ولا يختلف الخبراء حول فاعلية النفط وآثاره المباشرة، على صناعة وتجارة النفط التقليدي، فقد بات أحد العوامل في تحديد ارتفاع وانخفاض أسعار النفط، كما أنه أصبح يأخذ كمية مهولة من الاستثمارات في مجال الطاقة.
وحتى الآن اقتصرت ثورة النفط الصخري على أميركا، إلا أن هناك العديد من الدول التي تسعى إلى تطوير ثروات النفط الصخري، من بينها دول عربية.
ولكن ثمة تحديات تقف أمام تطوير ثروات النفط الصخري في باقي أنحاء العالم. ففي بريطانيا مثلاً، هناك كميات من النفط الصخري يقدر ثمنها بنحو 94 مليار دولار في جنوب غربي إنجلترا. حسب التقديرات الجيولوجية الأخيرة، غير أن استخراج هذه الكميات يواجه عقبات عديدة، من بينها عقبات سياسية، إذ تعارض الجمعيات الإنسانية والبيئية تخريب البيئة والحياة البرية من أجل ثروة ناضبة. كما أن الجدوى الاقتصادية لا ترجح استخراج هذه الكميات في الوقت الراهن. وفي الدول العربية تقف مشكلة المياه كعقبة رئيسية أمام تطوير النفط الصخري، رغم أن المملكة العربية السعودية قالت إنها ستبدأ بمشروع تجريبي.
ولكن أكبر التحديات التي تواجه صناعة النفط الصخري في أميركا باتت خلال الشهر الماضي، هي مسألة الاستمرارية وسط انخفاض أسعار النفط التقليدي. ومنذ بداية شهر سبتمبر/أيلول الذي انخفضت فيه أسعار النفط، تواجه الشركات الأميركية العاملة في النفط الصخري مخاطر الخسائر. ومع انخفاض خام غرب تكساس إلى نحو 80 دولاراً، دق جرس الإنذار بالنسبة للشركات الأميركية العاملة في الحقول التي تصل فيها كلفة استخراج البرميل 80 دولاراً.
احتياطات النفط الصخري
حسب تقرير إدارة معلومات الطاقة الصادر في يونيو/حزيران الماضي، يحتوي العالم على احتياطات تقدر بنحو 287 مليار برميل من النفط الصخري الذي يمكن استخراجه بجدوى تجارية. وتحتل روسيا المرتبة الأولى من حيث الاحتياطي، حيث لديها احتياطي مؤكد يقدر بنحو 75 مليار برميل، تليها الولايات المتحدة باحتياطي مؤكد وقابل للاستخراج يقدر بنحو 58 مليار برميل، ثم الصين بحجم احتياطي يقدر بنحو 32 مليار برميل.
ويلاحظ أن ليبيا الدولة العربية الوحيدة التي شملتها قائمة الدول التي تفوق احتياطاتها 10 مليارات برميل.
ولكن هنالك تقديرات غير رسمية تشير إلى أن السعودية لديها احتياطات تقدر بنحو 20 مليار برميل. وهذه الاحتياطات تخص النفط المكتشف القابل للاستخراج.
النفط أنواع
النفط الصخري هو نوع من النفط الخفيف المحبوس بين طبقات الصخور، ويحتاج استخراجه إلى تفتيت هذه الصخور عبر تقنية حديثة يطلق عليها "تقنية التفتيت الصخري" وتقنية أخرى يطلق عليها "تقنية الحفر الأفقي". وهما تقنيتان حديثتان لم تكونا معروفتين في صناعة النفط من قبل، إلا في مجالات ضيقة. ويختلف النفط الصخري عن النفط الرملي الذي يوجد بكثرة في العالم أو الغاز الصخري أوالنفط الخام الطبيعي.
فالنفط الطبيعي يوجد في شكل أنهار أو خزانات جوفية، يندفع منها السائل إلى أعلى لحظة حفر البئر النفطية. ومن بين الدول الغنية بالنفط الرملي الأردن وكندا وفنزويلا وعدد من الدول الأخرى. ولكن عمليات استخراجه مكلفة جداً، ولا تتوفر جدوى استخراجه حتى الآن، إلا في كندا وفي حدود ضيقة. والنفط الصخري كان معروفاً للعلماء والجيولوجيين، قبل اكتشاف النفط الطبيعي. ولكن كانت المعضلة التي تواجه استغلاله تجارية هي معضلة الجدوى الاقتصادية.
بدأت الولايات المتحدة في أواخر السبعينيات تطوير التكنولوجيا التي ستمكنها من استخراج النفط والغاز الصخري. ومع الوقت، تمكّنت من تطوير التقنيات للوصول إلى هذه الموارد، وتحسّنت معها عمليات التكسير الهيدروليكي بشكل تدريجي لتقليص الوقت والتكاليف، عند تنقيب النفط والغاز الصخري.
