05 نوفمبر 2014
بين شيوخ الحركة الإسلاميّة وشبابها
لا يتناقض مع أصول الحركة الإسلامية ("الإخوان المسلمين" تحديداً)، وفكرها، النظر إلى الثورات على أنها ليست خياراً مفضّلاً، تندفع نحوه وتتبناه. فالثورة عواقبها عسيرة، كما يرى أحد شيوخ الحركة ومنظّريها، الدكتور حسن الترابي، والذي، وهو يعدّد مساوئ الثورات، يقرّ بأنها، أحياناً، تصبح قَدَراً لا يمكن الوقوف في وجهه، أو الحيلولة دونه.
قد تكون للتجربة السودانية خصوصيتها، لكن الانتكاسة التي تعرّضت لها الحركة الإسلامية في مصر، وكذلك ما شهدته وتشهده سوريا من فظائع، تبدو ماثلة أمام الترابي، وهو يخطو نحو العسكر من جديد، لإنقاذهم، هذه المرة، في عملية مصالحةٍ تحاول الإمساك بزمام الأمر مجدداً، على غرار ما كان يوم أتى الإسلاميون بالعسكر ووضعوهم على رأس هرم السلطة في السودان.
يشاطر كثيرون من قادة ومنظّري الحركة، في أكثر من دولة، الترابي مواقفه، فالإصلاح (السلمي) كان، على الدوام، عنواناً بارزاً في الطرح الإسلامي، في ما يتعلق بالمجتمع والدولة، ومنهج العلاقة مع السلطة، رغم كل طروحات هجاء الطواغيت ومقارعة المستبدّ. لكن المؤكد، أيضاً، أن هذه الرؤية المحتاطة لا تجد صدى وسط شباب الحركة الإسلامية في مصر وغيرها. ومؤكدٌ، أيضاً، أن الانقلاب الذي أطاح حكم محمد مرسي كان، من حيث لا يدري مخططوه ومنفّذوه، سبباً لإحداث تغيير جذري في صفوف الإسلاميين، سيعبّر عن نفسه، مستقبلاً، بأشكال عدّة، قد يكون في صدارتها تقدم جيل جديد، جلّه من الشباب، إلى الواجهة، بمقاربات مختلفةٍ، ومغايرة لمقاربات الشيوخ.
في المشهد المصري، مثالاً، يبدو واضحاً أن الشباب والنساء غادروا، إلى غير رجعة، الأطر والأدوار التي رُسمت لهم، وبات هامش المبادرة والإبداع في مواجهة الانقلاب واسعاً، غير محدودٍ بقرارات تنظيمية صارمة، يتخذها الشيوخ. وستجد هذه الخبرات، التي تراكمت على مدى الأشهر الماضية، مداها في المستقبل، بشكل غير مسبوق.
تستحق تجربة النساء، على هذا الصعيد، التوقف والمتابعة، فقد خرجت "الأخت المسلمة" من "الفضاءات الآمنة" التي كانت تُرسم لها من "الأخوة"، المدعومين بسلطة الفتوى والنص، وهي فضاءات كانت ترجّح المنزل "الخاص الآمن" على المجتمع "العام المحفوف بالمخاطر". بشجاعةٍ كبيرةٍ تسجّل شابات محجّبات، اليوم، حضوراً ملفتاً في المجال العام، متحديات سلطة القمع الممهورة بختم العسكر. ولعلّ من المفارقات الكبيرة أَن النساء اللواتي اتُّهمنَ، سنواتٍ، بأنهنّ لسن سوى أصوات انتخابية يتم حشدها لصالح مرشحي الحركة الذكور، حجزن، اليوم، وبجدارة، مكاناً متصدّراً في حركة الاحتجاج، على الرغم من أن لهذه المكانة ضريبتها الكبيرة من سجن ومحاكمة وتحرّش واعتداء.
مثّل "سؤال المرأة"، على الدوام، مأزقاً بالنسبة للطرح السياسي الإسلامي، وبقيت الطروحات، على صعيد المشاركة السياسية للمرأة، اعتذاريةً أحياناً، وتبريريةً أحياناً أخرى، وغير مقنعة في كل الأحيان. وساهمت "محنة الإخوان"، التي تتصاعد حدّتها منذ الانقلاب العسكري في مصر، في إخراج المرأة من أدوارها التقليدية داخل الحركة، وسيكون صعباً عليها أن تعود إلى ممارسة تلك الأدوار، بعدما حصّلت كل هذه التجارب، وقد تأتي الإجابة على سؤال المرأة، بصورة عملية، على يد النساء أنفسهن.
