على الغرف". يوضح ناصر: "خرجت إلى منزل عائلتي في بيت لحم، بعد شفائي وشفاء ستة عشر آخرين من فيروس كورونا، وخضعنا لحجر صحي منزلي لمدة 14 يوماً".
اقــرأ أيضاً
ردد ناشطون كثر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنّ مدينتهم، بيت لحم، أقوى من كورونا، فبالرغم من توقف الحياة فيها بسبب الفيروس، فإنّ تكاتف أهلها وإصرار بعضهم على خلق مواقف الفرح يجعلها مدينةً عصيةً على الانكسار. ظهرت براءة عمارنة، في موقف مفرح بالرغم من كورونا، فقد أصرت الشابة على إشهار حفل زفافها، ودعت المحبين من خلال بطاقة الدعوة التي نشرتها على "فيسبوك" إلى التزام البيوت وعدم المجيء لوداعها في منزل عائلتها، في مخيم الدهيشة، جنوبي بيت لحم. تقول العروس عمارنة لـ"العربي الجديد" بعد يومين على زفافها: "كنت متحمسة جداً لخوض تجربة زفافي في زمن كورونا، وبالفعل تحمست كثيراً أثناء الزفاف، ولفتني كثيراً حضور الصحافيين للتغطية، ففي كلّ خطوة أجد صحافياً قربي؛ عندما خرجت من صالون التجميل، وعندما غادرت منزل عائلتي، وحتى عندما تخطت سيارتنا - نحن العروسين- الحواجز الأمنية في المدينة، قبل أن نتوجه إلى بلدة الظاهرية، جنوبي الخليل (في جنوب الضفة الغربية) حيثُ يقيم عريسي عماد شرف".
توضح عمارنة، أنّ ما جعل وسائل الإعلام تتناول عرسها، بطاقة الدعوة التي كانت أشبه بنشرة توعوية حول كورونا، ووسيلة إشهار الزفاف المميزة وغير الاعتيادية، بالإضافة إلى عنصر الرمز والدعابة في الرسم الذي يمثلها كعروس وهي تضع الكمامة كما عريسها، وهذا ما حصل فعلاً. تعلق قائلة: "وضعنا الكمامة، أنا وعريسي وكذلك خبيرة التجميل التي جهزتني، فقد عقمت الصالون، ومع كلّ خطوة في إعداد المكياج وتسريحة الشعر كانت تُعقم يديها. أما ضيوفنا في بلدة الظاهرية وهم فقط أصحاب العريس وأقاربه، وأخوات العريس وعماته، فلم يصافحوني أبداً، وكان الجميع يضع الكمامات والقفازات، من باب الالتزام بإجراءات السلامة. أنا سعيدة ولا فرق كبيراً، بين زفافنا الذي حصل في وقت كورونا وبين المفترض في أي وقتٍ آخر".
وكما تأكل الحسرة قلوب أمهات الأسرى على أبنائهن في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يأكل القلق عليهن قلوب هؤلاء الأسرى بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد في محافظة بيت لحم، لذلك خرجت مبادرة "مزيونة بخير" لطمأنة الأُسرى على أمهاتهم وعائلاتهم. يقول الناشط الشعبي منذر عميرة لـ"العربي الجديد": "جاءت هذه المبادرة، لطمأنة الأسرى على عائلاتهم خصوصاً أصحاب الأحكام الكبيرة (المؤبدات) كالأسير ناصر سرور (خمسيني) من مخيم عايدة في بيت لحم، فقد توجهنا - نحن الناشطين- إلى منزل والدته مزيونة التي تجاوز عمرها منتصف السبعينيات، وأطلقنا هذه المبادرة، ودعونا وسائل الإعلام المحلية لبث برامج من منازل أهالي الأسرى الذين انقطع التواصل معهم بالهاتف أو بالزيارات أو عبر المحامين، خصوصاً الأسرى في سجن أو عزل هداريم، كما زرنا ثلاثين عائلة أسير في محافظة بيت لحم في عيد الأم".
