يصل عدد بنات وأبناء الجالية العربية الأميركية في الولايات المتحدة إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص، بحسب تقديرات "المؤسسة العربية الأميركية" في واشنطن. تتوزع الجاليات العربية بأعداد كبيرة في عدة مدن وولايات ومن ضمنها نيويورك ونيوجيرزي وديترويت وديربورن وولاية كاليفورنيا. وتختلف التجارب في المحافظة على التواصل والمعرفة باللغة العربية والثقافة باختلاف الوضع الشخصي ووضع الجالية، من جهة خلفية أبنائها الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية. كما أن نوعية المدارس، خاصة أم عامة، وإمكاناتها تلعب دوراً رئيسياً.
ويوجد في نيويورك أكثر من مدرسة عامة تُدرّس اللغة العربية كلغة أجنبية ومن بينها مدرسة "جبران خليل جبران" والتي أسست عام 2007. وعلى الرغم من أن المدرسة تدرس اللغة والثقافة العربية كلغة أجنبية أولى، إلا أن ذلك كان كافياً لإثارة المخاوف. ولا يَدرُس فيها أشخاص منحدرون من أصول عربية فقط، بل من خلفيات أخرى، وإن كان عدد الطلاب فيها صغيراً نسبياً. وتلقى هذه المدرسة الدعم من عدة مؤسسات محلية عربية أميركية في مدينة نيويورك كـ "المركز العربي الأميركي" وغيرها من الجمعيات الأهلية.
العربية في مدراس حكومية
يقول عبد المنعم سعد أحمد للـ "العربي الجديد" "إن القوانين في ولاية نيويورك تسمح بتدريس أي لغة أجنبية، على الأقل من الناحية المبدئية، إذا كان هناك عدد معين من الطلاب يطلب ذلك، وليس شرطاً أن تكون هذه المدرسة كمدرسة "جبران خليل جبران" متخصصة في تدريس الثقافة واللغة العربية كلغة أجنبية أولى".
ويعمل عبد المنعم سعد في سلك التعليم في نيويورك. فهو يقوم بالإشراف والتنسيق مع مدرسين وفي برامج مختلفة حول سبل تدريس المواضيع المختلفة للطلاب الذين لا يتحدثون الإنجليزية كلغة أم. ولعبد المنعم سعد ولدان في المرحلة الثانوية. وعن علاقتهما بالعالم العربي ومعرفتهما باللغة العربية يقول "تتحدث زوجتي (وهي مصرية كذلك) مع الأولاد بالعربية، وأنا كذلك. ولكني أخلط أحيانا في حديثي معهم اللغة الإنجليزية. معرفتهم باللهجة المصرية ممتازة، وهذا ما حاولنا الحفاظ عليه عن طريق زيارات مستمرة إلى مصر، وكذلك عيش أجواء عربية مصرية في بيتنا، من دون الانعزال عن محيطنا الأميركي". لكنه يعترف أن لغتهم الفصحى ضعيفة مقارنة بالعامية، ولا تتناسب مع سنّهم.
إشكالية "المدارس الإسلامية"
أما عبد الحميد صيام، والذي يعمل صحفياً ومحاضراً للعلوم السياسية في جامعة راتغرز في ولاية نيوجيرزي، فيشير إلى أن الجاليات العربية أصبحت ذات تعداد كبير يصل إلى عشرات الآلاف في نيويورك ونيوجيرزي، مما أدى إلى ظهور عدد كبير من المدارس الإسلامية الخاصة والمعاهد، إضافة إلى الجوامع التي تدرس اللغة العربية، إضافة إلى إقبال الجيل الثاني من العرب الأميركيين، وخاصة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، على تعلم اللغة العربية كجزء من فهم الثقافة العربية والإسلامية، وخاصة بعد الهجمات العنصرية التي تعرض لها الكثيرون.
ويشير صيام أن هؤلاء الأبناء المولودين في الولايات المتحدة، يواجهون مشكلتين أساسيتين في تعلمهم في المدارس الإسلامية الخاصة، إذ "إن عدداً لا بأس به من هذه المدارس تفرض أقساط تدريس عالية، يصل بعضها إلى آلاف الدولارات في السنة، ولا يستطع الجميع دفع مصاريف تكاليف تلك المدارس". لكنّه ينبّه إلى أن هؤلاء الأبناء تواجههم مشاكل من نوع آخر تتعلق بمنهاج التدريس.