ولكن مشكلة النفط الصخري تكمن دائماً في سعر النفط التقليدي، فكلما ارتفع سعر الخام التقليدي ارتفعت كميات الاحتياطات القابلة للاستخراج. ومثال على ذلك، فإن انخفاض أسعار النفط تحت عتبة الـ80 دولارا لخام برنت، سيعني أن بعض الآبار التي كانت مربحة وذات جدوى اقتصادية ستفقد جدواها. والنفط الصخري من نوعية الخامات الخفيفة التي ترتبط أسعارها عالمياً بسعر خام برنت، وأميركياً بسعر خام غرب تكساس.
عقبات النفط الصخري
مع اقتراب سعر خام القياس الأميركي، خام غرب تكساس، من الخط الأحمر لمستويات الربحية بالنسبة للشركات الأميركية العاملة في التنقيب وإنتاج النفط الصخري، دعا خبراء في أسوق الأسهم المستثمرين في أسهم الشركات النفطية الأميركية إلى توخي الحذر خلال الأشهر المقبلة، بشأن الاستثمار في شركات النفط الصخري العاملة في الولايات المتحدة. وركز خبراء الأسواق في تحذيرهم على الشركات النفطية الأميركية العاملة في مجال النفط الصخري وشركات الخدمات المصاحبة، مثل الخدمات الهندسية وتقنيات حفر وصيانة الآبار.
وحتى نهاية الشهر الماضي تشير الإحصائيات الأميركية إلى أن أسهم هذه الشركات خسرت قرابة 160 مليار
دولار. وهو ما يعني أن صناعة النفط الصخري الأميركي، ستواجه نقصاً في التمويل خلال الفترة المقبلة، هذا إن لم تتحسن أسعار النفط، خاصة سعر خام غرب تكساس الخفيف الذي يعد خام القياس بالنسبة لخامات النفط الصخري في أميركا. ويلاحظ أن ثورة النفط الصخري استفادت خلال السنوات الأخيرة التي شهدت طفرة الإنتاج من سعر لخام غرب تكساس يتراوح بين 95- 100 دولار للبرميل. وبما أن كلفة استخراج النفط الصخري تتراوح بين 60 إلى 80 دولارا. وهنالك بعض الشركات الأميركية التي بدأت في تعليق عمليات إنتاج النفط الصخري، وسط التدهور الأخير في أسعار النفط. وتقدر الاستثمارات السنوية الأميركية بأكثر من 200 مليار دولار.
شكوك وتحديات
من المؤكد أن إدارة الرئيس باراك أوباما، نجحت في تحقيق ثورة الطاقة التي كانت حلم الإدارات المتعاقبة، منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون الذي حدث على أيامه حظر النفط العربي، وما تلاه من ارتفاع جنوني في الأسعار. ولكن هنالك شكوك حول ما إذا كانت هذه الثورة النفطية الحديثة ستستمر، وستعم باقي أنحاء العالم.
يشكك الكثير من خبراء النفط في المعاهد والجامعات العريقة، ومن بينها جامعة هارفارد، في إمكانية تكرار ثورة النفط الصخري الأميركي في دول العالم الأخرى. من الأسباب التي تمنع تكرارها في المستقبل القريب، نقص التقنيات العالية المتوفرة للشركات الأميركية، ولا تملكها باقي الشركات في مناطق تركز النفط الصخري. أما العامل الثاني فهو الاستثمارات الضخمة التي وفرتها الإدارة الأميركية، عبر مجموعة من الحوافز والإغراءات. والعامل الثالث فهو كلفة الاستخراج العالية والمخاطر البيئية وحاجة عمليات الاستخراج إلى كميات هائلة من المياه. ويتمثل العامل الرابع، في أن أميركا كانت مدفوعة في دعم ثورة النفط الصخري بعوامل سياسية أكثر من كونها اقتصادية، ألا وهي تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن النفط العربي الذي يعرضها لضغوط ضد حليفتها إسرائيل. وكانت دورية "فورن أفيرز" قد أفردت عدداً من المقالات لكبار الخبراء، حول احتمالية تكرار هذه الثورة الصخرية، وأجمع معظمهم أن هنالك استحالة في تكرارها ببقية أنحاء العالم.
ولكن هل ستستمر ثورة النفط الصخري في أميركا؟ هنالك تحديان يواجهان استمرارية ثورة البترول الصخري في أميركا، وهما حجم الاحتياطي وكلف الاستخراج. ويذكر أن معهد التمويل الدولي شكك في دراسة صدرت قبل شهرين في استمرارية ثورة النفط الصخري الأميركي، فيما بعد عام 2020. وقال المعهد إن هنالك أربعة عوامل ستؤدي إلى تباطؤ أو توقف ثورة النفط الصخري. وهذه العوامل تتلخص في كلف الاستخراج، ومعدل النضوب السريع لاحتياطات آبار النفط الصخري، والمخاطر البيئية، ونضوب المياه في بعض الولايات.
كما أشار المعهد إلى أن تقنية التكسير الهايدرولكي تكتنفها مخاوف بيئية، حيث تستهلك هذه التقنية من جهة، كميات ضخمة من المياه في عمليات تكسير الصخور وتفتيتها حتى يتم استخراج النفط المحبوس داخل جزيئاتها. ومن جهة أخرى فهي تخلط مواد كيماوية في عمليات التفتيت، ما يهدد الحياة البيئية ومياه الشرب.