اضطرت الحكومة الأردنية للعام الرابع على التوالي إلى إعداد موازنة تقشفية، بسبب الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي تعاني منها البلاد في ظل ارتفاع فاتورة الطاقة وتفاقم أقساط وفوائد الدين العام بشقية الداخلي والخارجي.
ويرى خبراء اقتصاد أن الاستمرار بسياسة الموازنات التقشفية للدولة التي انتهجتها الحكومة منذ عام 2013 ينطوي على مخاطر كبيرة على الاقتصاد الأردني من حيث تباطؤ معدلات النمو وزيادة معدلات الفقر والبطالة وتراجع مستويات المعيشة وضعف الدورة الاقتصادية.
وقالوا إن الظروف خلال العام الحالي باتت أفضل من السنوات السابقة بخاصة انخفاض أسعار النفط العالمية إلى ما دون 50 دولارا للبرميل وبدء استيراد الغاز الطبيعي المسال بواسطة البواخر، ما انعكس إيجابا على فاتورة الطاقة وتخفيف الضغوطات عن الموازنة العامة.
ودعا الخبراء حكومة بلادهم لإعادة النظر بسياسة التقشف تدريجيا اعتبارا من العام المقبل استنادا إلى تلك المعطيات وضرورة تنشيط بيئة الأعمال المحلية وإطلاق المشاريع ذات الأولوية في مختلف القطاعات من خلال زيادة الإنفاق الرأسمالي عن المحدد في موازنة العام 2015 والبالغ 1.65 مليار دولار.
إجراءات تقشفية
وأكدت الحكومة في بلاغها الخاص بإعداد موازنة العام المقبل والصادر الأسبوع الماضي أنها ستستمر في سياسة ضبط التعيينات في الجهاز، ورصد المخصصات اللازمة لتغطية فوائد الدين الداخلي والخارجي، وضبط دعم الخبز وترشيد بنود النفقات التشغيلية، لاسيما البنود المتعلقة بالمحروقات والكهرباء والماء، ووقف شراء السيارات والأثاث.
وتقدر موازنة العام المقبل بحوالي 11.5 مليار دولار وهي قريبة من موازنة 2015.
فمن جانبه، قال رئيس اللجنة المالية النيابية يوسف القرنة، لـ"العربي الجديد" إنه وللسنة الرابعة على التوالي تعتمد الحكومة على إصدار موازنات تقشفية للمحافظة على الاستقرار المالي وضبط عجز الموازنة، مشيراً إلى أن بعض النتائج قد تحققت على هذا الصعيد خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأضاف أن المعطيات التي بنيت على أساسها الموازنات التقشفية قد تغيرت بعض الشيء إلى الأفضل، فمثلا تراجعت أسعار النفط كثيرا العام الحالي مقارنة بالأعوام السابقة، وباشرت الحكومة باستيراد الغاز المسال بالبواخر اعتبارا من منتصف هذا العام.
وبيّن أن شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة استطاعت شراء شحنات من الغاز من عرض البحر أي من بواخر محملة بالغاز وتبحث عن مشترين بأسعار أقل من الأسواق العالمية، وهذا ما ساهم في تخفيض فاتورة الطاقة التي تجاوزت 6.5 مليارات دولار سنوياً.
وقال القرنة إن هذه المؤشرات ستدعم المالية العامة من خلال انخفاض عجز الموازنة العامة للعام المقبل، مطالبا الحكومة بأن لا تكون الموازنة توسعية وفي نفس الوقت عدم التقشف كما حدث في السنوات السابقة بحيث يتم زيادة الإنفاق الرأسمالي.
وأوضح أن الهم الرئيسي للأردن في ظل توفر الأمن والاستقرار السياسي هو التفكير بالعيش الكريم للمواطن وتوفير فرص العمل، وخاصة مع ضعف قدرة الحكومة والقطاع الخاص حاليا على تشغيل الأردنيين بالشكل المطلوب.
