29 سبتمبر 2017
تاريخ الكوابيس السورية
سيأتي يوم وتقرأ الأجيال القادمة تاريخ سورية. ما نشهده اليوم سيصير تاريخاً، وسيقرأ مواطنو العالم صفحة من أظلم الصفحات كابوسية ودموية، وسنكون، نحن الذين يعيشون هذه اللحظات، شخصيات ذلك التاريخ، وربما يكون من العدل، لنا وللتاريخ، أن نتعرّى اليوم لكي لا يصير تاريخنا عرضة للابتذال، كما كان التاريخ السابق علينا.
حملت لنا وسائل الإعلام أنباء مصحوبة بالصور عن الدروع البشرية التي يستخدمها ما يسمى "جيش الإسلام"، بقيادة أحد مسؤولي التيارات الإسلامية التي تقاتل في سورية ضد نظام الأسد الاستبدادي، زهران علوش. وتقول الأنباء إنهم أمهات وأخوات وأبناء ضباط وجنود ومتعاونين مع النظام، جلهم من الطائفة العلوية التي تنتمي اليها الطغمة الحاكمة في سورية. غضب كثيرون من النشطاء السوريين، ودان كثيرون هذا السلوك، وكانت ردود الفعل من كثيرين على الانتقادات أكثر وحشية من المشهد نفسه، وأعنف، في مضمونها، مما حملته الصور. فإلى أين وصل السوريون، بعد خمسة أعوام من الثورة التي رفعت شعارات بريئة في إنسانيتها من أجل الحرية والعدل والمساواة. كيف انتشر هذا الشر الجنوني في كل الأطراف السورية، وهل يرتاح ضميرنا المتعاطف مع الشعب السوري، حين نقول إن النظام العائلي الطائفي الاستبدادي هو المسؤول الأول والأخير عن كل هذه الشرور المنتشرة في سورية؟ وهل يمكننا، ببساطة، أن نقول إن المعارضة على الأرض، بمكوناتها الأيدولوجية التي تكاد تنتمي إلى مصدر واحد اليوم، يستقي من الدين والفكر المذهبي والانتقام القبلي القديم في التاريخ، على حق في اللجوء إلى تلك الأساليب المتوحشة التي لطالما استخدمها النظام لقهر الشعب عدوه اللدود؟
في الأمر نزعة لا يمكن تفسيرها إلاّ بالجنون، والجنون، كما يقول نيتشه، نادراً ما يكون فردياً، لكنه في الجماعات وفي الأحزاب والأمم. فكيف يمكننا تفسير كل هذا العنف الوحشي لدى المعارضة. نخترع المبررات لتفسير عنفنا، وتمييزه عن عنف الآخر، أي العدو، لكننا، في نهاية التحليل، نكون متماثلين مع العدو، ولا نتميز عنه من الناحية العملية. نقوم بتأويل عنفنا على الضحية المحسوبة على العدو، لكي نستمتع بالعنف، ونجعله مقبولاً، فعنفنا ضد هؤلاء الرهائن يوحّد جماعتنا، وتصعيد العنف يخفف من غضبنا وإحباطنا، ويقدم لنا دفعات من الشعور بالقوة تجاه العدو. العنف سلطة مطلقة، منفلتة من القيود، فوق الحياة والموت، والإمساك بمخاوفنا ورعبنا من الضعف الكامن فينا. ليست المشكلة في العنف مجرداً طليقاً ووحيداً، بل بالكذب الذي نصنعه في سلوكنا أمام الملأ في أننا نرتكب العنف، وندّعي أننا لم نرتكب فعلاً مكروهاً، ونزعم أننا عذبنا وأهنّا وذبحنا وقتلنا وهجّرنا ونبذنا وتجاهلنا إنسانية هؤلاء الأشخاص، لأنهم طبقوا العنف علينا، ولأنهم لاأخلاقيون، ويستحقون ذلك، لأننا أفضل منهم، لأنهم سرقوا حريتنا، فعليهم أن يموتوا كلهم، كما يأمل عدونا الذي ينتمون إليه بموتنا، نحن كلنا. وعليه، سوف ينقذنا موتهم جميعاً، وكذا استباحة إنسانيتهم، من الدمار الكلي والمحق الكامل.
يرى علماء النفس أن الحيوان أرقى من الإنسان في سلوكه العنيف. والعنف ظاهرة تخص الإنسان، فالحيوان لا ينظر إلى عينيّ ضحيته، ولا يستعرض تعذيبه أمام عيون الآخرين، ولا يكره ضحيته كل هذا الكره، ولا يحاول قهر خوفه من الموت والضعف والهشاشة، من خلال السيطرة على كل هذه المشاعر، ولا يخترع الأيدولوجيا، ولا يقدّس العنف، ويمرر هذه القداسة إلى جمهوره، أو ينكر شعوره بالذنب تجاه أفعاله، لأن الآخر الذي حكم عليه بأنه العدو الذي يستحق الموت يمارس الممارسات نفسها عليه، وعلى جماعته.
