لم تصرف السلطة الفلسطينية حتى اللحظة رواتب موظفيها في الضفة الغربية وقطاع غزة عن شهر مايو/ أيار المنصرم، وسط أجواء من الترقب والقلق تسود صفوف الموظفين حول مصير رواتبهم في ظل ما تمر به السلطة من أزمة مالية خانقة.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إن حكومته "لن تكون قادرة على دفع رواتب الموظفين العموميين حتى نهاية شهر يونيو الجاري". وعزا اشتية ذلك إلى ما وصفه بـ"تعنت الاحتلال في تحويل أموال الضرائب الفلسطينية".
وأشار إلى أنّ إسرائيل كانت تحوّل هذه الأموال تلقائيا، دون الرجوع للحكومة الفلسطينية، والآن طلبت من الحكومة الحديث معها مقابل تحويل الأموال. وتشكل عائدات الضرائب حوالي 63% من إجمالي الإيرادات العامة الفلسطينية.
وأعلن الرئيس محمود عباس في 19 مايو/ أيار الماضي، أنّ السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في حل من الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة على تلك الاتفاقات والتفاهمات، بما فيها الأمنية.
وجاء ذلك رداً على مخططات الضم التي ستقدم عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي لما يزيد عن 30% من مساحة الضفة الغربية، الأمر ردت عليه إسرائيل بوقف التنسيق المدني مع السلطة، ووقف تحويل أموال الضرائب.
وأشعل تأخر رواتب موظفي السلطة الفلسطينية إلى ما بعد منتصف شهر يونيو/حزيران الجاري حالة من الاستياء والقلق الشديدين بين موظفي السلطة وخاصة في قطاع غزة الذي يمر بأزمات اقتصادية مركبة.
ويتقاضى قرابة 60 ألف موظف عمومي في قطاع غزة ما بين 50 – 70 بالمائة من رواتبهم مذ قرابة أربع سنوات، حيث لا يكاد هذا الجزء من الراتب يكفي غالبيتهم لتغطية النفقات الشهرية، إلى جانب ذلك فإن معظم هؤلاء الموظفين مرتبطون بسداد أقساط شهرية لصالح البنوك ومؤسسات الإقراض، ما يزيد من الأعباء المالية التي يعانون منها في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وتشكل فاتورة الرواتب ما نسبته 53% من إجمالي النفقات الفلسطينية، وطالب صندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة السلطة الفلسطينية بضرورة ضبط النفقات عبر منع تضخم فاتورة الأجور التي تشكل أكثر من نصف نفقات الحكومة، ووفقاً للبنك الدولي فإنّ دعم موازنة السلطة الفلسطينية لهذا العام هو الأدنى منذ عقدين.
في الأثناء، قال الخبير لاقتصادي محمد أبو جياب لـ"العربي الجديد" إنّ تأخير الرواتب وعدم صرفها حتى اللحظة يهدد بمشكلات إنسانية واقتصادية للاقتصاد المنهك في قطاع غزة.
وبين أنّ الرواتب تعد أبرز الموارد المالية للسوق الفلسطينية، وينعكس تأخرها او تقلصها بشلل تام في حركة الأسواق وتراجع كبير جداً في القدرة الشرائية لدى المواطنين بشكلٍ عام والموظفين بشكل خاص.
وتوقع أبو جياب أنّ يتسبب غياب الرواتب بخسائر فادحة للتجار في الأسواق بسبب تكدس بضائعهم وتراجع حركة الشراء، وسيضع التجار أمام خيارين أحلاهما مر، إما بيعها بسعر التكلفة أو ربما أقل، أو أن يعرضها للتلف، وعلى كلا الجهتين سيكون خاسراً.
ويقول موظفو السلطة في قطاع غزة إنّ الحكومة الفلسطينية في رام الله لم تقدم جواباً شافياً حول تأخر الرواتب أو عدم صرفها حتى اللحظة.
ولا يجد موظفو السلطة في غزة ملاذاً للاعتصام أو الاحتجاج على تدني الرواتب أو تأخرها بسبب الانقسام، ويلتزم غالبيتهم الصمت جراء أي خصومات أو تأخير في الرواتب حتى لا يتضرر بما تبقى من الراتب بأن يتم قطعه أو تحويله للتقاعد.
وتأثرت غالبية القطاعات الاقتصادية وخاصة الأسواق في قطاع غزة بأزمة تأخر الرواتب، وسط حالة من الترقب لخطوات السلطة الفلسطينية القادمة للخروج من هذه الأزمة التي يمكن أن تشكل شرارة الانفجار في المرحلة القادمة، وتعد رواتب موظفي السلطة الفلسطينية المحرك الأساس لحركة الأسواق في قطاع غزة.
وانعكست الأزمة المالية التي تولّدت بسبب تأخر الرواتب على الحركة الشرائية في أسواق قطاع غزة، وبدت الأسواق شبه فارغة من المشترين مع انتصاف الشهر الذي غالباً ما يشهد تزاحماً للناس في مثل هذا الوقت بعد تقاضي موظفي القطاع رواتبهم.
وتشابهت أحوال المتاجر الشعبية والمولات في قطاع غزة من حيث قلة ارتياد الزبائن دون وضوح الرؤية حول مصير رواتب الموظفين أو موعد محدد لصرفها.
ويعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل مباشر على ضخ السيولة النقدية من رواتب الموظفين العموميين، مما يعني أنّ التأخير الحاصل في صرف الرواتب قد يؤدي لانهيارات كبيرة في الأسواق الفلسطينية وعجلة الاقتصاد.
ووفقاً لتوقعات البنك الدولي فإن نسبة الفقر قد تتضاعف في الضفة الغربية هذا العام بسبب التداعيات الاقتصادية بسبب جائحة كورونا، وبين أنّ نحو ربع الفلسطينيّين يعيشون تحت خطّ الفقر، 53% من سكان غزّة و14% في الضفّة الغربيّة. وبحسب التقديرات الأوّليّة، سيرتفع عدد الأسر الفقيرة إلى 30% في الضفة الغربية وإلى 64% في غزّة.
وأعلنت الحكومة الفلسطينية فرض حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية بسبب جائحة كورونا، الأمر الذي رفع فاتورة المصروفات وقلّص الإيرادات، ما أحدث خللاً في الميزانية الحكومية.