28 أكتوبر 2024
تباينات روسية إيرانية في سورية
يمكن الوقوع بين أطراف الأزمة السورية الإقليميين والدوليين على تباينات كبيرة، لكن بينها تقاطعات سياسية. وبين حلفاء المعارضة تفاهمات واسعة، لكن بينهم خلافات عميقة أيضا.
على عكس محور المعارضة، بدا المحور الروسي الإيراني السوري أكثر تماسكا وانضباطا. ولكن مع التدخل العسكري الروسي في سورية بدأت تظهر تباينات بشأن طبيعة الحل، تعكس مصالح كل طرف ورؤيته، استنادا إلى موقعه الجغرافي، ما يدفع إلى القول إن هذا المحور، وإن كان موحدا أمام المخاطر، فإنه متباين بشأن الحلول. ومع كل تقدم عسكري ينجزه المحور الروسي، تطفو تساؤلات عن اليوم التالي الذي تنتهي فيه العمليات العسكرية، وتوضع فيه التسوية على بساط البحث.
ظهرت أولى التباينات بين موسكو وطهران مع الأسابيع الأولى للتدخل العسكري الروسي، عندما بدأ الروس محاولة التفاوض مع الجيش الحر. ثم بدا التباين أكثر مع اختلاف هذا المحور في أولويات الجبهات العسكرية، ففي حين كانت روسيا تركز على ريف حلب الشمالي لحساباتٍ مرتبطة بتركيا، كان النظام يركز على ريف حلب الجنوبي والشرقي لحساباتٍ متعلقةٍ بالمعارضة، بينما أصرت إيران على فتح جبهتي ريفي حلب الجنوبي الغربي وحلب الغربي لحساباتٍ طائفيةٍ متعلقةٍ بكفريا والفوعة في إدلب، ونُبّل والزهراء في حلب. وظهر الخلاف علنا بعد السيطرة على حلب الشرقية، وتحديدا مع عملية إجلاء المدنيين والمسلحين، حيث حاولت إيران عرقلة العملية وقتل المسلحين والمدنيين المشتبه فيهم، ما دفع روسيا إلى التهديد بضرب كل من يطلق النار، في إشارة إلى حليفيها النظام وإيران. على أن التباين بين الجانبين بدأ يأخذ مسارا آخر مع "إعلان موسكو" ومن ثم أستانة؛ فبالنسبة لـ"إعلان موسكو"، يعني وقف إطلاق النار لإيران كبح جماحها العسكري في الشمال الغربي لسورية، ويحول دون استكمالها حماية
الشيعة في حلب، قُبيل الانتقال إلى إدلب، لاستعادة كفريا والفوعة. وبالنسبة لاجتماع أستانة، بدت طهران في قمة غضبها مع إدخال الروس الفصائل المعتدلة بشقيها العلماني والإسلامي في المعادلة العسكرية والسياسية.
ثم انتقل التباين بين طهران وموسكو إلى مستوى آخر، ارتبط، هذه المرة، بصراع النفوذ الجغرافي. وبدا ذلك واضحا في وادي بردى غرب دمشق مع رفض حزب الله وإيران أي تدخل روسي في الصراع القائم هناك. استجاب الروس للإيرانيين، فحيّدوا وادي بردى عن اتفاق الهدنة، لكن هذه النقطة عكست الرؤية الاستراتيجية لكلا الطرفين وحدود الخلافات بينهما. وإذا كانت موسكو قد اعترفت بالمصالح الحيوية لإيران في سورية، فإنها لن تسمح لأصحاب العمائم في طهران بالسيطرة على القرار العسكري السوري. ولذلك بدأ النظام، بطلب روسي صريح، إعادة تشكيل كل القوى شبه العسكرية، وخصوصا "الدفاع الوطني" المشكّل والمدعوم من إيران. وجاء إنشاء "الفيلق الخامس ـ اقتحام" عام 2016 لهذا الغرض، لمنع انتشار السلاح بشكل عشوائي وفوضى أمراء الحرب ووضع الجميع بتصرف الجيش السوري، وبالتالي جعل قراره مرتبطا مباشرة بدمشق وحدها.
