دائماً ما تشهد الدنمارك وغيرها من الدول الإسكندنافية جدالاً مع اقتراب الانتخابات العامة والاستحقاق الديمقراطي الذي يعتبره المواطنون بمثابة فرصة لمحاسبة السياسيين. أما بالنسبة إلى المهاجرين، فالأمر لا يتعلّق ببرامج الأحزاب ووعود السياسيين، بل بـ "تحريم" المشاركة السياسية في النظام الديمقراطي.
قبلَ عقدين، لم يكن ذلك الجدال ليخرج إلى العلن فيبقى حبيس الجدران، بعدما كان بعض الدعاة يحملون منشورات باللغات الإنجليزية والعربية والدنماركية تدعو فئة الشباب تحديداً الذين بلغوا الثامنة عشرة، إلى عدم المشاركة والتصويت باعتبار الديمقراطية والانتخابات أمراً "محرّماً". اليوم، وقبل أقل من أسبوعين من موعد الانتخابات البرلمانية، تعود هذه القضية لتحتل صفحات الصحف والقنوات التلفزيونية، ولتتناولها رئيسة الوزراء، هيلي تورنينغ شميت، (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) وكذلك زعيم المعارضة لارس لوكا راسموسن (حزب الليبراليين المحافظ). وقد راح الأخير في خلال مناظرة تلفزيونية في السابع من يونيو/حزيران الجاري، يستشهد بدعوات حزب التحرير الإسلامي لمقاطعة الانتخابات، بهدف تأكيد "استحالة اندماج" الأقليات.
وتناولت الصحف الدنماركية القضية التي تعد خطيرة في مجتمع يعتبر مدنية الدولة وعلمانيتها من المقدسات المتجذرة في دستوره، وذهبت الأحزاب اليمينية والمحافظة إلى التحذير من "أسلمة البلاد". ويبدو أن المشكلة التي يُواجهها السياسيون تتمثّل في شخصيات "حزب التحرير" الشابة، هذا الحزب الذي يضم دنماركيين، أيضاً، أشهروا إسلامهم. هؤلاء من الفئة المنظّمة والمتعلمة والمندمجة في المجتمع بشكل كبير. تجدر الإشارة إلى أن الجالية العربية والمسلمة تواجه مشكلة التعميم، واعتبار الجميع متشددين.
وعلى الرغم من أن شخصيات إسلامية عدة نفت لـ "العربي الجديد" أن تكون جزءاً من الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات أو تحريمها، إلا أن محمود (23 عاماً) الذي ولد في الدنمارك، يقول إن "الدين لا يقبل المشاركة في الديمقراطية".
من جهتها، تقول الطالبة سارة كريستيانسن، المتخصصة في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، إن "بعض الإسلاميين من حزب التحرير يكفرون بأصل النظام الديمقراطي". مشيرة إلى أن "ذلك يؤدي إلى تشويش حقيقي وعزلة لدى فئة من الشباب الذين يمكنهم استخدام أصواتهم للتأثير في السياسة".
في المقابل، تستقبل بعض الجمعيات الإسلامية المرشحين للانتخابات البرلمانية، وتناقشُ معهم قضايا الجاليات والاعتراف بالإسلام كديانة رسمية ثانية في الدنمارك، فيما يردّ المرشحون أن الدستور لا يعتبر الدين جزءاً من تكوين الدولة ومؤسساتها، على الرغم من ضمانه حرية الاعتقاد والدين. ويقول أحد الأئمة الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لـ "العربي الجديد"، إن بعض رجال الدين يتركون الأمر للأفراد ليقرروا بأنفسهم.
وكان المرشح عن حزب المحافظين، ناصر خضر، قد شارك في نقاش حول تحريم المشاركة، حتى أنه بات يتنقل بحماية أمنية، وذلك بسبب دعوته إلى "طرد من يدلي بخطابات تُعارض الديمقراطية". لكن المشكلة بحسب كثيرين لا يمثلها هؤلاء الخطباء، بل شباب ولدوا وكبروا في الدنمارك، ولا يمكن طردهم ولا إبعادهم.
تجدر الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من وجود مرشحات من أصول عربية (وخصوصاً في دائرة كوبنهاغن)، إلا أنهن يعوّلن على أصوات دنماركية وأصوات المسلمين الذين يؤمنون باللعبة الديمقراطية. إلى ذلك، يحكي بعض أبناء الجاليات العربية، الذين التقتهم "العربي الجديد"، عن "ارتباك الجمعيات الإسلامية الأخرى، وقلة التشجيع على ممارسة الحقوق بعيداً عن الغيتو"، بحسب الباحثة سينا سورنسن.
من جهتها، لجأت البرلمانية، إنغا ستويبرغ، في خلال نقاش تلفزيوني مع أحد الشباب المحرمين للمشاركة الديمقراطية، إلى التعميم. قالت: "أترون؟ إنهم يريدون تغيير نظامنا وأسلمته. إذا لم يكن نظامنا يعجبكم، فلماذا لا ترحلون عنا إلى حيث تجدون نظاماً يطبّق الشريعة الإسلامية؟".
إلى ذلك، تقوم أحزاب يسارية (على غرار الشعب الاشتراكي واللائحة الموحدة) بجولات انتخابية ولقاءات مع عدد من الجاليات وخصوصاً الفلسطينية، لتنسيق التصويت لمرشحيهم. ويقول عدد من ممثلي الرابطة الفلسطينية إنهم ينوون التصويت للأحزاب اليسارية، كونها الأكثر دفاعاً عن حقوق الأقليات.
اقرأ أيضاً: كوبنهاغن: عربيات يناقشن مشاركة المرأة في السياسة