وتبدو إنجازات الشباب مبهرةً، من حيث تنوّعها وجرأتها، مقارنة بـ"مبادرات الشيوخ" الذين لم تُخرجهم المحنة بعد من أنماطهم السابقة في الفعل ورد الفعل. ولعلّ ذلك يفسّر حالة التململ داخل صفوف الإسلاميين، في مصر والأردن والسودان وغيرها، وهو تململٌ يعبّر عنه الشباب بأشكال مختلفة، فيها ملامح ثورة على "عسكر الإخوان".
وحتى يأتي الوقت الذي تنضج فيه تجارب الشباب، سيبقى شيوخها يعيدون تكرار مقارباتهم السابقة تجاه القضايا الحساسة والجوهرية. وهي مقارباتٌ تقوم على عاطفة كثيرة، وعلى القليل من الفكر والعقلانية، وتكاد تكون محصورة داخل المحيط الإخواني. ولعلّ خير دليل على ذلك ردود الفعل القاصرة عن التعامل مع قرار رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، فتح تحقيق حول أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، وارتباطها بأنشطة ومنظمات إرهابية. فحتى الآن ما زالت الرؤية الغالبة تقلّل من جدية القرار وتداعياته، في صورةٍ مشابهةٍ لحالة التقليل من قوة معارضيهم وجديتهم، وهي حالةٌ سادت بين صفوفهم قبيل الانقلاب على مرسي.
يحتاج "الإخوان" إلى الاعتراف بأنهم تورطوا في مسار السياسة، في وقت ينقصهم فيه التخطيط، ومن دون أن يمتلكوا منهجاً للحكم. والتغيير الحقيقي يبدأ من نقد جذري وعميق، يجريه "الإخوان" لأنفسهم، يراجعون فيه الطرح والتجربة والأداء، وهي خطوة أولى لازمة لبناء وعي جديد بالمخاطر التي تعصف بالمنطقة.
ليست المحنة اليوم محنة "الإخوان المسلمين" فقط، هي محنة الجميع. فلقد بلغ استبداد الحاكم في العالم العربي ذروته، وبدأ ذلك يترافق مع ظهور جماعاتٍ لا يمكن وصفها إلا بالإرهابية، تذيق البلاد والعباد أصناف الموت والدمار، وهي، بشكل أو بآخر، صناعة رعتها الأجهزة الأمنية، وأحسنت توظيفها كأداة. وباتت المسؤولية الملقاة على عاتق "الإخوان المسلمين"، على هذا الصعيد، أكبر من غيرهم، لتقديم طرحٍ مغايرٍ يُحسِن مواجهة ثنائية الاستبداد والإرهاب.
قد تكون للتجربة السودانية خصوصيتها، لكن الانتكاسة التي تعرّضت لها الحركة الإسلامية في مصر، وكذلك ما شهدته وتشهده سوريا من فظائع، تبدو ماثلة أمام الترابي، وهو يخطو نحو العسكر من جديد، لإنقاذهم، هذه المرة، في عملية مصالحةٍ تحاول الإمساك بزمام الأمر مجدداً، على غرار ما كان يوم أتى الإسلاميون بالعسكر ووضعوهم على رأس هرم السلطة في السودان.
يشاطر كثيرون من قادة ومنظّري الحركة، في أكثر من دولة، الترابي مواقفه، فالإصلاح (السلمي) كان، على الدوام، عنواناً بارزاً في الطرح الإسلامي، في ما يتعلق بالمجتمع والدولة، ومنهج العلاقة مع السلطة، رغم كل طروحات هجاء الطواغيت ومقارعة المستبدّ. لكن المؤكد، أيضاً، أن هذه الرؤية المحتاطة لا تجد صدى وسط شباب الحركة الإسلامية في مصر وغيرها. ومؤكدٌ، أيضاً، أن الانقلاب الذي أطاح حكم محمد مرسي كان، من حيث لا يدري مخططوه ومنفّذوه، سبباً لإحداث تغيير جذري في صفوف الإسلاميين، سيعبّر عن نفسه، مستقبلاً، بأشكال عدّة، قد يكون في صدارتها تقدم جيل جديد، جلّه من الشباب، إلى الواجهة، بمقاربات مختلفةٍ، ومغايرة لمقاربات الشيوخ.
في المشهد المصري، مثالاً، يبدو واضحاً أن الشباب والنساء غادروا، إلى غير رجعة، الأطر والأدوار التي رُسمت لهم، وبات هامش المبادرة والإبداع في مواجهة الانقلاب واسعاً، غير محدودٍ بقرارات تنظيمية صارمة، يتخذها الشيوخ. وستجد هذه الخبرات، التي تراكمت على مدى الأشهر الماضية، مداها في المستقبل، بشكل غير مسبوق.