والتسوية السياسية عنوان آخر للتباين والاختلاف بين روسيا وإيران، ففي حين تصرح موسكو كثيرا إنها لا تدعم شخص الأسد بقدر ما تدعم الدولة للحيلولة دون انهيارها. وأنها تدعم خطة دولية للتسوية لا تخلو من اختلافات، تبدو إيران حريصةً على عدم إطلاق تصريحاتٍ متعلقة بالتسوية السياسية، لأنها ترفض مبدأ التسوية، وتعتقد أن أي نوعٍ من التسوية، مهما كان بسيطا، سينعكس سلبا عليها استراتيجيا. ظهر ذلك بشأن "مؤتمر الحوار الوطني" في سوتشي، عندما اجتزأت وسائل الإعلام الإيرانية والسورية الرسمية البيان الختامي للمؤتمر، والذي نشرته وزارة الخارجية الروسية، فقد حذفت المقدمة والخاتمة منه، ما يوحي بأن طهران ودمشق غير راضيتين عنه، وهذا ما يفسر تخفيض النظام مستوى تمثيله في المؤتمر.
ومن الخلافات الرئيسية أن إيران والنظام السوري يريدان أن تخضع اللجنة الدستورية، من حيث المرجعية القانونية وآليات العمل واختبار أعضائها، للدستور المقر عام 2012، في حين قبلت موسكو بالشروط الغربية المتمثلة بخضوع اللجنة للأمم المتحدة مقابل حضور مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، إلى سوتشي للمشاركة في المؤتمر. وهذا في غاية الأهمية، فإصرار النظام السوري على اعتبار دستور 2012 المرجعية القانونية / التشريعية يعني أن عمل اللجنة وأهدافها لن يخلّ بالدستور القائم/ الحالي، وإنْ جرى تعديله، لكن خضوع عمل اللجنة الدستورية للأمم المتحدة يعني أن حدود الدستور الجديد ستكون ضمن تسوياتٍ كبرى بين واشنطن وموسكو. وبطبيعة الحال لدى الأخيرة معطيات تجعل موقفها من التسوية لا يتطابق تماما مع دمشق.
من النقاط الخلافية أيضا أن دمشق ترفض خضوع المؤسسات الأمنية لمبادئ سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان بحسب نصوص الدستور والقانون، وتريد أن يكون عملها وفق القانون فقط. وثمة خلافات أخرى لم تظهر بعد.
وأن يعلن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، إنه لولا بلاده لسقطت الحكومة السورية خلال أسابيع، فهذا يعني أن رسائل سياسية تريد طهران إيصالها إلى دمشق وموسكو. كما يمكن إدراج تصريح مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون العسكرية، اللواء يحيى رحيم صفوي، ضمن هذا السياق "لولا إيران لما تمكّن الروس من عمل شيء"، أو حين طالب النظام بتسديد الفواتير التي دفعتها إيران لبقاء النظام صامدا. ولكن أن تشن إيران هجمات لاذعة على الأسد، وإن في الإعلام، فهذا يتعدّى الترميز السياسي. فقد كتبت صحيفة "قانون" الإيرانية "ندفع ونتحمل ثمن تكلفة هذه الحرب. وفي نهاية الحصاد؛ يجلس آخرون لتقاسم الكعكة على المائدة. ليس هذا عملا شريفا. لذلك علينا أن نأخذ حقنا ونتكلم عنه بصراحة، لأن لدى الشعب الإيراني حصته من هذا النصر في سورية". ثم تساءل موقع "تابناك" التابع للحرس الثوري "من المسؤول عن حذف إيران وإقصائها من عملية إعادة إعمار سورية.. نحن أم بشار الأسد؟". وليست مصادفة أن يتزامن الهجوم الإيراني مع تقارير تؤكد توجه دمشق إلى منح موسكو عقودا كبيرة في ملف إعادة الإعمار، ومنه توقيع وزير الخارجية في النظام السوري، وليد المعلم، مع نائب رئيس الحكومة الروسية، ديميتري روغوزين، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على بروتوكول للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي التقني، يتناول مشاركة الروس في إعادة الإعمار في سورية.
صحيح أن إيران حصلت على عقود واتفاقيات اقتصادية، تتعلق بمجالات النفط وشبكات الهاتف المحمول والمجالات الزراعية والحيوانية والصناعية، لكن هذه العقود تعتبر بالنسبة لطهران وسيلة لتعويض جزء من خسائر كبيرة تكبدتها في سورية، ووسيلة لاسترجاع القروض التي منحتها طهران للنظام على شكل خطوط ائتمان، وكان آخرها فتح خط ائتمان في 2017 بقيمة ثلاثة مليارات دولار ونصف المليون.