ويضيف: "في الكثير من الأحيان يقتصر تعليم اللغة العربية في هذه المدارس على الدين والنحو وتعليم القرآن والحفظ عن ظهر قلب". ويرى صيام أن الإشكالية تكمن في أن الكثير من هذه المدراس الإسلامية الخاصة تتبنى تفسيراً متزمتاً للدين، مما يخلق نفوراً عند الطلاب الذين يتربون في مجتمع أميركي غربي. أضف إلى هذا أن نحو ستين في المائة من العرب الأميركيين ينحدرون من أصول عربية مسيحية، مما يجعل هذا النوع من التدريس غير جذاب لهم.
ويشير صيام إلى أهمية السفر الدائم إلى الوطن الأم، وهو ما حاول مع زوجته القيام به مع أولادهم الثلاثة، بل إن العائلة قضت بعض السنوات في فلسطين، ما ساعد أولاده على فهم تعقيدات ومعنى العيش تحت الاحتلال، وخلق لديهم رغبة أكبر في الانخراط في العمل الاجتماعي والسياسي داخل الولايات المتحدة والمناصر للقضايا العربية والفلسطينية.
المعرفة اللغوية والثقافية
ويبدو أن الكثير من المدارس الخاصة الإسلامية العربية تتبع منهجاً وأسلوباً يركّز على ترسيخ الهويّة الإسلامية، بتفسيرات ضيقة الأفق تهمل التنوع والغنى الثقافي للبلدان التي هاجر منها الأهل. تعرف سارة ياسين، والتي تعمل محررة في مجلة "غلوبال بوست"، تلك الإشكاليات عن كثب من خلال تجربتها الخاصة، كونها تنحدر من أصل فلسطيني، ودرست من سن السادسة إلى الثانية عشرة في مدرسة إسلامية عربية في مدينتها، فتقول للـ "العربي الجديد": لقد كان المسؤول ومؤسس المدرسة متزمتاً جداً. وكان يعلمنا كل ما في القرآن عن جهنم والعذاب الذي سيلحق بنا إن لم نلبس الحجاب، حتى أنني كطفلة أصبحت أعيش كوابيس شديدة من هذه القصص، مما اضطر أهلي وأهالي آخرين مروا بتجارب مشابهة إلى التدخل.
تصف سارة، التي أنهت الماجستير في الدراسات الجندرية والعولمة، أن علاقتها بالثقافة العربية تعمقت خلال دراستها الجامعية من خلال الدورات الجامعية التي أخذتها عن تاريخ وثقافات الشرق الأوسط. وتأسف أن منهاج تدريس اللغة العربية في مدرستها كان منهاجاً أردنياً قديماً نسبياً، ولم تستفد المدرسة التي درست بها من طرق التدريس الحديثة للغات. وتقول إن الكثير من المدرسين ركزوا على اللغة وقواعدها وأهملوا الثقافة.
تؤكد كذلك أن أحداث 11 سبتمبر/أيلول، شكلت بالنسبة إليها نقطة تحوّل بسبب ما لاقت من عنصرية وهجوم. وتؤكد سارة أنها تنوي تعليم أطفالها، حين تنجبهم، العربية في مدارس تتبنى أساليب حديثة ومبتكرة، وهي موجودة في الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
منح طلابية
يشار إلى أن هناك العديد من الجامعات الأميركية التي تدرس اللغة العربية ضمن برامجها أو برامج تدريس الشرق الأوسط كما تعطي منحاً للطلاب لدراستها ولديها برامج صيفية في عدد من الدول العربية لتدريس اللغة العربية. وزاد الدعم الحكومي لبرامج كهذه بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وزاد بذلك عدد الذين ينخرطون في دراسة اللغة للعمل في الجيش أو الأمن القومي والسياسة الخارجية. إلا أن هناك شريحة واسعة من الطلاب من ذوي الأصول العربية الذين يدرسونها أيضاً.
تلعب الفعاليات الثقافية بل حتى المناسبات الاجتماعية، دوراً مهماً، في تقريب اللغة العربية والثقافة كالموسيقى والأدب وغيرها، وتنمية الانتماء والمعرفة لدى العرب المولودين في الولايات المتحدة، بالثقافات التي ينحدر منها أهلهم. لكن عدم اتقان الكثيرين للغة الفصحى يجعل إمكان تلقيهم لتلك الثقافة ببعدها الأعمق أصعب ويعتمد كثيراً على المجهودات الشخصية.