ويختصر الجديد ببيانين صدرا عن "أحرار الشام الإسلامية"، الأول حول رؤيتها للثورة السورية وما يتعلق بها، والثاني خاص بـ"إعادة هيكلة جناحها العسكري، ليكون نواة جيش نظامي وبدء تشكيل قوة مركزية تحت مسمى "كتائب صقور الشام". وعلى الرغم من نفي الناطق الرسمي باسم الحركة أن يكون لهذا الإعلان أي بعد سياسي، إلا أن الحركة المذكورة، ومنذ توقيعها على "ميثاق الشرف الثوري" في مايو/ أيار 2014، تقوم بعملية تحول تدريجي في سياساتها وأيديولوجيتها باتجاه التخلي عن الجهادية السلفية، والدخول ضمن مشروع وطني، وتسويق نفسها كفصيل إسلامي سوري "معتدل"، أي بعيد عن تنظيمي "داعش" و"القاعدة". وقامت الحركة، والتي تعتبر من الأكبر بين الفصائل المعارضة المسلحة، بخطوات عملية كثيرة بهذا الاتجاه، سواء من خلال إضافة "ثورة شعب" إلى شعار الحركة، أو من خلال العمل على بناء مؤسسات مدنية في مناطق سيطرتها، وصولاً إلى تسويق نفسها في الغرب كفصيل "معتدل" يمكن الاعتماد عليه في محاربة تنظيم "داعش"، وكبديل للنظام، من خلال مدير علاقتها الخارجية، وربما من خلال الاعتماد على شركة علاقات عامة أجنبية.
اقرأ أيضاً: جهاديو سورية: تحولات فكرية وتكتيك سياسي يهيّئان لتغيير الموازين
اليوم، تتصدى الحركة لمشروع بناء نواة لجيش منظم بقوة مركزية، في مهمة عجزت عنها كل الهيئات السياسية في المعارضة السياسية، على الرغم من محاولة بنائه من قبل أكثر من جهة سواء الائتلاف الوطني أو مجلس قيادة الثورة. وحدّد بيان للحركة، تم توقيعه باسم رئيس المجلس العسكري والقائد العام للحركة، هاشم الشيخ، يوم الإثنين، شروط الانتساب لهذه القوة بألا يتجاوز "عمر المجاهد 30 عاماً بالنسبة للمقاتلين، و35 عاماً بالنسبة لقادة المجموعات" و"أن يكون ملتزماً دينياً وغير مجاهر بالمعاصي وأن يكون مُزكى من ثقة وذا سيرة حسنة، ولائقاً صحياً، وأن يتفرغ كلياً للعمل في القوة المركزية".
اقرأ أيضاً: "أحرار الشام" خيار تركي لتطهير ريف حلب بثلاث مراحل
كذلك تنص الشروط على ضرورة "قبول المتطوع من جانب لجنة القبول وخضوعه الدائم للتدريب واتباع الدورات التخصصية المقررة وأن يلتزم بعد الانضمام إلى القوة بالسمع والطاعة وبالعمل في أي منطقة تقتضيها الحاجة"، على أن يتقاضى عناصر القوة المركزية منحة شهرية مقدارها 150 دولاراً "تكفي عائلاتهم بالمواد الإغاثية المتوفرة". يأتي ذلك بعد ساعات على صدور بيان عن الحركة مؤلف من ست نقاط عرضت خلاله مواقفها من الثورة السورية وأهدافها المستقبلية، نافية وجود أي علاقة تنظيمية لها مع تنظيم القاعدة.
وجاء في البيان أن "حركة أحرار الشام هي حركة إسلامية سورية أصيلة انبثقت من الشعب السوري للدفاع عنه وعن مصالحه وهويته، وهذا ما عبرت عنه في ميثاقها وأكدته في ممارساتها". وأضاف أن الحركة تعتمد في بنائها الأساسي والقيادي على أبناء الشعب السوري، وليس لها علاقة تنظيمية بأي أطراف خارجية بمن فيهم تنظيم القاعدة، وأنها تسعى "من خلال عملها العسكري والسياسي لتمكين الشعب السوري الثائر من تقرير مصيره بما ينسجم مع تاريخه وهويته الإسلامية ونسيجه الاجتماعي من خلال عملية سياسية شفافة تحقق أهداف الثورة". وحدد البيان نفسه الهدف الرئيسي للثورة في سورية وهو إسقاط النظام بكافة رموزه وأركانه مع اعتبار مؤسسات الدولة ملكاً للشعب السوري، كذلك ثمّن "جهود تركيا وقطر في وقوفهما مع الثورة وتخفيف المعاناة عن أبنائها".
