خابت كثيرٌ من التوقعات التي تتطلع إلى انتهاء عصر الذروة التلفزي؛ وشهد هذا العام مزيداً من الشراكات، مزيداً من منصات البثّ، ومزيداً من نجوم الصفّ الأول القادمين من السينما إلى الشاشة الصغيرة. هذا التبدّل المستمر يلقي بظلاله على تغييراتٍ مركزيّة في مختلف المفاهيم الأساسيّة، أحدها وأعتقها مفهوم التجديد والإلغاء. المعادلة البسيطة، كما كانت، تقتضي أن نجاح مسلسلٍ ما يعني استمراره؛ موسماً بعد آخر، وفي أحيانٍ كثيرة جانبت التجديدات المتكررة جادّة الصواب، وهكذا يتناوب المشاهد بين دورين؛ الأول كمسبب لاستمرارية العمل، والثاني كمتعرّضٍ لعواقب التجديد وما يرافقها من تمطيطٍ وحرف محاور وانتهاءً بتبدّل هويّة العمل ككل.
في زمنٍ مضى
منذ منتصف الثمانينيات وحتى بعد ولوجنا إلى الألفية الثالثة اعتمدت الشبكات الرئيسية على أرقام المتابعة الجماهيرية كدليلٍ أساسي في قراراتها، ولا يقتصر الأمر على عدد المشاهدين الفعليين بل بالأخص الفئة بين (18-49) عاماً، وكثيراً ما كان يتوقف عرضُ مسلسلٍ ما إذا كانت أرقامه مخيّبة حتى قبل الوصول لخاتمته، يأتي في طليعة هذه الحالات مسلسل Twin Peaks للمخرج ديفيد لينش، إلّا أن مطالبة محبّي المسلسل جعلت شبكة ABC تعرض الحلقات الستّ الباقية عام 1992. بالإمكان القول بأن مذهب التجديد الفائض يتعلّق بالشبكة المنتجة أكثر من كونه شأناً خاصاً بمبتكري العمل؛ ونلاحظ هذا التوجّه لدى معظم الشبكات الرئيسية (المجانية)، التي تحافظ على المنتج الناجح بغية الفائدة الأكبر من الإعلانات، وإن أدّى ذلك إلى إرسال الإنتاجات الجديدة سنوياً إلى المقصلة؛ وقد بلغت نسبة المسلسلات الجديدة الملغاة 69% في موسم 09/ 10، و57% في الموسم الذي سبقه. نجد توجّهاً مشابهاً عند شبكة Showtime التي تتشبّث بشدّة بأعمالها الناجحة رغم النتائج السلبية المتعلقة بقلّة الجوائز، وإهمال النقاد بعد خروج العمل عن سكّته؛ وكثيرةٌ هي الأعمال التي تنقلب بعد 4 أو 5 مواسم ناجحة إلى استنزافٍ تجاري باهت دون مسارات واضحة لتشكيل خاتمة ترضي المتابعين، مثل Shameless الذي تم تجديده لموسم تاسع، وكلّ من Dexter و Homeland اللذين وصلا لموسمٍ ثامن.
كيف نعرف أنها النهاية
هذا السؤال يلحّ بشدة أكبر على الأعمال التي تبدو قادرة على الاستمرار إلى اللانهاية، ضمن نموذج الحلقات المنفصلة التي تصطفّ في نهاية كلّ موسم لتشكيل خاتمةٍ توحي بقصّة عامة، هذه الخاتمة قد تكون مشوّقة لموسم جديد أو حدثاً يمكن اعتباره نهائياً، فما حصل مع روس ورايتشيل في Friends كان ممكناً قبل موسمين على الأقل على سبيل المثال، وهذه الحالة تضعنا أمام تبادل أدوارٍ من قبيل "إنها النهاية فلنضع خاتمةً للشخصيات"؛ عوضاً عن "هذه الخاتمة للشخصيات إذن وصلنا للنهاية". إن التجديد المتتالي ليس حكراً على الكوميديا، وإن كانت أكثر الأنواع تضرراً منه، فالحدث الدرامي قابل للتجدد ويتأرجح بين كونه مناسباً أو مرفوضاً من الجمهور، لكن جريمة الكوميديا الكبرى بأن لا تكون مضحكاً، هي أول ما يحصل لعملٍ جاوز مداه المنطقي، وفي The Big Bang Theory خير مثالٍ لهذه الحالة.
