27 نوفمبر 2018
بين الأمن القومي والأمن البشري
محمد مونشيح (المغرب)
كان "الأمن الجماعي" عنصرا أساسيا ضمن عناصر استجابة الديمقراطية والليبرالية لتحدي الحرب الكبرى: معاهدة 1919-1920، والتي كانت بالتأكيد في مصلحة المنتصرين، ولكنها أرادت أيضاً وضع نموذج دولي لفترة ما بعد الحرب، إذ كان من المقرّر أن تستند كل هذه البنية بشكل أساسي على الديمقراطية الليبرالية في العالم، باعتبارها نتيجة طبيعية للأمن الجماعي.
بعدما نجحت الولايات المتحدة في فرض "الإرهاب الدولي" موضوعا ذا أولوية في جدول الأعمال الأمني، فإن الحاجة إلى مقاربة التحليل الأمني لم تكن أبداً أكبر من قبل، إذ على مدى عشرين سنة مضت، سعت الدراسات الأمنية إلى التحرر من قيود الحرب الباردة، وتمّ الإكتفاء بالاستشهاد فقط في مسائل الدفاع العسكري بما يسمّى الأمن القومي في عالم الدراسات الأمنية، وبالضبط منذ 11 سبتمبر 2001، حيث عدنا إلى المربع الأول، على الرغم من الخطاب الذي يؤكد الطبيعة العابرة للحدود للظاهرة الإرهابية و"التحديات الجديدة" للأمن ، فأضحى الاستقطاب والعسكرة التي ميزت التفكير الأمني بين قادة القوى العظمى مرة أخرى مهيمنا.
وإذا كنا نتحدث عن الإرهاب "العابر للحدود"، فالدولة هي المرجع التقليدي للأمن، تتبعنا في كل مكان للقضاء على الإرهاب، حيث أعلنت الولايات المتحدة وحلفائها أن أفغانستان والعراق هي دول الإرهاب، كما أدانت دولا أخرى، وجعلت منهم أعضاء في "محور الشر" الشهير كمصادر أو قاعدة الدعم للإرهاب، الذي يفترض أن يتجاوز الحدود، ومن شأنه أن يهدد الجميع.
في المقابل، تستغل دول أخرى هذا التهديد أداة شرعية هائلة ضد المعارضين الذين يستخدمون أساليب "إرهابية"، قصد تجنب أيّ استجواب لسياستهم، ومن المفارقات أنّ مكافحة الإرهاب الدولي تصبح مسألة سياسات داخلية، ومسألة تتعلق بالسيادة الوطنية، وسيعتبر الشيشانيون والفلسطينيون والانفصاليين الكشميريين.. في أحيان كثيرة، من دون علمهم، أعضاء في حركات إرهابية إسلامية عالمية واسعة، على الرغم من أنّ هدفهم الرئيسي هو "تقرير المصير"، أو إقامة دولة لهم، سيما عندما يكون التوّجه الديني واضحاً جداً، لهذا وجب أن تضاف حركات الباسك والتاميلية إلى اللائحة، والذي يسمح الحديث عن الإرهاب الدولي الحقيقي بإضافتها، على الرغم من أنّ لكل حركة جذورها وأهدافها المحددة.
في الوقت نفسه، إذا قبلت معظم الدول الغربية وحلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في العالم النامي، على الأقل بشكل رسمي، الخطاب الأميركي حول أولوية مكافحة الإرهاب، فإنّ كثيرين من كوكبنا يعيشون في حالة انعدام الأمن والخوف الذي لا علاقة له بالإرهاب الدولي. هذا هو الحال على وجه الخصوص، في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية. وبعبارة أخرى، إذا كان الإرهاب يشكل تهديدًا حقيقيًا أو يُنظر إليه على هذا النحو، فمن المستحيل نسيان أنّ الأمن أكثر من مجرد ذلك، ناهيك عن أي نوع من أنواع الإرهاب الديني الأصولي؟
لذلك، هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مناهج حاسمة في الخطابات والممارسات الأمنية، إذ لم يعد مطلوبا أن يكون المسار، حيث تخضع الحريات العامة بشكل متزايد لمطالب نظام جديد يخضع تماما لمطالب "الحرب على الإرهاب".