سورية اليوم كابوس يشترك في صياغة مشهده كل الذين نشاهدهم على خشبة المسرح، وعلى السوريين الباقين في أرضهم والهائمين في العالم أن يستيقظوا من كوابيسهم المرعبة.
حملت لنا وسائل الإعلام أنباء مصحوبة بالصور عن الدروع البشرية التي يستخدمها ما يسمى "جيش الإسلام"، بقيادة أحد مسؤولي التيارات الإسلامية التي تقاتل في سورية ضد نظام الأسد الاستبدادي، زهران علوش. وتقول الأنباء إنهم أمهات وأخوات وأبناء ضباط وجنود ومتعاونين مع النظام، جلهم من الطائفة العلوية التي تنتمي اليها الطغمة الحاكمة في سورية. غضب كثيرون من النشطاء السوريين، ودان كثيرون هذا السلوك، وكانت ردود الفعل من كثيرين على الانتقادات أكثر وحشية من المشهد نفسه، وأعنف، في مضمونها، مما حملته الصور. فإلى أين وصل السوريون، بعد خمسة أعوام من الثورة التي رفعت شعارات بريئة في إنسانيتها من أجل الحرية والعدل والمساواة. كيف انتشر هذا الشر الجنوني في كل الأطراف السورية، وهل يرتاح ضميرنا المتعاطف مع الشعب السوري، حين نقول إن النظام العائلي الطائفي الاستبدادي هو المسؤول الأول والأخير عن كل هذه الشرور المنتشرة في سورية؟ وهل يمكننا، ببساطة، أن نقول إن المعارضة على الأرض، بمكوناتها الأيدولوجية التي تكاد تنتمي إلى مصدر واحد اليوم، يستقي من الدين والفكر المذهبي والانتقام القبلي القديم في التاريخ، على حق في اللجوء إلى تلك الأساليب المتوحشة التي لطالما استخدمها النظام لقهر الشعب عدوه اللدود؟
في الأمر نزعة لا يمكن تفسيرها إلاّ بالجنون، والجنون، كما يقول نيتشه، نادراً ما يكون فردياً، لكنه في الجماعات وفي الأحزاب والأمم. فكيف يمكننا تفسير كل هذا العنف الوحشي لدى المعارضة. نخترع المبررات لتفسير عنفنا، وتمييزه عن عنف الآخر، أي العدو، لكننا، في نهاية التحليل، نكون متماثلين مع العدو، ولا نتميز عنه من الناحية العملية. نقوم بتأويل عنفنا على الضحية المحسوبة على العدو، لكي نستمتع بالعنف، ونجعله مقبولاً، فعنفنا ضد هؤلاء الرهائن يوحّد جماعتنا، وتصعيد العنف يخفف من غضبنا وإحباطنا، ويقدم لنا دفعات من الشعور بالقوة تجاه العدو. العنف سلطة مطلقة، منفلتة من القيود، فوق الحياة والموت، والإمساك بمخاوفنا ورعبنا من الضعف الكامن فينا. ليست المشكلة في العنف مجرداً طليقاً ووحيداً، بل بالكذب الذي نصنعه في سلوكنا أمام الملأ في أننا نرتكب العنف، وندّعي أننا لم نرتكب فعلاً مكروهاً، ونزعم أننا عذبنا وأهنّا وذبحنا وقتلنا وهجّرنا ونبذنا وتجاهلنا إنسانية هؤلاء الأشخاص، لأنهم طبقوا العنف علينا، ولأنهم لاأخلاقيون، ويستحقون ذلك، لأننا أفضل منهم، لأنهم سرقوا حريتنا، فعليهم أن يموتوا كلهم، كما يأمل عدونا الذي ينتمون إليه بموتنا، نحن كلنا. وعليه، سوف ينقذنا موتهم جميعاً، وكذا استباحة إنسانيتهم، من الدمار الكلي والمحق الكامل.
يرى علماء النفس أن الحيوان أرقى من الإنسان في سلوكه العنيف. والعنف ظاهرة تخص الإنسان، فالحيوان لا ينظر إلى عينيّ ضحيته، ولا يستعرض تعذيبه أمام عيون الآخرين، ولا يكره ضحيته كل هذا الكره، ولا يحاول قهر خوفه من الموت والضعف والهشاشة، من خلال السيطرة على كل هذه المشاعر، ولا يخترع الأيدولوجيا، ولا يقدّس العنف، ويمرر هذه القداسة إلى جمهوره، أو ينكر شعوره بالذنب تجاه أفعاله، لأن الآخر الذي حكم عليه بأنه العدو الذي يستحق الموت يمارس الممارسات نفسها عليه، وعلى جماعته.
سورية اليوم كابوس يشترك في صياغة مشهده كل الذين نشاهدهم على خشبة المسرح، وعلى السوريين الباقين في أرضهم والهائمين في العالم أن يستيقظوا من كوابيسهم المرعبة.