اقــرأ أيضاً
ضد التجديد... ضد الإلغاء
اقترن النجاح الجماهيري الهائل لمسلسل Seinfeld بمديح نقديٍّ، وامتدّ المسلسل لتسعة مواسم، حافظ بها جيري ساينفيلد ولاري ديفيد على فرادته ونكاته المنحوتة بكل احترافية، والمسلسل يتمحور حول يوميات كوميديان ومواقفه مع أصدقائه دون قصة محددة تنظم أحداثه، وهذا ما سبب انتشار فرضيّةٍ أنه مسلسلٌ حول لا شيء، بينما هو في الحقيقة يسبر حياة الكوميديان والمواقف التي تلهم عروضه، أتت النهاية بقرار مبتكري المسلسل في مواجهة شبكة NBC التي خسرت أحد أكثر مسلسلاتها نجاحاً في ذروة جماهيريته، رفض ساينفيلد عقداً ينصّ على تلقيه 5 ملايين دولار مقابل الحلقة الواحدة؛ وهو الرقم الذي لم تتجاوز أجور الممثلين أكثر من ربعه حتى الآن. يبرر ساينفيلد قراره بأن الملاءمة هي أهم ميزات الفن؛ فمدى النكتة وطولها واستمراريتها هي التي تصبغ المنتج بصفة الفن أو اعتباره منتجاً متوسّطاً، ويتّبع لاري ديفيد منهجاً مشابهاً في تعاونه مع شبكة HBO في مسلسل Curb Your Enthusiasm الذي تجاوز الموسم التاسع، لكن مع توقفاتٍ طويلة بين المواسم؛ وصلت لخمس سنوات بين الموسمين الثامن والتاسع، إذ يصدر المسلسل عندما يكون هناك محتوى يليق بتقديمه.
على الضفّة الأخرى، تقبع كثير من الأعمال رهينةً لحركة السوق والإعلانات، ويكفي أن يُجدول عرض مسلسلٍ ما ليلة الجمعة كإنذارٍ بوصوله للهاوية، وتبرز تجربة مسلسل Community الذي صارع للبقاء منذ الموسم الثالث حتى نهايته في الموسم السادس، ولا يزال الجمهور على أملٍ بإصدار فيلمٍ ختاميٍّ يعيد جمع أبطاله في الحرم الجامعي، الذي تدور في كنفه أحداث المسلسل الكوميدي، دأب العمل في نهاية كلّ موسم على وضع مكان الأحداث في مأزقٍ خطر منادياً الجمهور للدفاع عنه وإنقاذه، وبهذا لا يمكن تلقي الحلقات بصورة صحيحة دون النظر لسياقها، والمعركة الحاصلة في سبيل التجديد؛ مثل أن يجلس "جيف" و"آني" ويقترحان أنهما يجب أن يقعا في الغرام لإنقاذ المكان، في كنايةٍ عن الشروط التي رفض مبتكرو العمل الانصياع لها.
نظرة على الموسم الحالي
إن الاختلاف الجذري هذا العام يتعلّق بمنصة نتفليكس التي تصدّرت العناوين بإلغائها عديداً من أعمالها الأصليّة، وهذا الأمر الطارئ على سياسة المنصّة أصبح يرنو من بعيد وخصوصاً بعد تفكك شراكتها مع مارفيل، في انتظارٍ مرتقب لمنصّة ديزني للبث عبر الإنترنت في العام القادم. مع ذلك أدّت نتفليكس دور المخلّص بالنسبة لأعمالٍ عديدة، كاد أن يبطش بها سيف الإلغاء على رأسها Black Mirror، وأيضأً يستمر عملاق البث في استجرار المزيد من النجاحات لأعمالٍ كانت قد انتهت مثل La Casa De Papel الذي سيصدر منه موسم ثالث.