في مجال الدراسات الاستراتيجية والأمنية، ارتبط "النقد" بالأعمال التي نجحت خلال العشرين سنة الماضية في تفكيك الممارسات والخطابات الأمنية المسيطرة، وفقا لثلاث مواقف، الأول هو ذو طبيعة وجودية، إذ أن "النقاد" كانوا جزءامن توسيع مفهوم الأمن في حقبة ما بعد الحرب الباردة. والثاني هو من طبيعة معرفية، وتشير إلى المناقشات بين الوضعية والافتراضية في العلاقة بالمعرفة في هذا المجال. وأخيراً، فإن الالتزام الثالث، هو الالتزام الفكري وتحفيز التفكير في الأساليب المستخدمة وتحدي السياسات الأمنية.
وإذا كان مطلوبا تقييم الثقافات والصراعات وفقا لأسس النهج البنائي للأمن، فإنه سرعان ما أصبح واضحا أنّ شكل البنائية التي تكتسب اليد العليا، سيما في أميركا الشمالية، لا توفر أدوات كافية للقيام بنوع من التحليل النقدي الذي نعتقد أنه ضروري اليوم، لذلك فإن الإختيار النظري والتجريبي لمختلف المناهج الحاسمة للأمن يمكن أن يفي بالغرض.
ويبدو أن نقطة البداية تبدأ بمسائلة المفهوم الموسع للأمن الذي اقترحه الباحثون في مدرسة كوبنهاغن، من خلال التمييز بين خمسة مجالات أمنية: عسكرية، سياسية، اقتصادية، مجتمعية وبيئية. إذ دعتنا هذه الأخيرة للتخلي عن الرؤية الضيقة للأمن التي تقدمها الدراسات الأمنية التقليدية، ودعتنا إلى التساءل، صراحة أو ضمنا، عن المعنى المعطى للأمن في كل من هذه المجالات، وبشكل أكثر تحديدا أهمية وضع التفكير الأمني بصرامة، ضمن الإطار الأوسع لنظريات العلاقات الدولية.
مع هذه القضية الخاصة، يظهر أنّ النظريات النقدية شديدة التنوع، وأنّ لديها جميعها القدرة على إثارة التفكير في مجال تحاول السلطات إحتواؤها أكثر فأكثر داخل المعركة ضد الإرهاب، في أحيان كثيرة، لخدمة المصالح السياسية، على حساب مصادر أخرى من انعدام الأمن أقرب إلى مخاوف حقيقية في جزء كبير من العالم.
بعدما نجحت الولايات المتحدة في فرض "الإرهاب الدولي" موضوعا ذا أولوية في جدول الأعمال الأمني، فإن الحاجة إلى مقاربة التحليل الأمني لم تكن أبداً أكبر من قبل، إذ على مدى عشرين سنة مضت، سعت الدراسات الأمنية إلى التحرر من قيود الحرب الباردة، وتمّ الإكتفاء بالاستشهاد فقط في مسائل الدفاع العسكري بما يسمّى الأمن القومي في عالم الدراسات الأمنية، وبالضبط منذ 11 سبتمبر 2001، حيث عدنا إلى المربع الأول، على الرغم من الخطاب الذي يؤكد الطبيعة العابرة للحدود للظاهرة الإرهابية و"التحديات الجديدة" للأمن ، فأضحى الاستقطاب والعسكرة التي ميزت التفكير الأمني بين قادة القوى العظمى مرة أخرى مهيمنا.
وإذا كنا نتحدث عن الإرهاب "العابر للحدود"، فالدولة هي المرجع التقليدي للأمن، تتبعنا في كل مكان للقضاء على الإرهاب، حيث أعلنت الولايات المتحدة وحلفائها أن أفغانستان والعراق هي دول الإرهاب، كما أدانت دولا أخرى، وجعلت منهم أعضاء في "محور الشر" الشهير كمصادر أو قاعدة الدعم للإرهاب، الذي يفترض أن يتجاوز الحدود، ومن شأنه أن يهدد الجميع.
