تحليل الكلاسيكو: عرف الريال الإجابة.. فقام الكتلان بتغيير السؤال

23 مارس 2015
الكلاسيكو كان للمدربين والتكتيك الفني حسم المباراة (العربي الجديد)
+ الخط -
لا شيء أجمل من لقاء يلعب فيه الخصمان فقط على الفوز ولا خيار آخر، الثلاث نقاط وسرها الباتع، الرغبة في ملامسة المجد من أعلى، والسعي دائماً نحو التفوق الكامل، كيف لا؟ والمباراة بين أعظم فريقين في إسبانيا، وربما في العالم خلال السنوات الفائتة، على مستوى الصخب الاعلامي والاهتمام الجماهيري، عن برشلونة وريال مدريد، يأتي الشغف على قدر الحسم، وتتحول النتائج إلى نظريات يقتلها المتابعون تحليلاً وشرحاً وتفصيلاً طوال الأيام المقبلة، وفي النهاية الفوز يعني مجرد ثلاث نقاط، وأمور أخرى.

# العودة للبدايات
مباريات الكلاسيكو ليست لها حسابات مسبقة، يتوقع كل متابع طريقه الخاص، لكن في النهاية الأمور تختلف في الملعب، وهذا ما حدث في بدايات قمة الكامب نو، فكل فريق يعرف الآخر جيداً، والتشكيلة الأساسية خير دليل على ذلك. أنشيلوتي إيطالي بدم بارد، لكنه رمى بكل ورقه منذ الدقيقة الأولى، عكس لوتشو الشاب الذي فضل جلوس بوسكيتس بجواره على الدكة، واختار تشكيلة مباراة السيتي في دوري الأبطال.

بدأ ريال مدريد بطريقة لعب أقرب إلى 4-4-2 المستقيمة، وكأنهم عادوا من جديد إلى الحل الذي فاز لهم بنهائي الكأس، وقمة بايرن بدوري الأبطال خلال الموسم الماضي. رباعي دفاعي صريح مع إغلاق خط الوسط برباعي آخر، بيل من اليمين وايسكو من اليسار، وبينهما الثنائي المحوري لوكا مودريتش وتوني كروس، مع رونالدو وبنزيما في الأمام.

أما برشلونة فلم يبتعد عن خطته الأشهر، 4-3-3 لكن بأسلوب لعب مباشر وحركة أكثر بدون الكرة، لذلك حافظ انريكي على رباعي الدفاع الثابت، وراهن على ماتشيرانو كلاعب ارتكاز متأخر، أمامه راكيتتش على اليمين، وانيستا على اليسار، مع رمي كل الثقل الهجومي على الثلاثي الأمامي، نيمار، ميسي، سواريز أمام دفاعات الضيوف.

# تفوق مدريدي
يعتمد برشلونة بشكل شبه كلي هذا الموسم على مردود الثلاثي المتقدم، ومدى دخولهم في أجواء المباريات الكبيرة، ومع انخفاض مستوى نيمار، زاد الثقل على زميليه ميسي وسواريز، فاختل توازن الكتلان على أرضهم وبين جماهيرهم، ومع سوء حالة البرسا، جاء التفوق المدريدي ليضع رفاق كريستيانو في الواجهة معظم فترات الشوط الأول.

ولعب برشلونة بثلاثة لاعبين في الوسط، وهذا الأمر أعطى تفوقاً عددياً لوسط الريال المكّون من أربعة أسماء، فكانت الغلبة في صراع المنتصف لصالحهم، وكلما تفوقت في العمق كلما كانت الأمور أكثر سهولة ويسراً.

تناقل نجوم "الميرينجي" الكرة بكل سهولة ممكنة، وكان السر في تحركات الفرنسي كريم بنزيمة، المهاجم الصريح على الورق لكنه في الملعب يتمركز في كافة أرجاء الثلث الهجومي الأخير، لذلك ضرب الريال دفاعات برشلونة من اليسار بالتحديد. يتحول بنزيمة إلى ناحية ألفيش، ويستلم الكرة أسفل الأطراف دون رقابة، ليسحب مدافعي برشلونة إلى الأمام، من أجل شيء واحد فقط، فتح الفراغات أمام رونالدو للقطع داخل منطقة الجزاء.