أهم ما يلفت الانتباه في التصريحات الإيرانية أن الحرب الباردة بشأن إعادة الإعمار بدأت مبكرةً بين الحليفين، فالمعارك لم تضع أوزارها، والواقع العسكري قابل للانفجار في أي لحظة مع وجود الأميركيين، ما يعني أن ثمة اختلافات حادة داخل هذا المحور بشأن من يريد الاستئثار بالكعكة السورية. ويعود إعطاء دمشق الأولوية للروس في إعادة الإعمار إلى اعتبارات عدة، أهمها:
حاجة دمشق الملحة لروسيا في المرحلة المقبلة، فبعد اقتراب المعارك من الانتهاء، ينصب اهتمام المجتمع الدولي والولايات المتحدة على التسوية، وتثبيت مناطق النفوذ داخل سورية، وروسيا وحدها القادرة على حماية النظام. وأن طهران ما تزال بحاجة إلى سورية أكثر من حاجة الأخيرة إليها، فسقوط النظام يعني سقوط القوة الإيرانية في المنطقة، بحيث تصبح طهران من دون أية أنياب إقليمية. وأن روسيا يمكن أن تكون بوابة دولية لإعادة الإعمار، فمن خلالها يمكن إجراء تسويات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فيما لا تصلح إيران لذلك. كما أن ضعف الاقتصاد الإيراني وتفشي البيروقراطية يحولان دون تمتع طهران بقدرة على تصدر ملف إعادة الإعمار.
لم يصل التباين بين موسكو وطهران إلى مرحلة الاختلاف الحاد بسبب استمرار المخاطر. ولكن مع اقتراب الأزمة شيئا فشيئا من نهايتها سترتفع وتيرة الخلافات، بسبب الافتراق بين الجانبين حيال صيغة الحل النهائية. ومع ذلك، حدود التلاقي بين الجانبين أكبر بكثير من حدود الاختلاف، وسيظل التعاون الاستراتيجي قائما بينهما، مع محاولة الإيرانيين تعزيز نفوذهم في سورية على ثلاثة مستويات: عسكري/ جغرافي، وسياسي، واقتصادي، استباقا لأي تسويةٍ تضعف نفوذهم.
تستفيد روسيا وإيران من بعضهما؛ فبالنسبة لروسيا لا تشكل سورية مصالح حيوية مباشرة كما الحال مع إيران، لكنها (أي سورية) تشكل ورقةً مهمة لموسكو في ضمان مصالحها العالمية. ومن دون إيران لا يمكن أن تغيّر روسيا الميزان العسكري للصراع بما يخدم في النهاية رؤيتها. وفي المقابل؛ استفادت إيران من روسيا في تغيير الميزان العسكري بعد فشلها خلال السنوات الماضية في إحداث انعطافةٍ عسكرية لصالح النظام، لكن طهران التي تعي ثمن التدخل العسكري الروسي قرّرت دفع الأذى القريب بالأذى البعيد.
على عكس محور المعارضة، بدا المحور الروسي الإيراني السوري أكثر تماسكا وانضباطا. ولكن مع التدخل العسكري الروسي في سورية بدأت تظهر تباينات بشأن طبيعة الحل، تعكس مصالح كل طرف ورؤيته، استنادا إلى موقعه الجغرافي، ما يدفع إلى القول إن هذا المحور، وإن كان موحدا أمام المخاطر، فإنه متباين بشأن الحلول. ومع كل تقدم عسكري ينجزه المحور الروسي، تطفو تساؤلات عن اليوم التالي الذي تنتهي فيه العمليات العسكرية، وتوضع فيه التسوية على بساط البحث.