في المقابل، تستغل دول أخرى هذا التهديد أداة شرعية هائلة ضد المعارضين الذين يستخدمون أساليب "إرهابية"، قصد تجنب أيّ استجواب لسياستهم، ومن المفارقات أنّ مكافحة الإرهاب الدولي تصبح مسألة سياسات داخلية، ومسألة تتعلق بالسيادة الوطنية، وسيعتبر الشيشانيون والفلسطينيون والانفصاليين الكشميريين.. في أحيان كثيرة، من دون علمهم، أعضاء في حركات إرهابية إسلامية عالمية واسعة، على الرغم من أنّ هدفهم الرئيسي هو "تقرير المصير"، أو إقامة دولة لهم، سيما عندما يكون التوّجه الديني واضحاً جداً، لهذا وجب أن تضاف حركات الباسك والتاميلية إلى اللائحة، والذي يسمح الحديث عن الإرهاب الدولي الحقيقي بإضافتها، على الرغم من أنّ لكل حركة جذورها وأهدافها المحددة.
في الوقت نفسه، إذا قبلت معظم الدول الغربية وحلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في العالم النامي، على الأقل بشكل رسمي، الخطاب الأميركي حول أولوية مكافحة الإرهاب، فإنّ كثيرين من كوكبنا يعيشون في حالة انعدام الأمن والخوف الذي لا علاقة له بالإرهاب الدولي. هذا هو الحال على وجه الخصوص، في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية. وبعبارة أخرى، إذا كان الإرهاب يشكل تهديدًا حقيقيًا أو يُنظر إليه على هذا النحو، فمن المستحيل نسيان أنّ الأمن أكثر من مجرد ذلك، ناهيك عن أي نوع من أنواع الإرهاب الديني الأصولي؟
لذلك، هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مناهج حاسمة في الخطابات والممارسات الأمنية، إذ لم يعد مطلوبا أن يكون المسار، حيث تخضع الحريات العامة بشكل متزايد لمطالب نظام جديد يخضع تماما لمطالب "الحرب على الإرهاب".
في مجال الدراسات الاستراتيجية والأمنية، ارتبط "النقد" بالأعمال التي نجحت خلال العشرين سنة الماضية في تفكيك الممارسات والخطابات الأمنية المسيطرة، وفقا لثلاث مواقف، الأول هو ذو طبيعة وجودية، إذ أن "النقاد" كانوا جزءامن توسيع مفهوم الأمن في حقبة ما بعد الحرب الباردة. والثاني هو من طبيعة معرفية، وتشير إلى المناقشات بين الوضعية والافتراضية في العلاقة بالمعرفة في هذا المجال. وأخيراً، فإن الالتزام الثالث، هو الالتزام الفكري وتحفيز التفكير في الأساليب المستخدمة وتحدي السياسات الأمنية.
وإذا كان مطلوبا تقييم الثقافات والصراعات وفقا لأسس النهج البنائي للأمن، فإنه سرعان ما أصبح واضحا أنّ شكل البنائية التي تكتسب اليد العليا، سيما في أميركا الشمالية، لا توفر أدوات كافية للقيام بنوع من التحليل النقدي الذي نعتقد أنه ضروري اليوم، لذلك فإن الإختيار النظري والتجريبي لمختلف المناهج الحاسمة للأمن يمكن أن يفي بالغرض.
ويبدو أن نقطة البداية تبدأ بمسائلة المفهوم الموسع للأمن الذي اقترحه الباحثون في مدرسة كوبنهاغن، من خلال التمييز بين خمسة مجالات أمنية: عسكرية، سياسية، اقتصادية، مجتمعية وبيئية. إذ دعتنا هذه الأخيرة للتخلي عن الرؤية الضيقة للأمن التي تقدمها الدراسات الأمنية التقليدية، ودعتنا إلى التساءل، صراحة أو ضمنا، عن المعنى المعطى للأمن في كل من هذه المجالات، وبشكل أكثر تحديدا أهمية وضع التفكير الأمني بصرامة، ضمن الإطار الأوسع لنظريات العلاقات الدولية.
مع هذه القضية الخاصة، يظهر أنّ النظريات النقدية شديدة التنوع، وأنّ لديها جميعها القدرة على إثارة التفكير في مجال تحاول السلطات إحتواؤها أكثر فأكثر داخل المعركة ضد الإرهاب، في أحيان كثيرة، لخدمة المصالح السياسية، على حساب مصادر أخرى من انعدام الأمن أقرب إلى مخاوف حقيقية في جزء كبير من العالم.
مقالات أخرى
21 نوفمبر 2018
03 نوفمبر 2018
29 أكتوبر 2018