على العكس من غالبية دول العالم، بما فيها جاراتها من الجمهوريات السوفييتية السابقة، قررت بيلاروسيا التعامل مع فيروس كورونا الجديد على طريقتها. لم تفرض الحجر الصحي، وواصل الناس حياتهم بشكل طبيعي، ولم تتعطل الأعمال والعملية التعليمية. كذلك لم تُلغَ الفعاليات الجماهيرية، مثل مباريات كرة القدم والاستعراض العسكري الذي أقيم بمناسبة ذكرى مرور 75 عاماً على النصر على ألمانيا النازية في 9 مايو/ أيار الماضي.
مع ذلك، لم يؤدِّ تجاهل توصيات منظمة الصحة العالمية إلى صعود البلاد إلى صدارة الدول لناحية عدد المصابين بالفيروس. واللافت أنّ بيلاروسيا من الدول التي شهدت أدنى نسبة وفيات بين المصابين، متفوقة على الدول الرائدة عالمياً في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية. واقع عزز الشكوك حول تستّر مينسك على العدد الحقيقي لضحايا الفيروس.
اقــرأ أيضاً
في هذا الإطار، يعزو الصحافي البيلاروسي المستقل، وعضو اتحاد الصحافيين البيلاروس، إيغور كارنيه، تدني نسبة الوفيات بين المصابين بكورونا، إلى سعي المؤسسات الطبية البيلاروسية إلى تسجيل أسماء الأمراض المزمنة في شهادات الوفاة بدلاً من كورونا. يضيف أنّ تمسك السلطات بمواصلة الحياة بشكل طبيعي مرتبط بمخاوفها من تفاقم الأزمة الاقتصادية. ويقول كارنيه لـ"العربي الجديد": "أدى العزوف عن فرض الحجر الصحي إلى ارتفاع في عدد الإصابات بواقع أكثر من ألف إصابة يومياً في الفترة الأخيرة. كذلك، ساهمت تجمعات جماهيرية حاشدة في انتشار المرض، إذ توجه ملايين الأشخاص إلى الكنائس للاحتفال بعيد الفصح في 27 مارس/ آذار الماضي، فيما شارك أكثر من مليوني شخص في يوم العمل المجتمعي (يوم العمال العالمي) في الأول من مايو/ أيار الماضي، بالإضافة إلى مشاركة عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين في الاستعراض العسكري يوم 9 مايو الماضي. من جهة أخرى، لم يمنع انتشار كورونا انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 9 أغسطس/ آب المقبل التي تقتضي تواصلاً مباشراً بين الناس بمختلف المستويات، ما يزيد من احتمالات الإصابة".
أما في ما يتعلق بعدد الوفيات، فيقول: "هناك شكوك في دقة الأرقام المعلنة. إذا قارنّا الوضع مع السويد التي لم تفرض حجراً صحياً، وعدد سكانها قريب من عدد سكان بيلاروسيا، نجد أن هناك فارقاً كبيراً بين معدلات الإصابة والوفاة في السويد مقارنةً ببيلاروسيا". ويرجع هذا الفارق الهائل إلى "سعي المؤسسات الصحية البيلاروسية إلى كتابة الأمراض السابقة للمصاب في شهادات الوفاة".
وبحسب الأرقام الأخيرة الواردة في موقع جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية، بلغ عدد إصابات كورونا في بيلاروسيا نحو 52 ألفاً حتى يوم أمس، بما فيها 293 وفاة فقط، وهي نسبة أقل كثيراً من المعدلات العالمية، مع نحو 27 ألف حالة شفاء.
وعن دوافع تستر السلطات البيلاروسية على عدد الوفيات، يقول: "لا تتستر الدولة على عدد الوفيات لمنع الذهان (مرض عقليّ وظيفيّ يتّصف بحدوث فترات من الاكتئاب) فحسب، بل أيضاً ترشيداً للنفقات، إذ وعدت الحكومة بصرف معونة تعادل ألفي دولار أميركي لعائلات ضحايا كورونا. لذلك، تحدد الالتهاب الرئوي غير المؤكد، كسبب للوفاة لعدم صرف أي مبالغ".
ومنذ بدء جائحة كورونا، تعامل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بدرجة عالية من اللامبالاة، وصلت إلى حد السخرية من الفيروس، ناصحاً سكان بلاده بالمزيد من التنزه وتناول مشروب الفودكا والذهاب إلى الساونا، من دون أن يُعير الإحصائيات أيّ اهتمام.