يشقّ على الجمهور والمنتجين وداع عملٍ ناجحٍ لأسبابٍ ربحيةٍ أو للتعلّق بأحداثه وبيئته، ويبدو البديل المرضي في فكرة الاشتقاق ما يحافظ على الأثر الطيب للمسلسل، ويبعد شبح الفشل عن الأصل الناجح، ويضمن حدّاً أدنى من متابعة الجمهور، هكذا يبدو سلوك شبكة HBO في طلبها لخمسة أعمال مشتقة من Game of Thrones منطقياً على الصعيدين الفني والتجاري، ولا بد من الإشارة أن هذا المنحى لعالم الجليد والنار لا يقتضي وصول جميع هذه المشاريع إلى الشاشة.
في زمنٍ مضى
منذ منتصف الثمانينيات وحتى بعد ولوجنا إلى الألفية الثالثة اعتمدت الشبكات الرئيسية على أرقام المتابعة الجماهيرية كدليلٍ أساسي في قراراتها، ولا يقتصر الأمر على عدد المشاهدين الفعليين بل بالأخص الفئة بين (18-49) عاماً، وكثيراً ما كان يتوقف عرضُ مسلسلٍ ما إذا كانت أرقامه مخيّبة حتى قبل الوصول لخاتمته، يأتي في طليعة هذه الحالات مسلسل Twin Peaks للمخرج ديفيد لينش، إلّا أن مطالبة محبّي المسلسل جعلت شبكة ABC تعرض الحلقات الستّ الباقية عام 1992. بالإمكان القول بأن مذهب التجديد الفائض يتعلّق بالشبكة المنتجة أكثر من كونه شأناً خاصاً بمبتكري العمل؛ ونلاحظ هذا التوجّه لدى معظم الشبكات الرئيسية (المجانية)، التي تحافظ على المنتج الناجح بغية الفائدة الأكبر من الإعلانات، وإن أدّى ذلك إلى إرسال الإنتاجات الجديدة سنوياً إلى المقصلة؛ وقد بلغت نسبة المسلسلات الجديدة الملغاة 69% في موسم 09/ 10، و57% في الموسم الذي سبقه. نجد توجّهاً مشابهاً عند شبكة Showtime التي تتشبّث بشدّة بأعمالها الناجحة رغم النتائج السلبية المتعلقة بقلّة الجوائز، وإهمال النقاد بعد خروج العمل عن سكّته؛ وكثيرةٌ هي الأعمال التي تنقلب بعد 4 أو 5 مواسم ناجحة إلى استنزافٍ تجاري باهت دون مسارات واضحة لتشكيل خاتمة ترضي المتابعين، مثل Shameless الذي تم تجديده لموسم تاسع، وكلّ من Dexter و Homeland اللذين وصلا لموسمٍ ثامن.
كيف نعرف أنها النهاية
هذا السؤال يلحّ بشدة أكبر على الأعمال التي تبدو قادرة على الاستمرار إلى اللانهاية، ضمن نموذج الحلقات المنفصلة التي تصطفّ في نهاية كلّ موسم لتشكيل خاتمةٍ توحي بقصّة عامة، هذه الخاتمة قد تكون مشوّقة لموسم جديد أو حدثاً يمكن اعتباره نهائياً، فما حصل مع روس ورايتشيل في Friends كان ممكناً قبل موسمين على الأقل على سبيل المثال، وهذه الحالة تضعنا أمام تبادل أدوارٍ من قبيل "إنها النهاية فلنضع خاتمةً للشخصيات"؛ عوضاً عن "هذه الخاتمة للشخصيات إذن وصلنا للنهاية". إن التجديد المتتالي ليس حكراً على الكوميديا، وإن كانت أكثر الأنواع تضرراً منه، فالحدث الدرامي قابل للتجدد ويتأرجح بين كونه مناسباً أو مرفوضاً من الجمهور، لكن جريمة الكوميديا الكبرى بأن لا تكون مضحكاً، هي أول ما يحصل لعملٍ جاوز مداه المنطقي، وفي The Big Bang Theory خير مثالٍ لهذه الحالة.