ظهرت أولى التباينات بين موسكو وطهران مع الأسابيع الأولى للتدخل العسكري الروسي، عندما بدأ الروس محاولة التفاوض مع الجيش الحر. ثم بدا التباين أكثر مع اختلاف هذا المحور في أولويات الجبهات العسكرية، ففي حين كانت روسيا تركز على ريف حلب الشمالي لحساباتٍ مرتبطة بتركيا، كان النظام يركز على ريف حلب الجنوبي والشرقي لحساباتٍ متعلقةٍ بالمعارضة، بينما أصرت إيران على فتح جبهتي ريفي حلب الجنوبي الغربي وحلب الغربي لحساباتٍ طائفيةٍ متعلقةٍ بكفريا والفوعة في إدلب، ونُبّل والزهراء في حلب. وظهر الخلاف علنا بعد السيطرة على حلب الشرقية، وتحديدا مع عملية إجلاء المدنيين والمسلحين، حيث حاولت إيران عرقلة العملية وقتل المسلحين والمدنيين المشتبه فيهم، ما دفع روسيا إلى التهديد بضرب كل من يطلق النار، في إشارة إلى حليفيها النظام وإيران. على أن التباين بين الجانبين بدأ يأخذ مسارا آخر مع "إعلان موسكو" ومن ثم أستانة؛ فبالنسبة لـ"إعلان موسكو"، يعني وقف إطلاق النار لإيران كبح جماحها العسكري في الشمال الغربي لسورية، ويحول دون استكمالها حماية
ثم انتقل التباين بين طهران وموسكو إلى مستوى آخر، ارتبط، هذه المرة، بصراع النفوذ الجغرافي. وبدا ذلك واضحا في وادي بردى غرب دمشق مع رفض حزب الله وإيران أي تدخل روسي في الصراع القائم هناك. استجاب الروس للإيرانيين، فحيّدوا وادي بردى عن اتفاق الهدنة، لكن هذه النقطة عكست الرؤية الاستراتيجية لكلا الطرفين وحدود الخلافات بينهما. وإذا كانت موسكو قد اعترفت بالمصالح الحيوية لإيران في سورية، فإنها لن تسمح لأصحاب العمائم في طهران بالسيطرة على القرار العسكري السوري. ولذلك بدأ النظام، بطلب روسي صريح، إعادة تشكيل كل القوى شبه العسكرية، وخصوصا "الدفاع الوطني" المشكّل والمدعوم من إيران. وجاء إنشاء "الفيلق الخامس ـ اقتحام" عام 2016 لهذا الغرض، لمنع انتشار السلاح بشكل عشوائي وفوضى أمراء الحرب ووضع الجميع بتصرف الجيش السوري، وبالتالي جعل قراره مرتبطا مباشرة بدمشق وحدها.
والتسوية السياسية عنوان آخر للتباين والاختلاف بين روسيا وإيران، ففي حين تصرح موسكو كثيرا إنها لا تدعم شخص الأسد بقدر ما تدعم الدولة للحيلولة دون انهيارها. وأنها تدعم خطة دولية للتسوية لا تخلو من اختلافات، تبدو إيران حريصةً على عدم إطلاق تصريحاتٍ متعلقة بالتسوية السياسية، لأنها ترفض مبدأ التسوية، وتعتقد أن أي نوعٍ من التسوية، مهما كان بسيطا، سينعكس سلبا عليها استراتيجيا. ظهر ذلك بشأن "مؤتمر الحوار الوطني" في سوتشي، عندما اجتزأت وسائل الإعلام الإيرانية والسورية الرسمية البيان الختامي للمؤتمر، والذي نشرته وزارة الخارجية الروسية، فقد حذفت المقدمة والخاتمة منه، ما يوحي بأن طهران ودمشق غير راضيتين عنه، وهذا ما يفسر تخفيض النظام مستوى تمثيله في المؤتمر.
ومن الخلافات الرئيسية أن إيران والنظام السوري يريدان أن تخضع اللجنة الدستورية، من حيث المرجعية القانونية وآليات العمل واختبار أعضائها، للدستور المقر عام 2012، في حين قبلت موسكو بالشروط الغربية المتمثلة بخضوع اللجنة للأمم المتحدة مقابل حضور مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، إلى سوتشي للمشاركة في المؤتمر. وهذا في غاية الأهمية، فإصرار النظام السوري على اعتبار دستور 2012 المرجعية القانونية / التشريعية يعني أن عمل اللجنة وأهدافها لن يخلّ بالدستور القائم/ الحالي، وإنْ جرى تعديله، لكن خضوع عمل اللجنة الدستورية للأمم المتحدة يعني أن حدود الدستور الجديد ستكون ضمن تسوياتٍ كبرى بين واشنطن وموسكو. وبطبيعة الحال لدى الأخيرة معطيات تجعل موقفها من التسوية لا يتطابق تماما مع دمشق.
من النقاط الخلافية أيضا أن دمشق ترفض خضوع المؤسسات الأمنية لمبادئ سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان بحسب نصوص الدستور والقانون، وتريد أن يكون عملها وفق القانون فقط. وثمة خلافات أخرى لم تظهر بعد.
