طالبت كل من المجر والنمسا، اليوم الثلاثاء، ألمانيا، بتقديم توضيحات كافية لاتجاهات تعاملها مع اللاجئين السوريين، والكف عن إرسال إشارات مشوشة، وفق وزيرة داخلية النمسا.
وكانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قد قالت أمس، الإثنين، في مؤتمر صحافي ببرلين:" إذا لم نصل إلى توزيع عادل للاجئين فإن اتفاقية تشينغن ستصبح محل تساؤل للكثيرين"، معتبرة أن أزمة اللاجئين اختبار حقيقي لفكرة أساس الاتحاد الأوروبي القائمة على الحقوق الأساسية للمواطنين، والمتعلقة بحرية الحركة بين حدود الدول.
وأثار حديث ميركل القلق لدى الكثيرين حيث تعتبر ألمانيا العمود الفقري، إلى جانب فرنسا، في قوة بقاء الاتحاد وحرية الحركة بين مواطني دوله، وأية إشارة غير واثقة من برلين ستشير إلى عمق الأزمة.
وعلى الرغم من أن ميركل طلبت من مواطنيها "إظهار الليونة والصبر" إلا أنها أوضحت أن ألمانيا "تواجه مأزقاً وطنياً سيأخذ وقتاً الوقت للخروج منه".
أم المشاكل الأوروبية
كما جاءت تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، أمس الإثنين، أثناء زيارته لمنطقة كالي في نفس الاتجاه حول الواجبات المشتركة لدول الاتحاد تجاه "أزمة اللاجئين"، إلا أنه انتقد صراحة "العديد من الدول التي ترفض المساهمة في حل المشكلة، وهو أمر يتعارض والروح الأوروبية وهذا ما لا يمكن قبوله".
وفجأة أصبحت "أزمة اللاجئين" بالنسبة للاتحاد الأوروبي هي أمّ المشاكل، رغم أن الدول الأعضاء كانت تعرف بتكدس هؤلاء على بواباتها الجنوبية منذ سنوات، وهي تتلقى الاعتراضات على سياسة إشاحة النظر عن الأسباب.
التعريف الذي يخرج به بعض ساسة الاتحاد عن أن "أوروبا تواجه أكبر أزمة لاجئين ومهاجرين منذ الحرب العالمية الثانية"، هو وصف يخص أوروبا وبنيتها ومجتمعاتها بالتأكيد.
فقد خرجت إشارات متناقضة من برلين خلال الأيام الماضية حول اتفاقية دبلن، وعدم تطبيقها على السوريين الفارين من الحرب في بلادهم، ثم العودة عن ذلك بتوضيح فهم منه بأنه لم يكن رسمياً، وما تلا ذلك من نفي لقبول قطارات المجر العابرة للنمسا نحو ألمانيا.
ودفعت التصريحاتُ الألمانية وزيرةَ داخلية النمسا، يوهنا ميكي لايترنه، اليوم الثلاثاء، إلى انتقاد ألمانيا بسبب تناقض ما يصدر عنها و"التشويش الذي تبثه".
وتركز الانتقاد حول النقطة المتعلقة باتفاقية دبلن، والإشاعات التي قالت إن ألمانيا سترسل قطارات لجلب اللاجئين من بودابست ثم نفي ذلك لاحقاً. وهو ما تعتبره فيينا "منح آمال مزيفة للاجئين".
مراقبة الحدود وفحص "عينات" هو ما تقوم به السلطات النمساوية حالياً، وهذا يعني بالنسبة للبعض إعادة نصب حدود كانت قد أزيلت، أما المجر من جهتها فقد بدت منسجمة مع فيينا من خلال حديث الناطق باسم حكومة بودابست، أندراش غيرو ساس: "يمكننا القول إن تطبيق تشنغن يعني الطلب من المغادرين تأشيرة وجواز سفر شرعيين".
وتطالب حكومة المجر، عبر المتحدث باسمها، برلين بتوضيح "القوانين حول اللجوء وطالبنا ألمانيا بتقديم تصريح وتوضيح عن أية قوانين هي النافذة بالنسبة للاجئين السوريين، الذين بدا أنها (برلين) تخفف الشروط تجاههم".
نحو تعريف اللاجئين والمهاجرين
ولا يبدو أن الجدل القائم يصدر فقط عن برلين وباريس وفيينا وبودابست، فقد تجاوز الأمر ذلك نحو دول الشمال، القلقة بعضها من منظر تدفق اللاجئين نحو الحدود الألمانية.
فالحديث في الدنمارك والنرويج، على سبيل المثال، يأخذ نحو طرح "إعادة مراقبة الحدود" أكثر "لوقف تهريب البشر"، بحسب طرح يسار الوسط المعارض ممثلاً بـ"الحزب الاجتماعي الديمقراطي"، بينما ذهبت وزيرة الأجانب والدمج الدنماركية، إنغا ستويبرغ (من اليمين) إلى التصريح بأنه: "لا يمكن للاتحاد الأوروبي مجتمعاً أن يحل مشكلة اللاجئين".
ما يطالب به اليمين ويمين الوسط، في بعض الدول الأوروبية، هو أن "تحل كل دولة منفردة، وفق ظروفها وبقرارات خاصة بها، مشكلتها مع اللجوء والهجرة، وخصوصاً الدول التي لديها تحفظات قانونية" وفق ما صرحت به حرفياً ستويبرغ أمس، الإثنين، وهذا يعني التحلل من سياسة مشتركة للاتحاد.
وتبدو التعقيدات أكبر من الدول الوطنية، وعليه فقد تمت الدعوة إلى اجتماع عاجل لوزراء داخلية الاتحاد، بعد أسبوعين، بناء على طلب لوكسمبورغ الرئيسة الحالية للاتحاد.
وما يرشح من نقاشات داخلية حول مناقشات دول الاتحاد، لإيجاد مخارج لمآزق خلط اللاجئين والمهاجرين، هو مقترحات اليمين ويمين الوسط الحاكم في بعض الدول "من خلال تقسيم هؤلاء إلى مجموعتين، فالسوريون يمكن اعتبارهم لاجئين مضطهدين ويحصلون على حق الحماية، لكن إن كان الشخص قد حضر من دول في أفريقيا وشمالها فهو يعتبر مهاجراً لأسباب اقتصادية ولا يحق له الحصول على الحماية تحت مسمى لجوء"، وذلك وفق ما طرحته ستويبرغ، التي تنسق جهود أحزاب يمين الوسط في دول غربية للخروج بموقف موحد.
ويقدم بعض الأخصائيين في مجال الهجرة واللجوء في جامعات مختلفة صورة سوداوية لمستقبل اللاجئين في الدول، التي يحضرون إليها، إن استمر التدفق على ما هو عليه، ويشيرون إلى أنه "بداية يمكن أن يرى الناس ترحيباً بهم، ثم سرعان ما يتحول الترحيب إلى تحميل هؤلاء مسؤولية مشاكل بلدانهم، بسبب القلق منهم، بعد أن يصبح الضحايا الذين نراهم على مواقع التواصل قريبين منا" بحسب ما يقوله الأستاذ الجامعي، ينس بيتر تومسن، من جامعة آرهوس الدنماركية.
اقرأ أيضاً: نيويورك تايمز: أزمة اللاجئين امتحان "صعب" للضمير الأوروبي