ومع التفوق العددي لوسط مدريد، فإن ماتشيرانو تم إجباره على الابتعاد عن خط دفاعه، وترك مساحات خاوية في وبين الخطوط، لذلك لعب الريال على هذه النقطة، وفعل ما يريد خلال أول 45 دقيقة.

# ميسي
شوط أول مدريدي بامتياز، وشوط ثان فعل خلاله برشلونة كل شيء، واستحق تماماً الأفضلية حتى صافرة الحكم، والسر في التعديل التكتيكي داخل الملعب، لأن لويس إنريكي قام بعمل نسخ لطريقة لعب الريال، وتحول من 4-3-3 إلى 4-4-2 هو الآخر، ومع تشابه خطط الفريقين، فإن ليونيل ميسي هو الفارق، هو الحاسم، هو الرقم الصعب.

عاد ليو بضع خطوات للخلف، وصار لاعب وسط صريحاً أمام ماتشيرانو بالعمق، وبين كلّ من راكي وأندريس، ليحصل البارسا على الكرة ويستحوذ بشكل كبير، ويتخلص من أقوى نقاط ضعفه في الشوط الأول، فيما يخص فكرة الدفاع بدون كرة، التي عانى بسببها كثيراً نتيجة سرعة لاعبي الريال وتحركاتهم المستمرة دون التقيد بالمراكز.

وجاء التفوق سريعاً بعمل سواريز الكبير بين العمق واليمين، وحصول نيمار الجبهة اليسرى، لإجبار أجنحة الريال على البقاء في الخط الجانبي، وترك محاور الارتكاز دون معاونة، لينقلب السحر على الساحر، ويجد ميسي نفسه في وضعية مريحة للغاية، فاستلم كرات عديدة وقام بدور المنظم في الوسط رفقة إنييستا، فعانى الثنائي كروس ومودريتش الأمريّن أمام خط وسط لا يفقد الكرات أبداً.

# التغييرات
مشكلة برشلونة في خط المنتصف، ليست في الدفاع أو في ضياع الفرص السهلة، خصوصاً مع انخفاض مستوى إنييستا وعدم قدرته على التكيف مع أسلوب إنريكي الجديد الخاص بالدفاع من غير الكرة، كذلك يعاني راكيتتش كثيراً من لمسته الحاسمة في الفراغات الضيقة، لذلك يزداد العبء على الخط الدفاعي بسبب الرسام، وتتضاعف لدى الخط الهجومي بسبب راكيتتش.

لكن تعامل إنريكي مع هذه المعطيات كان أمراً رائعاً خلال الشوط الثاني، فالمدرب حينما شعر بالخطر بعد هدف التقدم، أخرج الكرواتي وأشرك بوسكيتس، الذي لم يلعب كارتكاز صريح، بل قام بدور أكثر ذكاء على مستوى الاحتفاظ بالكرة وإخراجها من الخلف إلى الأمام فيما يعرف تكتيكياً بالـ "ديب لاينج"، أي همزة الوصل بين لاعب الارتكاز الدفاعي ونظيره الهجومي.

وعندما تم إرهاق لاعبي الريال في النهايات، دخل سريعاً تشافي هيرنانديز ثم رافينيا، ليزيد البارسا من خاصية الاستحواذ الإيجابي، ويمنع الريال تماماً من الكرة، لذلك انعدمت خطورة الفريق الأبيض خلال الشوط الثاني، لأن وسطه من الأساس لم يلمس الكرة بالشكل الكافي.