وأن يعلن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، إنه لولا بلاده لسقطت الحكومة السورية خلال أسابيع، فهذا يعني أن رسائل سياسية تريد طهران إيصالها إلى دمشق وموسكو. كما يمكن إدراج تصريح مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون العسكرية، اللواء يحيى رحيم صفوي، ضمن هذا السياق "لولا إيران لما تمكّن الروس من عمل شيء"، أو حين طالب النظام بتسديد الفواتير التي دفعتها إيران لبقاء النظام صامدا. ولكن أن تشن إيران هجمات لاذعة على الأسد، وإن في الإعلام، فهذا يتعدّى الترميز السياسي. فقد كتبت صحيفة "قانون" الإيرانية "ندفع ونتحمل ثمن تكلفة هذه الحرب. وفي نهاية الحصاد؛ يجلس آخرون لتقاسم الكعكة على المائدة. ليس هذا عملا شريفا. لذلك علينا أن نأخذ حقنا ونتكلم عنه بصراحة، لأن لدى الشعب الإيراني حصته من هذا النصر في سورية". ثم تساءل موقع "تابناك" التابع للحرس الثوري "من المسؤول عن حذف إيران وإقصائها من عملية إعادة إعمار سورية.. نحن أم بشار الأسد؟". وليست مصادفة أن يتزامن الهجوم الإيراني مع تقارير تؤكد توجه دمشق إلى منح موسكو عقودا كبيرة في ملف إعادة الإعمار، ومنه توقيع وزير الخارجية في النظام السوري، وليد المعلم، مع نائب رئيس الحكومة الروسية، ديميتري روغوزين، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على بروتوكول للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي التقني، يتناول مشاركة الروس في إعادة الإعمار في سورية.
صحيح أن إيران حصلت على عقود واتفاقيات اقتصادية، تتعلق بمجالات النفط وشبكات الهاتف المحمول والمجالات الزراعية والحيوانية والصناعية، لكن هذه العقود تعتبر بالنسبة لطهران وسيلة لتعويض جزء من خسائر كبيرة تكبدتها في سورية، ووسيلة لاسترجاع القروض التي منحتها طهران للنظام على شكل خطوط ائتمان، وكان آخرها فتح خط ائتمان في 2017 بقيمة ثلاثة مليارات دولار ونصف المليون.
أهم ما يلفت الانتباه في التصريحات الإيرانية أن الحرب الباردة بشأن إعادة الإعمار بدأت مبكرةً بين الحليفين، فالمعارك لم تضع أوزارها، والواقع العسكري قابل للانفجار في أي لحظة مع وجود الأميركيين، ما يعني أن ثمة اختلافات حادة داخل هذا المحور بشأن من يريد الاستئثار بالكعكة السورية. ويعود إعطاء دمشق الأولوية للروس في إعادة الإعمار إلى اعتبارات عدة، أهمها:
حاجة دمشق الملحة لروسيا في المرحلة المقبلة، فبعد اقتراب المعارك من الانتهاء، ينصب اهتمام المجتمع الدولي والولايات المتحدة على التسوية، وتثبيت مناطق النفوذ داخل سورية، وروسيا وحدها القادرة على حماية النظام. وأن طهران ما تزال بحاجة إلى سورية أكثر من حاجة الأخيرة إليها، فسقوط النظام يعني سقوط القوة الإيرانية في المنطقة، بحيث تصبح طهران من دون أية أنياب إقليمية. وأن روسيا يمكن أن تكون بوابة دولية لإعادة الإعمار، فمن خلالها يمكن إجراء تسويات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فيما لا تصلح إيران لذلك. كما أن ضعف الاقتصاد الإيراني وتفشي البيروقراطية يحولان دون تمتع طهران بقدرة على تصدر ملف إعادة الإعمار.
لم يصل التباين بين موسكو وطهران إلى مرحلة الاختلاف الحاد بسبب استمرار المخاطر. ولكن مع اقتراب الأزمة شيئا فشيئا من نهايتها سترتفع وتيرة الخلافات، بسبب الافتراق بين الجانبين حيال صيغة الحل النهائية. ومع ذلك، حدود التلاقي بين الجانبين أكبر بكثير من حدود الاختلاف، وسيظل التعاون الاستراتيجي قائما بينهما، مع محاولة الإيرانيين تعزيز نفوذهم في سورية على ثلاثة مستويات: عسكري/ جغرافي، وسياسي، واقتصادي، استباقا لأي تسويةٍ تضعف نفوذهم.
تستفيد روسيا وإيران من بعضهما؛ فبالنسبة لروسيا لا تشكل سورية مصالح حيوية مباشرة كما الحال مع إيران، لكنها (أي سورية) تشكل ورقةً مهمة لموسكو في ضمان مصالحها العالمية. ومن دون إيران لا يمكن أن تغيّر روسيا الميزان العسكري للصراع بما يخدم في النهاية رؤيتها. وفي المقابل؛ استفادت إيران من روسيا في تغيير الميزان العسكري بعد فشلها خلال السنوات الماضية في إحداث انعطافةٍ عسكرية لصالح النظام، لكن طهران التي تعي ثمن التدخل العسكري الروسي قرّرت دفع الأذى القريب بالأذى البعيد.