تجديد البيان الوزاري لحكومة الحريري: حفاظ على المساكنة السياسية

30 نوفمبر 2017
محاولة لإعادة تثبيت التسوية السياسية (حسين بيضون)
+ الخط -
تُعيد القوى السياسية في لبنان تجديد البيان الوزاري لحكومة سعد الحريري، في أعقاب الأزمة السياسية التي حركّتها السعودية في البلاد، في خطوة تحفظ ماء وجه الحريري، وتعيد تثبيت التسوية السياسية التي انطلقت قبل أكثر من عام. ويتحضّر لبنان لانعقاد مجلس الوزراء في جلسة هي الأولى بعد تبدد موجة الأزمة السياسية التي بدأت خلال ملابسات وجود رئيس الحكومة سعد الحريري في العاصمة السعودية الرياض. وهي أزمة تخللها إعلان الحريري استقالته ومهاجمته إيران و"حزب الله"، قبل أن يعود عنها مع وصوله إلى لبنان.

بقي من أزمة الرياض ثلاثة عناوين طرحها الحريري عند عودته، وعبّر رئيس الجمهورية ميشال عون، عن جديّة في معالجتها داخلياً ومن دون الرضوخ لأي ضغط خارجي. مثّلت هذه النقاط خلاصة التصعيد السعودي تجاه لبنان والمدخل لعودة الانتظام إلى الحياة السياسية، وهي: "أهمية التمسك باتفاق الطائف، ومنطلقات الوفاق الوطني"، و"معالجة المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقة لبنان بالأشقاء العرب"، و"الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الحروب والصراعات الخارجية والنزاعات الإقليمية".

وهي محاور توالى التعبير عنها خلال الأزمة على لسان وزير الخارجية جبران باسيل، في رسالته التي وجهها إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وشدد فيها على "احترام أمن وسيادة الدول العربية" و"الالتزام بسياسة النأي بالنفس" و"التشديد على سيادة لبنان". ثم على لسان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، الذي نفى "نقل أي قطعة سلاح لا إلى اليمن ولا إلى العراق ولا إلى الكويت". كما نفى "مشاركة أي عنصر من عناصر الحزب في إطلاق الصاروخ الباليستي (من اليمن) على الرياض". وأكد نصر الله أيضاً "عودة عناصر وقادة الحزب من العراق بعد هزيمة داعش هناك"، رافضاً ربط هذا الانسحاب بأي ضغط أو تصعيد. وتعدى الأداء السياسي اللبناني مرحلة سحب ذرائع التصعيد السعودي، إلى تحويل اللاجئين السوريين إلى ورقة ضغط على المجتمع الدولي للتنبيه إلى أهمية الحفاظ على الاستقرار المحلي.


"إعادة إنتاج مصطلحات للتسوية"
يدور النقاش فعلياً حول العناوين التي طرحتها الحكومة في بيانها الوزاري أمام البرلمان نهاية العام الماضي، والذي تضمّن "فذلكات لفظية" تجاوز بها واضعو البيان الكثير من النقاط الخلافية لغوياً فقط، لتعود أزمة النظام السياسي وتتجدد بعد أقل من عام على نيل الحكومة الثقة وبضغط سعودي مباشر حرّك الصراع المُجمّد بين القوى السياسية المحلية.

نصّ البيان الوزاري لحكومة الحريري الثانية على "التوافق على الاستراتيجية الدفاعية الوطنية بالحوار"، وعلى "ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية، والتزام احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي حفاظاً على الوطن ساحة سلام واستقرار وتلاق". كما نصّ على "عدم توفير أي جهد أو مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة (من قبل إسرائيل)، وحماية وطننا من عدو لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية".

وتضمّن البند الأخير التأكيد على "دور الدولة في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، والتأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة". وهي الصيغة التي قدّمت لـ"حزب الله" تشريعاً رسمياً لسلاحه بوصفه "سلاح مقاومة لإسرائيل" شارك ويشارك في القتال إلى جانب قوات النظام السوري وإلى جانب "الحشد الشعبي" في العراق وفي أي بلد أو ساحة يجد فيها الحزب ما يُهدد أمنه وسلاحه. كما منح ميشال عون غطاء إضافياً للحزب من خلال تصريحاته المتلاحقة التي أكد فيها أهمية بقاء سلاح الحزب، رابطاً ذلك بـ"ضعف الجيش اللبناني وعدم قدرته على مواجهة إسرائيل".

ولم يوفّر "حزب الله" أي فرصة عملانية لتجاوز هذه البنود إلا اغتنمها مع تقديم التبرير تحت عنواني "الأمن الاستباقي" و"محاربة التكفيريين". أحرج الحزب رئيس الحكومة في إبريل/ نيسان 2016 عندما نظّم جولة إعلامية على الحدود الجنوبية، فاضطر الحريري إلى إقامة جولة ثانية مع قائد الجيش في اليوم التالي. ثم في يونيو/ حزيران 2017 أعلن نصر الله أن "الحدود اللبنانية والسورية ستُفتح أمام آلاف المجاهدين العرب والأجانب لقتال إسرائيل". بعدها أتت محاولة فرض التطبيع مع النظام السوري من خلال زيارة وزراء الحزب وحلفائه إلى سورية للمشاركة في نشاطات سياسية وتقنية، بعكس إرادة الحريري الذي عبّر عن رفض لاحق لهذه الزيارات. وعلى هامش التطورات السورية، أتت المفاوضات التي قادها "حزب الله" مع تنظيم "داعش" خلال معركة "فجر الجرود" التي أطلقها الجيش اللبناني لتحرير جرود لبنان الشرقية من سيطرة التنظيم.

أما اليوم فالمطروح هو إعادة تبنّي مختلف القوى لمضمون خطاب القسم، مع التعويل على التطورات الميدانية في سورية والعراق التي ستسمح بعودة مقاتلي "حزب الله" إلى لبنان بعد تحقيق الأهداف العسكرية المعلنة لوجودهم هناك، وبعد تثبيت التغييرات الديمغرافية والسياسية المرجوة من قبل إيران وحلفائها في البلدين.
ولكن السؤال المطروح هو عن جدوى إعادة التأكيد على "النأي بالنفس" بعد انتهاء المعارك الكبرى في سورية والعراق، وبعد أن أضعفت الخطوات السعودية الأخيرة موقع رئاسة الحكومة وجرّدت الحريري من قوة سياسية كان يمكن أن يخوض بها معركة سياسية ضد الحزب في لبنان.
وفي ظل غياب المحاسبة والرقابة على عمل الحكومة ومدى التزامها بالبيان الوزاري المُلزم لها، قد يكون مصير تثبيت عناوين التسوية كمصير السؤال الذي وجهه عضو كتلة "القوات اللبنانية" إيلي كيروز إلى الحكومة عن "الصفقة التي طبخها حزب الله مع داعش في مفاوضاتهما" خلال معركة "فجر الجرود". وهو السؤال الذي غيبّته التطورات السياسية ونشوة "الانتصار على داعش" دون محاسبة.