بينما فشل أنشيلوتي تماماً في التعامل مع القواعد الجديدة، فاستمرار بيل في الملعب علامة استفهام لا إجابة لها! والإصرار على المقامرة بالحفاظ على نفس التكتيك، في ظل انخفاض مستوى الويلزي، مودريتش، أمر في غاية الغرابة، لذلك كان يجب على المدرب الخبير سرعة إشراك لاعب وسط آخر في العمق، والتخلي عن بيل بعد أول ربع ساعة من الشوط الثاني، لكن هذا لم يحدث، ليدفع فريقه الثمن غالياً.

# تشافي وكروس
يلوم البعض على توني كروس انخفاض مستواه في المباريات الكبيرة، وبعيداً عن إرهاقه الشديد بسبب كثرة مشاركات أنشيلوتي له، إلا أن اللاعب الألماني مظلوم بشدة في نظام لعب الريال، بسبب الخصائص الدفاعية الضعيفة لزميله مودريتش، وعدم مساندة الأطراف الهجومية للمنتصف في المواجهات المعقدة، لذلك انفصل تماماً بطل العالم عن بقية فريقه، وظهر وحيداً أمام الدفاع دون أي عون.

في المقابل، يشبه تشافي هيرنانديز لاعبي كرة السلة، هو اللاعب الذي يكتفي بالدور المهم في اللحظات الأخيرة، عامل السن بكل تأكيد له دور، وطريقة تعامل الجهاز الفني مع الكابتن الكبير بها شيء ملموس من الذكاء والخبث، لأن هيرنانديز نزل في الوقت المناسب، وكانت تمريراته مناسبة جداً لسرعة الخط الهجومي، مع قدرته على تغيير نسق المجريات وكسر سرعة اللعب ضد المنافس الذي يعشق التحولات السريعة.

وبالتالي تفوق برشلونة بالكرة، وعرف كيف يوقف خطورة الريال بدونها، والفضل يعود للتغييرات الموفقة والتفاعل الجيد مع التفوق المدريدي خلال الشوط الأول.

# بنفس السلاح
تفوق الريال على برشلونة خلال الدور الأول بأسلحته الفتاكة، الضربات الثابتة المميزة والمرتدات القاتلة من جانب إلى آخر، ويبدو أن بارسا لوتشو سرق هذه المميزات في قمة الكامب نو، فالفريق "الكتالوني" مؤخراً تخلى بعض الشيء عن خيار الاستحواذ المتعصب، وأصبح يلعب أكثر بدون الكرة، مع اعتماد أكبر على الكرات الطولية، التي أعطت صبغة صريحة من اللعب المباشر، ليزيد برشلونة من تنوعه في المباريات الكبيرة، ويترجم هذا العمل الفعال خلال الكلاسيكو الأخير.

أهداف برشلونة جاءت من ضربة ثابتة ورأسية لماتيو، ثم كرة طولية من أقصى الدفاع إلى قلب الهجوم، يستلمها سواريز ويحولها سريعاً داخل الشباك، وبعيداً عن أن الصفقات الجديدة هي من أعطت الفوز للكتلان، يجب الإشارة إلى نقطة تغيير المجموعة لجلدها أثناء التسعين دقيقة، وميلها إلى مباغتة خصومها، وتحولها فعلياً إلى كونها فريقاً غير متوقع، كما قال لويس إنريكي في أول مؤتمر صحافي له قبل بداية الموسم.

وبعد أن عرف الريال إجابة السؤال في الشوط الأول، بالحد من خطورة ليو على اليمين، وضرب الخصم بالتحولات السريعة، قام برشلونة في الشوط الثاني بتغيير السؤال تماماً، ووضع الأرجنتيني كلاعب وسط صريح في العمق، لتنقلب الأمور رأساً على عقب، حتى صافرة الحكم.

في النهاية، الكلاسيكو مجرد ثلاث نقاط، والفارق بين الغريمين زاد إلى أربعة، لكن كل شيء لا يزال في الملعب، والحسم سيكون في الأمتار الأخيرة، بين برشلونة ومدريد، وربما يدخل فالنسيا و"الأتليتي" في الحسبة، دعونا ننتظر.
المساهمون