اقــرأ أيضاً
وبالرغم مما شهدته بيت لحم، وما قد تشهده هي ومثيلاتها من المحافظات في الضفة الغربية بعد إعلان سلسلة إجراءات وقائية، على لسان رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، من أجل الحدّ من تفشي فيروس كورونا، فإنّ مشهد خروج المحجورين من فندقين في مدينة بيت لحم، وقد تعافوا من الفيروس، أخيراً، منح أملاً كبيراً بأنّ الفرصة مؤاتية للتغلب على الفيروس.
أثار موقف وداع شاب مصاب بالفيروس، في أحد فنادق بيت جالا غربي مدينة بيت لحم، عاصمة المحافظة، لجثمان والدته وهو في سيارة نقل الموتى أمام الفندق، مشاعر ألم وتعاطف مع الشاب المكلوم، الذي لم يستطع حتى احتضان جثمان والدته، ولم ينتظر الموت أياماً أخرى قبل أن يغادر هذا الابن إلى المنزل من حجره الصحي الإجباري. وبهذا اجتمع عليه كورونا وموت والدته، ثم خرج متعافياً من المرض، في عيد الأم بالذات (21 مارس) لكن لم يجد الأم التي تستقبله وتهنئه بسلامته. يعلق مدير صحة محافظة بيت لحم، عماد شحادة، لـ"العربي الجديد": "كانت تلك اللحظة من أكثر اللحظات تأثيراً في المدينة. أنجزنا له في مديرية الصحة، الإجراءات وألبسناه الملابس الواقية قبل أن يخرج إلى مدخل الفندق حيث أقام خلال فترة الحجر الصحي، وودع جثمان والدته من دون أن يتمكن من احتضانه أو تقبيله... كان موقفاً مؤثراً للغاية فعلاً".
بالرغم من تعافي أصغر مصابة بكورونا في فلسطين، الطفلة ميلا شوكة، ابنة السنة وعشرة أشهر، فإنّ نبأ إصابتها في مارس/ آذار الماضي، شكّل صدمةً للجميع في محافظة بيت لحم وخارجها، حتى زادت صورها المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي من جرح أقاربها وعائلتها. لكنّ ذلك انتهى بعد أسبوعين من إصابتها مع إعلان وزيرة الصحة الفلسطينية، مي كيلة، عن شفاء ميلا.
يكمن الأمل في الألم، لذلك كان المحجور عليهم في أحد فنادق بيت جالا، يحاولون تخطي التجربة القاتلة بما تأتى لهم من قدرة على صنع الأمل، إذ يقول المصاب الذي احتفل بعيد ميلاده أثناء فترة الحجر، سلطان ناصر لـ"العربي الجديد": "احتفلت بيوم ميلادي في الثالث عشر من مارس/آذار الماضي. كنت في غرفتي في الفندق، وتلقيت مكالمة فيديو من أحد زملائي في الفندق، وإذ به رفقة آخرين، يحملون قالب كاتو (حلوى) وقد غرسوا في وسطه شمعة، وطلبوا مني قبل إطفائها، تمني أمنية في سِرّي في يوم دخولي سنّ الثالثة والعشرين، فقلت الأمنية علناً، وهي أن نخرج متعافين من هنا، وهذا ما حصل بالفعل... فأطفأوا الشمعة بدلاً مني ووزعوا قطع الحلوى على الغرف". يوضح ناصر: "خرجت إلى منزل عائلتي في بيت لحم، بعد شفائي وشفاء ستة عشر آخرين من فيروس كورونا، وخضعنا لحجر صحي منزلي لمدة 14 يوماً".