تآكل الدخول
وشهدت معدلات الفقر والبطالة في الأردن ارتفاعا في آخر 3 سنوات بسبب تآكل دخول المواطنين بعد الارتفاع غير المسبوق للأسعار والتنافس الكبير على فرص العمل إثر أزمة اللاجئين السوريين.
وتتوقع الحكومة أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة 3.7% عام 2016 و4.5% لكل من عامي 2017 و2018.
اقرأ أيضاً: نسبة الفقر في الأردن أعلى من المعدلات الحكومية
رئيس غرفة صناعة الأردن، أيمن حتاحت، قال لـ"العربي الجديد" إن الاقتصاد الأردني بحاجة إلى زيادة الإنفاق الرأسمالي الذي من شأنه تحريك بيئة الأعمال بشكل عام وزيادة الطلب على مختلف السلع وتشغيل الأيدي العاملة وتنشيط الدورة الاقتصادية.
وأضاف أن تخفيض النفقات الرأسمالية ضمن سياسة ضبط الإنفاق تضعف فرص النمو الاقتصادي وتؤثر على أداء مختلف القطاعات، وخصوصاً قطاعي المقاولات والصناعة اللذين يعتمدان على السوق المحلي كثيرا لتسويق منتجاتهما، مشيرا إلى الأوضاع الصعبة التي تعانيها الصناعة الأردنية حاليا بسبب الظروف المحيطة وانحسار الصادرات إلى السوقين العراقي والسوري وصعوبة التصدير إلى أوروبا وتركيا وغيرها.
عجز الموازنة
ولا يعتقد الخبير الاقتصادي، حسام عايش، بجدية الحكومة في ما يخص الموازنات التقشفية بقوله "يبدو أنها بهدف تحقيق نجاح في تخفيض عجز الموازنة على حساب النمو وتوفير الخدمات وتوسيعها وجودتها وإيجاد فرص العمل ومراعاة عدم الإخلال بالجانب الاجتماعي المتعلق بالفقراء وتحسين مستويات المعيشة".
وأضاف عايش لـ"العربي الجديد" أن "الأمر أقرب ما يكون لتحسين موقف الأردن في التقارير وأمام المؤسسات الدولية، حيث إن تخفيض النفقات الرأسمالية والموازنات التقشفية لم ينعكس على الواقع الاقتصادي".
وبيّن أن هناك مشاريع مدرجة ضمن النفقات الرأسمالية ولكنها في حقيقة الأمر نفقات جارية، ما يضعف استدامة عملية التنمية وعدم تنفيذ المشاريع المطلوبة وخاصة المولدة منها لفرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.
وقال المصرف المركزي الأردني في أحدث تقرير له أن الوضع الاقتصادي للبلاد شهد خلال الربع الأول من العام الحالي تباطؤا في أدائه متأثرا بتعمق الاضطرابات السياسية والاجتماعية في المنطقة خاصة في سورية والعراق التي أثرت بشكل كبير على أداء العديد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية لاسيما قطاعي السياحة والنقل.
وبحسب البيانات المالية الحكومية فقد انخفض الإنفاق الرأسمالي للنصف الأول من العام الحالي بنسبة 0.9%، حيث بلغ 542 مليون دولار.
وقال المستثمر فتحي الجغبير، لـ"العربي الجديد"، إن المشاريع الاستثمارية في الأردن وخاصة الإنتاجية منها تواجه تحديات كبيرة في الوقت الراهن بسبب الصراعات في كل من سورية والعراق، الأمر الذي يتطلب إجراءات حكومية عاجلة لإنفاذها.
وأشار إلى أن كثيرا من المشاريع الاستثمارية في القطاع الصناعي توقفت عن العمل بسبب تعذر التصدير إلى كل من العراق وسورية وفقدان خط الترانزيت من خلال الأراضي السورية باتجاه أوروبا وتركيا ولبنان وغيرها.
اقرأ أيضاً:
الأردن يستدين لسداد 750 مليون دولار ديون مستحقة
اقتصاد الأردن ينمو 2.4% رغم الاضطرابات