في هذا السياق، يوضح كارنيه أنّ السلطات البيلاروسية تعزو عدم فرض الحجر الصحي إلى سببين رئيسين: "أولاً، يعتبر لوكاشينكو أنّ جائحة كورونا هي مجرد ذهان عالمي، وأنّ نطاقها لا يزيد على الالتهاب الرئوي اللانمطي وإنفلونزا الطيور والخنازير. ثانياً، ترى قيادة البلاد أنّ الاقتصاد البيلاروسي لن يتحمل حجراً صحياً صارماً نظراً لعدم توافر أيّ عائدات من جراء تصدير الموارد الطبيعية أو احتياطات الذهب والعملات الصعبة. وفي حال توقف الإنتاج، سيتعين على الدولة التكفل بمئات الآلاف من المواطنين. لذلك، تواصل المصانع عملها، لكن يجري إيداع معظم الإنتاج في المخازن، في ظل إغلاق الأسواق الخارجية، بما فيها روسيا، الشريك التجاري الرئيس لبيلاروسيا".
وعلى الرغم من أنّ بيلاروسيا تعد أهم شركاء روسيا من بين الجمهوريات السوفييتية السابقة، ويتمتع مواطنو البلدين بالحرية الكاملة للسفر، فإنّ ذلك لم يمنع موسكو من إغلاق الحدود مع جارتها منذ منتصف مارس الماضي للحيلولة دون تفشي الوباء.
اقــرأ أيضاً
وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين موسكو ومينسك خلافات بسبب سعي لوكاشينكو إلى تعزيز علاقاته مع الغرب، لم تمرّ أزمة كورونا هي الأخرى من دون توتر بين البلدين، إذ ألغت وزارة الخارجية البيلاروسية اعتماد فريق التصوير التابع للقناة الأولى الروسية بعد بثّ الأخيرة تقريراً ذكرت فيه أنّ الإحصائيات الرسمية لا تحظى بثقة السكان المحليين في بيلاروسيا. وتضمّن التقرير الذي بُثَّ في مايو الماضي لقطات من أحد المدافن البيلاروسية تكشف كثرة القبور الحديثة ذات تواريخ الوفاة المتقاربة التي تعود إلى نهاية إبريل/ نيسان الماضي، مشيراً إلى تشابه ملابسات الوفيات من جراء الالتهاب الرئوي ووضع المرضى على أجهزة التنفس الصناعي في أيامهم الأخيرة، وهي حقائق تزعج السلطات البيلاروسية، في ما يبدو.
مع ذلك، لم يؤدِّ تجاهل توصيات منظمة الصحة العالمية إلى صعود البلاد إلى صدارة الدول لناحية عدد المصابين بالفيروس. واللافت أنّ بيلاروسيا من الدول التي شهدت أدنى نسبة وفيات بين المصابين، متفوقة على الدول الرائدة عالمياً في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية. واقع عزز الشكوك حول تستّر مينسك على العدد الحقيقي لضحايا الفيروس.
في هذا الإطار، يعزو الصحافي البيلاروسي المستقل، وعضو اتحاد الصحافيين البيلاروس، إيغور كارنيه، تدني نسبة الوفيات بين المصابين بكورونا، إلى سعي المؤسسات الطبية البيلاروسية إلى تسجيل أسماء الأمراض المزمنة في شهادات الوفاة بدلاً من كورونا. يضيف أنّ تمسك السلطات بمواصلة الحياة بشكل طبيعي مرتبط بمخاوفها من تفاقم الأزمة الاقتصادية. ويقول كارنيه لـ"العربي الجديد": "أدى العزوف عن فرض الحجر الصحي إلى ارتفاع في عدد الإصابات بواقع أكثر من ألف إصابة يومياً في الفترة الأخيرة. كذلك، ساهمت تجمعات جماهيرية حاشدة في انتشار المرض، إذ توجه ملايين الأشخاص إلى الكنائس للاحتفال بعيد الفصح في 27 مارس/ آذار الماضي، فيما شارك أكثر من مليوني شخص في يوم العمل المجتمعي (يوم العمال العالمي) في الأول من مايو/ أيار الماضي، بالإضافة إلى مشاركة عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين في الاستعراض العسكري يوم 9 مايو الماضي. من جهة أخرى، لم يمنع انتشار كورونا انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 9 أغسطس/ آب المقبل التي تقتضي تواصلاً مباشراً بين الناس بمختلف المستويات، ما يزيد من احتمالات الإصابة".