ضد التجديد... ضد الإلغاء
اقترن النجاح الجماهيري الهائل لمسلسل Seinfeld بمديح نقديٍّ، وامتدّ المسلسل لتسعة مواسم، حافظ بها جيري ساينفيلد ولاري ديفيد على فرادته ونكاته المنحوتة بكل احترافية، والمسلسل يتمحور حول يوميات كوميديان ومواقفه مع أصدقائه دون قصة محددة تنظم أحداثه، وهذا ما سبب انتشار فرضيّةٍ أنه مسلسلٌ حول لا شيء، بينما هو في الحقيقة يسبر حياة الكوميديان والمواقف التي تلهم عروضه، أتت النهاية بقرار مبتكري المسلسل في مواجهة شبكة NBC التي خسرت أحد أكثر مسلسلاتها نجاحاً في ذروة جماهيريته، رفض ساينفيلد عقداً ينصّ على تلقيه 5 ملايين دولار مقابل الحلقة الواحدة؛ وهو الرقم الذي لم تتجاوز أجور الممثلين أكثر من ربعه حتى الآن. يبرر ساينفيلد قراره بأن الملاءمة هي أهم ميزات الفن؛ فمدى النكتة وطولها واستمراريتها هي التي تصبغ المنتج بصفة الفن أو اعتباره منتجاً متوسّطاً، ويتّبع لاري ديفيد منهجاً مشابهاً في تعاونه مع شبكة HBO في مسلسل Curb Your Enthusiasm الذي تجاوز الموسم التاسع، لكن مع توقفاتٍ طويلة بين المواسم؛ وصلت لخمس سنوات بين الموسمين الثامن والتاسع، إذ يصدر المسلسل عندما يكون هناك محتوى يليق بتقديمه.
على الضفّة الأخرى، تقبع كثير من الأعمال رهينةً لحركة السوق والإعلانات، ويكفي أن يُجدول عرض مسلسلٍ ما ليلة الجمعة كإنذارٍ بوصوله للهاوية، وتبرز تجربة مسلسل Community الذي صارع للبقاء منذ الموسم الثالث حتى نهايته في الموسم السادس، ولا يزال الجمهور على أملٍ بإصدار فيلمٍ ختاميٍّ يعيد جمع أبطاله في الحرم الجامعي، الذي تدور في كنفه أحداث المسلسل الكوميدي، دأب العمل في نهاية كلّ موسم على وضع مكان الأحداث في مأزقٍ خطر منادياً الجمهور للدفاع عنه وإنقاذه، وبهذا لا يمكن تلقي الحلقات بصورة صحيحة دون النظر لسياقها، والمعركة الحاصلة في سبيل التجديد؛ مثل أن يجلس "جيف" و"آني" ويقترحان أنهما يجب أن يقعا في الغرام لإنقاذ المكان، في كنايةٍ عن الشروط التي رفض مبتكرو العمل الانصياع لها.
نظرة على الموسم الحالي
إن الاختلاف الجذري هذا العام يتعلّق بمنصة نتفليكس التي تصدّرت العناوين بإلغائها عديداً من أعمالها الأصليّة، وهذا الأمر الطارئ على سياسة المنصّة أصبح يرنو من بعيد وخصوصاً بعد تفكك شراكتها مع مارفيل، في انتظارٍ مرتقب لمنصّة ديزني للبث عبر الإنترنت في العام القادم. مع ذلك أدّت نتفليكس دور المخلّص بالنسبة لأعمالٍ عديدة، كاد أن يبطش بها سيف الإلغاء على رأسها Black Mirror، وأيضأً يستمر عملاق البث في استجرار المزيد من النجاحات لأعمالٍ كانت قد انتهت مثل La Casa De Papel الذي سيصدر منه موسم ثالث.
يشقّ على الجمهور والمنتجين وداع عملٍ ناجحٍ لأسبابٍ ربحيةٍ أو للتعلّق بأحداثه وبيئته، ويبدو البديل المرضي في فكرة الاشتقاق ما يحافظ على الأثر الطيب للمسلسل، ويبعد شبح الفشل عن الأصل الناجح، ويضمن حدّاً أدنى من متابعة الجمهور، هكذا يبدو سلوك شبكة HBO في طلبها لخمسة أعمال مشتقة من Game of Thrones منطقياً على الصعيدين الفني والتجاري، ولا بد من الإشارة أن هذا المنحى لعالم الجليد والنار لا يقتضي وصول جميع هذه المشاريع إلى الشاشة.