أمس، قرأت خبر إقرار الحكومة السعودية قانون مكافحة التحرّش الجنسي قبل أسبوع تقريباً... هذا القانون ما زال في حاجة إلى مرسوم ملكي ليصير نافذاً. وتساءلت: هل تسعى المملكة إلى "تبييض" صورتها عبر إقرار قوانين عدّة حامية للمرأة وحقوقها؟
بعد الأمر الملكي الخاص الذي صدر في خريف عام 2017 والذي يمنح المرأة الحق في قيادة السيارة، علماً أنّه سيدخل حيّز التنفيذ في يونيو/ حزيران الجاري، ها هي المملكة تقرّ قانون الحماية من التحرّش. بمعزل عن هذه الخطوات "الإيجابية"، ثمّة ما يدعو إلى القلق. هذه القرارات والقوانين قد تبدو مجرّد إكسسوار، إذ يجري استخدام حقوق المرأة كأداة بهدف منح انطباع بأنّ ثمة إصلاحات تقدمية تجري في السعودية. ولعلّ الدليل على ذلك هو قيام الحكومة بإلقاء القبض على سبع نساء قبل أسابيع، كنّ رائدات في حملة حقّ المرأة في قيادة السيارة.
بالعودة إلى قانون التحرّش الجنسي، والذي يُعَدّ للأمانة خطوة أولى نحو إقرار حقوق النساء أو المجموعات المستضعفة، فإنّ تطبيقه سوف يبقى قاصراً ما لم يُنظر في المنظومة الاجتماعية والثقافية ككل. حتى يومنا هذا، ما زال الفصل صارماً بين الفتيات والفتيان وبين النساء والرجال في المقاهي والمطاعم والمدارس ومدن الملاهي وغيرها. وينتج عن ذلك بصورة تلقائية، كبت جنسي ونظرة مشوّهة عن الآخر تذهب النساء ضحيتها في أغلب الأحيان.
كنتُ في السادسة من عمري حين اقترب شابان منّي ومن أختي التي تكبرني بعامَين وقالا لنا: "تعالا معنا فتحصلان على الشوكولاته". كنّا نجلب لأمّي حاجات من الدكّان القريب من المنزل. لم ننظر خلفنا وبدأنا نركض. وصلنا إلى المنزل غير قادرتَين على التنفّس وقد أجهشنا بالبكاء. وأنا ولدت في المملكة العربية السعودية وعشت فيها سنوات طفولتي التي ترافقت مع فكرة أساسية تقول بضرورة الانتباه من الرجال الغرباء. وكان الأهل والأصدقاء يسردون القصص حول كيف قام شابان مثلاً بالتنكّر بزيّ نساء وقصدا مدينة الملاهي بهدف التحرّش. يُذكر أنّه كانت ثمّة أيام محددة في الأسبوع لدخول النساء حصراً إلى مدينة الملاهي مع أطفالهنّ. وتتوالى القصص، إحداها عن طفلة أو شابة في مدينة الخرج في السعودية وُجدت مقتولة بعد اغتصابها. كانت التوعية والتحذيرات مرفقة دائماً بقصص مخيفة من قبيل التحرّش والاغتصاب. لكن، بالتأكيد، لم يسمّونها تحرّشاً أو اغتصاباً، بل كانت تحذيرات ضبابية عن ضرورة عدم الردّ على أيّ رجل غريب.
من هنا، يجب أن يترافق الإصلاح القانوني مع عمل مجتمعي وقرار سياسي يقضي بنقل هذا "الإكسسوار" التجميلي من أروقة السياسة، ليندمج في السياق التربوي والاجتماعي والثقافي العام. وإلى حينه، لن نصفّق للسعودية لأنّها قامت بتلك الإصلاحات، فهي على الأغلب تسعى إلى تبييض صورتها ليس أكثر.
*ناشطة نسوية