ردد ناشطون كثر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنّ مدينتهم، بيت لحم، أقوى من كورونا، فبالرغم من توقف الحياة فيها بسبب الفيروس، فإنّ تكاتف أهلها وإصرار بعضهم على خلق مواقف الفرح يجعلها مدينةً عصيةً على الانكسار. ظهرت براءة عمارنة، في موقف مفرح بالرغم من كورونا، فقد أصرت الشابة على إشهار حفل زفافها، ودعت المحبين من خلال بطاقة الدعوة التي نشرتها على "فيسبوك" إلى التزام البيوت وعدم المجيء لوداعها في منزل عائلتها، في مخيم الدهيشة، جنوبي بيت لحم. تقول العروس عمارنة لـ"العربي الجديد" بعد يومين على زفافها: "كنت متحمسة جداً لخوض تجربة زفافي في زمن كورونا، وبالفعل تحمست كثيراً أثناء الزفاف، ولفتني كثيراً حضور الصحافيين للتغطية، ففي كلّ خطوة أجد صحافياً قربي؛ عندما خرجت من صالون التجميل، وعندما غادرت منزل عائلتي، وحتى عندما تخطت سيارتنا - نحن العروسين- الحواجز الأمنية في المدينة، قبل أن نتوجه إلى بلدة الظاهرية، جنوبي الخليل (في جنوب الضفة الغربية) حيثُ يقيم عريسي عماد شرف".
توضح عمارنة، أنّ ما جعل وسائل الإعلام تتناول عرسها، بطاقة الدعوة التي كانت أشبه بنشرة توعوية حول كورونا، ووسيلة إشهار الزفاف المميزة وغير الاعتيادية، بالإضافة إلى عنصر الرمز والدعابة في الرسم الذي يمثلها كعروس وهي تضع الكمامة كما عريسها، وهذا ما حصل فعلاً. تعلق قائلة: "وضعنا الكمامة، أنا وعريسي وكذلك خبيرة التجميل التي جهزتني، فقد عقمت الصالون، ومع كلّ خطوة في إعداد المكياج وتسريحة الشعر كانت تُعقم يديها. أما ضيوفنا في بلدة الظاهرية وهم فقط أصحاب العريس وأقاربه، وأخوات العريس وعماته، فلم يصافحوني أبداً، وكان الجميع يضع الكمامات والقفازات، من باب الالتزام بإجراءات السلامة. أنا سعيدة ولا فرق كبيراً، بين زفافنا الذي حصل في وقت كورونا وبين المفترض في أي وقتٍ آخر".
وكما تأكل الحسرة قلوب أمهات الأسرى على أبنائهن في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يأكل القلق عليهن قلوب هؤلاء الأسرى بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد في محافظة بيت لحم، لذلك خرجت مبادرة "مزيونة بخير" لطمأنة الأُسرى على أمهاتهم وعائلاتهم. يقول الناشط الشعبي منذر عميرة لـ"العربي الجديد": "جاءت هذه المبادرة، لطمأنة الأسرى على عائلاتهم خصوصاً أصحاب الأحكام الكبيرة (المؤبدات) كالأسير ناصر سرور (خمسيني) من مخيم عايدة في بيت لحم، فقد توجهنا - نحن الناشطين- إلى منزل والدته مزيونة التي تجاوز عمرها منتصف السبعينيات، وأطلقنا هذه المبادرة، ودعونا وسائل الإعلام المحلية لبث برامج من منازل أهالي الأسرى الذين انقطع التواصل معهم بالهاتف أو بالزيارات أو عبر المحامين، خصوصاً الأسرى في سجن أو عزل هداريم، كما زرنا ثلاثين عائلة أسير في محافظة بيت لحم في عيد الأم".
وبالرغم مما شهدته بيت لحم، وما قد تشهده هي ومثيلاتها من المحافظات في الضفة الغربية بعد إعلان سلسلة إجراءات وقائية، على لسان رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، من أجل الحدّ من تفشي فيروس كورونا، فإنّ مشهد خروج المحجورين من فندقين في مدينة بيت لحم، وقد تعافوا من الفيروس، أخيراً، منح أملاً كبيراً بأنّ الفرصة مؤاتية للتغلب على الفيروس.