حذر معهد بيترسون للاقتصادات الدولية بواشنطن، أحد أهم مراكز الأبحاث غير الهادفة للربح في العالم، من تبعات انسحاب أميركا من منظمة التجارة العالمية، كما حذر من تأثيرات الخطوة السلبية، إن حدثت، على الاقتصاد والصناعة والمستهلك الأميركي.
وأكد المعهد في ورقة بحثية صدرت مؤخراً أن الانسحاب من المنظمة العالمية سيتسبب في ارتفاع كبير في التعريفات الجمركية المفروضة على واردات أميركا من الخارج، وبصفة خاصة الآلات والمعدات والمنتجات الوسيطة، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج في البلاد، وبالتالي القضاء على تنافسيتها في الأسواق العالمية.
وبحسب المعهد فإن انسحاب أميركا من المنظمة سيدفع بعض الدول لزيادة التعريفات الجمركية المفروضة على الواردات الأميركية، كونها لم تعد عضواً بالمنظمة، الأمر الذي سيدفع واشنطن على الأرجح للرد بزيادة الرسوم المفروضة على الواردات، وربما يؤدي ذلك إلى إلغاء كل أنواع الإعفاءات الجمركية التي تم إقرارها خلال العقود الماضية.
ويقول كل من تشاد بوين، زميل المعهد وأستاذ الاقتصاد السابق بجامعة برانديس الأميركية، والذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ودوغلاس ايروين، زميله في المعهد، والذي عمل ضمن المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأسبق رونالد ريغان، واللذان تشاركا في إعداد الورقة، إن "انسحاب أميركا من المنظمة التي تضم 164 دولة سيجعل الأراضي الأميركية أقل جاذبية للمصنعين الذين يسعون للتصدير لأكثر من 7 مليارات مستهلك حول العالم، كما أنه سيتسبب في ارتفاع أسعار المنتجات النهائية داخل البلاد، بعد أن يتخلص المصنعون الأميركيون من المنافسين الخارجيين بفعل ارتفاع التعريفات المفروضة على الواردات، وهو ما سيجعل بعض المنتجات غير متاحة بالنسبة للكثير من الأميركيين".
وأكدت الورقة أن انسحاب أميركا من المنظمة، مع زيادة التعريفات المفروضة على وارداتها من البلدان المختلفة سيقابل بتعريفات مماثلة على الصادرات الأميركية، وهو ما سيجعل أميركا مكاناً طارداً للشركات الراغبة في الاستثمار والإنتاج.
وقبل انتخاب ترامب رئيساً، لم يتخيل أحد أن تفكر أميركا في الانسحاب من منظمة التجارة العالمية، التي أسستها ولعبت الدور الأكبر فيها، بل وحث الدول على الانضمام إليها، لكن ترامب الذي فاجأ العالم بانسحابه من اتفاقية شراكة الترانسباسيفيك TPP، وهدد مراراً بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية NAFTA، حتى استطاع الحصول على شروط أفضل لبلاده.
وبدأ ترامب الإعلان عن ازدرائه للمنظمة العالمية قبل وصوله للبيت الأبيض، حيث قال في مقابلة مع محطة إن بي سي NBC خلال حملته الانتخابية في صيف 2016 "سنعيد التفاوض أو سننسحب، هذه الاتفاقات التجارية كارثية، منظمة التجارة العالمية كارثة".
وبعد وصوله للبيت الأبيض، كثرت انتقادات ترامب للمنظمة، وقال في أحدها "تم تصميم منظمة التجارة العالمية لمصلحة الجميع إلا نحن (الولايات المتحدة). لا يمكنكم تصور مدى المكاسب التي حققوها على حساب هذا البلد".
وفي يونيو/ حزيران الماضي، نشر موقع أكسيوس الإخباري تقريراً ذكر فيه أن ترامب أعلن رغبته أكثر من مرة في الانسحاب من المنظمة (المقال ذكر مائة مرة)، قبل أن يقلل مستشارو الرئيس، ثم ترامب نفسه، من أهمية التقرير.
ورغم الإنكار، عاد ترامب لتكرار تهديده في مقابلة مع وكالة بلومبرغ للأنباء في 30 أغسطس/ آب الماضي، وقال "لو لم تتغير الأمور، سننسحب من المنظمة".
وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات على وضع خطة محددة لاتخاذ مثل هذه الخطوة، فقد أشار موقع أكسيوس في تقرير في يوليو/ تموز إلى قيام الادارة الأميركية، بتعليمات من ترامب، بإعداد مشروع قانون يطيح بمفهوم الدولة الأكثر تفضيلاً Most-Favored Nation – MFN، والذي كان يفرض على أميركا أن تعامل الدول الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية بصورة متساوية فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية على المنتجات الواردة من تلك الدول، من أجل السماح بزيادة التعريفات.
وفي كتابه المعنون "الخوفFEAR"، والصادر أواخر الصيف الماضي، نقل الكاتب الصحفي المخضرم بوب وودوارد عن الرئيس الأميركي قوله: "لقد تحدثنا عن هذا الغثيان الإعلاني. افعل ذلك. افعل ذلك. اخرج من نافتا. اخرج من KORUS (اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا والولايات المتحدة). اخرج من منظمة التجارة العالمية .....منظمة التجارة العالمية هي أسوأ منظمة على الإطلاق".
وفي التعليمات الخاصة بالتعريفات الجمركية على المنتجات الواردة إلى الولايات المتحدة، كان هناك تفرقة بين نوعين من الدول، الأول، الدول الأكثر تفضيلاً من أعضاء منظمة التجارة العالمية، أو الدول التي وقعت اتفاقات ثنائية من الولايات المتحدة، وهذا النوع يتم تحميل منتجاته الواردة إلى الولايات المتحدة تعريفات منخفضة، في حدود 2%-3%، ولا تتجاوز في أقصاها 15%، كما أن بعضها لا يتحمل أي تعريفات على الإطلاق، كالمنتجات الواردة من كندا والمكسيك عضوي نافتا.
أما النوع الثاني، فيشمل تحديداً كوريا الشمالية وكوبا، وتفرض على المنتجات الواردة منهما تعريفات جمركية ضخمة، تصل إلى 70% على بعض المنتجات، وهو ما يوضح حجم التأثير في حالة تطبيق الولايات المتحدة تعريفات مرتفعة موحدة في حالة انسحابها من منظمة التجارة العالمية.