تستحق تجربة النساء، على هذا الصعيد، التوقف والمتابعة، فقد خرجت "الأخت المسلمة" من "الفضاءات الآمنة" التي كانت تُرسم لها من "الأخوة"، المدعومين بسلطة الفتوى والنص، وهي فضاءات كانت ترجّح المنزل "الخاص الآمن" على المجتمع "العام المحفوف بالمخاطر". بشجاعةٍ كبيرةٍ تسجّل شابات محجّبات، اليوم، حضوراً ملفتاً في المجال العام، متحديات سلطة القمع الممهورة بختم العسكر. ولعلّ من المفارقات الكبيرة أَن النساء اللواتي اتُّهمنَ، سنواتٍ، بأنهنّ لسن سوى أصوات انتخابية يتم حشدها لصالح مرشحي الحركة الذكور، حجزن، اليوم، وبجدارة، مكاناً متصدّراً في حركة الاحتجاج، على الرغم من أن لهذه المكانة ضريبتها الكبيرة من سجن ومحاكمة وتحرّش واعتداء.
مثّل "سؤال المرأة"، على الدوام، مأزقاً بالنسبة للطرح السياسي الإسلامي، وبقيت الطروحات، على صعيد المشاركة السياسية للمرأة، اعتذاريةً أحياناً، وتبريريةً أحياناً أخرى، وغير مقنعة في كل الأحيان. وساهمت "محنة الإخوان"، التي تتصاعد حدّتها منذ الانقلاب العسكري في مصر، في إخراج المرأة من أدوارها التقليدية داخل الحركة، وسيكون صعباً عليها أن تعود إلى ممارسة تلك الأدوار، بعدما حصّلت كل هذه التجارب، وقد تأتي الإجابة على سؤال المرأة، بصورة عملية، على يد النساء أنفسهن.
وتبدو إنجازات الشباب مبهرةً، من حيث تنوّعها وجرأتها، مقارنة بـ"مبادرات الشيوخ" الذين لم تُخرجهم المحنة بعد من أنماطهم السابقة في الفعل ورد الفعل. ولعلّ ذلك يفسّر حالة التململ داخل صفوف الإسلاميين، في مصر والأردن والسودان وغيرها، وهو تململٌ يعبّر عنه الشباب بأشكال مختلفة، فيها ملامح ثورة على "عسكر الإخوان".
وحتى يأتي الوقت الذي تنضج فيه تجارب الشباب، سيبقى شيوخها يعيدون تكرار مقارباتهم السابقة تجاه القضايا الحساسة والجوهرية. وهي مقارباتٌ تقوم على عاطفة كثيرة، وعلى القليل من الفكر والعقلانية، وتكاد تكون محصورة داخل المحيط الإخواني. ولعلّ خير دليل على ذلك ردود الفعل القاصرة عن التعامل مع قرار رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، فتح تحقيق حول أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، وارتباطها بأنشطة ومنظمات إرهابية. فحتى الآن ما زالت الرؤية الغالبة تقلّل من جدية القرار وتداعياته، في صورةٍ مشابهةٍ لحالة التقليل من قوة معارضيهم وجديتهم، وهي حالةٌ سادت بين صفوفهم قبيل الانقلاب على مرسي.
يحتاج "الإخوان" إلى الاعتراف بأنهم تورطوا في مسار السياسة، في وقت ينقصهم فيه التخطيط، ومن دون أن يمتلكوا منهجاً للحكم. والتغيير الحقيقي يبدأ من نقد جذري وعميق، يجريه "الإخوان" لأنفسهم، يراجعون فيه الطرح والتجربة والأداء، وهي خطوة أولى لازمة لبناء وعي جديد بالمخاطر التي تعصف بالمنطقة.
ليست المحنة اليوم محنة "الإخوان المسلمين" فقط، هي محنة الجميع. فلقد بلغ استبداد الحاكم في العالم العربي ذروته، وبدأ ذلك يترافق مع ظهور جماعاتٍ لا يمكن وصفها إلا بالإرهابية، تذيق البلاد والعباد أصناف الموت والدمار، وهي، بشكل أو بآخر، صناعة رعتها الأجهزة الأمنية، وأحسنت توظيفها كأداة. وباتت المسؤولية الملقاة على عاتق "الإخوان المسلمين"، على هذا الصعيد، أكبر من غيرهم، لتقديم طرحٍ مغايرٍ يُحسِن مواجهة ثنائية الاستبداد والإرهاب.