أما في ما يتعلق بعدد الوفيات، فيقول: "هناك شكوك في دقة الأرقام المعلنة. إذا قارنّا الوضع مع السويد التي لم تفرض حجراً صحياً، وعدد سكانها قريب من عدد سكان بيلاروسيا، نجد أن هناك فارقاً كبيراً بين معدلات الإصابة والوفاة في السويد مقارنةً ببيلاروسيا". ويرجع هذا الفارق الهائل إلى "سعي المؤسسات الصحية البيلاروسية إلى كتابة الأمراض السابقة للمصاب في شهادات الوفاة".
وبحسب الأرقام الأخيرة الواردة في موقع جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية، بلغ عدد إصابات كورونا في بيلاروسيا نحو 52 ألفاً حتى يوم أمس، بما فيها 293 وفاة فقط، وهي نسبة أقل كثيراً من المعدلات العالمية، مع نحو 27 ألف حالة شفاء.
وعن دوافع تستر السلطات البيلاروسية على عدد الوفيات، يقول: "لا تتستر الدولة على عدد الوفيات لمنع الذهان (مرض عقليّ وظيفيّ يتّصف بحدوث فترات من الاكتئاب) فحسب، بل أيضاً ترشيداً للنفقات، إذ وعدت الحكومة بصرف معونة تعادل ألفي دولار أميركي لعائلات ضحايا كورونا. لذلك، تحدد الالتهاب الرئوي غير المؤكد، كسبب للوفاة لعدم صرف أي مبالغ".
ومنذ بدء جائحة كورونا، تعامل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بدرجة عالية من اللامبالاة، وصلت إلى حد السخرية من الفيروس، ناصحاً سكان بلاده بالمزيد من التنزه وتناول مشروب الفودكا والذهاب إلى الساونا، من دون أن يُعير الإحصائيات أيّ اهتمام.
في هذا السياق، يوضح كارنيه أنّ السلطات البيلاروسية تعزو عدم فرض الحجر الصحي إلى سببين رئيسين: "أولاً، يعتبر لوكاشينكو أنّ جائحة كورونا هي مجرد ذهان عالمي، وأنّ نطاقها لا يزيد على الالتهاب الرئوي اللانمطي وإنفلونزا الطيور والخنازير. ثانياً، ترى قيادة البلاد أنّ الاقتصاد البيلاروسي لن يتحمل حجراً صحياً صارماً نظراً لعدم توافر أيّ عائدات من جراء تصدير الموارد الطبيعية أو احتياطات الذهب والعملات الصعبة. وفي حال توقف الإنتاج، سيتعين على الدولة التكفل بمئات الآلاف من المواطنين. لذلك، تواصل المصانع عملها، لكن يجري إيداع معظم الإنتاج في المخازن، في ظل إغلاق الأسواق الخارجية، بما فيها روسيا، الشريك التجاري الرئيس لبيلاروسيا".
وعلى الرغم من أنّ بيلاروسيا تعد أهم شركاء روسيا من بين الجمهوريات السوفييتية السابقة، ويتمتع مواطنو البلدين بالحرية الكاملة للسفر، فإنّ ذلك لم يمنع موسكو من إغلاق الحدود مع جارتها منذ منتصف مارس الماضي للحيلولة دون تفشي الوباء.
وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين موسكو ومينسك خلافات بسبب سعي لوكاشينكو إلى تعزيز علاقاته مع الغرب، لم تمرّ أزمة كورونا هي الأخرى من دون توتر بين البلدين، إذ ألغت وزارة الخارجية البيلاروسية اعتماد فريق التصوير التابع للقناة الأولى الروسية بعد بثّ الأخيرة تقريراً ذكرت فيه أنّ الإحصائيات الرسمية لا تحظى بثقة السكان المحليين في بيلاروسيا. وتضمّن التقرير الذي بُثَّ في مايو الماضي لقطات من أحد المدافن البيلاروسية تكشف كثرة القبور الحديثة ذات تواريخ الوفاة المتقاربة التي تعود إلى نهاية إبريل/ نيسان الماضي، مشيراً إلى تشابه ملابسات الوفيات من جراء الالتهاب الرئوي ووضع المرضى على أجهزة التنفس الصناعي في أيامهم الأخيرة، وهي حقائق تزعج السلطات البيلاروسية، في ما يبدو.