اقرأ أيضاً: تركيا تبحث عن "الشريك السوري" في "المنطقة الخالية"
يجزم الناطق الرسمي باسم الحركة أحمد قره، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن ما صدر بشأن إعادة هيكلة الجسم العسكري للحركة هو "تعميم داخلي له صفة تنظيمية محضة دون أية أبعاد سياسية"، نافياً ربط ذلك بما يُقال عن سعي الحركة لإعادة تقديم نفسها على الساحة السورية وأمام المجتمع الدولي بثوب جديد ينأى بها عن الحركات المتطرفة كـ"القاعدة" و"داعش". وأضاف قره أن أية تغييرات أو سياسات تقوم بها الحركة إنما ملهمها ومصدرها مصلحة الشعب السوري وليس إرضاء هذه الجهة أو تلك، معتبراً أنه لا جديد حتى الآن في مواقف الحركة إزاء القضايا الأساسية، وهي مواقف معروفة ومعلنة منذ فترة طويلة، لكن وجب التذكير بها في هذه الظروف الدقيقة، على حد تعبيره.
وكانت الحركة قد قامت بما يشبه الحملة الإعلامية لشرح مواقفها، خاصة لدى الغرب، قادها مدير العلاقات الخارجيّة في الحركة لبيب نحّاس الذي نشر مقالة في صحيفة "دايلي تليغراف" البريطانيّة تحت عنوان: "أنا سوري وأقاتل داعش يوميّاً"، قال فيها إن هزيمة "تنظيم الدولة" سيحتاج من الغرب أكثر من مجرد قنابل. مقال نُشر بعد نحو أسبوعين على مقال آخر له نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية بعنوان "النتائج القاتلة لسوء تصنيف الثوّار في سورية".
اقرأ أيضاً: العملية التركية ضد "داعش": فصل يكتمل بإسقاط النظام السوري
وشرح النحاس في المقالين، بإسهاب، كيفيّة مساهمة الولايات المتحدة وبريطانيا في تقوية الرئيس بشار الأسد، خصوصاً بعد رفض الدولتين ضرب القواعد العسكريّة التابعة لجيشه على إثر استخدامه الأسلحة الكيميائيّة ضدّ شعبه. واعتبر أيضاً أنّ "ترك الأسد يقتل السوريّين وترك الإيرانيين يتوسّعون داخل المنطقة دفعا السنّة للجوء إلى الجماعات المتطرّفة مثل تنظيم داعش". وسعى النحاس في مقالتيه إلى التأكيد أن حركة أحرار الشام تمثل "تيّاراً سنّياً إسلامياً يقوده سوريّون ويقاتل من أجل السوريّين". وبعدما شدّد على أنّه تمّ لصق الفكر القاعديّ بالحركة زوراً، أكّد أنّ سورية بحاجة "إلى مشروع وطني توحيدي لا يمكن له أن يكون محكوماً من فرد أو حزب أو جماعة أو أن يكون محدوداً بأيديولوجيّة واحدة" مع ضرورة إقامة توازن بين احترام إرادة أغلبيّة الشعب وحماية الأقلّيات وتمكينها من تأدية "دور حقيقيّ وإيجابيّ في بناء مستقبل سورية". وسلّط نحاس الضوء على التزام الحركة بالحوار مع الغرب على الرغم من مواقفه السلبية تجاه الأوضاع السوريّة. وشدد أخيراً على ضرورة التخلّص من الأسد ومن داعش معاً و"إقامة حكومة ذات تمثيل واسع في دمشق تعمل على وضع سورية على طريق السلام والمصالحة والتعافي الاقتصادي".
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد نفت، قبل أيام، تعاملها مع حركة "أحرار الشام". وقال المتحدث باسمها، جون كيربي، إن "واشنطن قلقة من ارتباطات هذه الجماعة بجماعات أخرى متشددة على الرغم من أنها لم تدرجها بعد على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية". لكن مراقبين عبروا عن اعتقادهم بأن ثمة تواصلاً ما بين الحركة والإدارة الأميركية ربما يكون عبر تركيا، والتي تتطلع إلى إعطاء الحركة دوراً ما في ضبط المنطقة الآمنة التي تسعى إلى إقامتها في الشمال السوري. ولعل هذا ما يفسر الاستهداف المتكرر لقادة الصف الأول في الحركة من قبل "داعش"، وآخر العمليات كانت قتل نحو أربعين من قادة الحركة بمن فيهم قائدها حسان عبود عن طريق تفجير مبنى كانوا يجتمعون فيه، في تل صندل بالقرب من رام حمدان، بريف إدلب الشمالي، في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.
اقرأ أيضاً: العملية التركية: مناطق "خالية" وهجمات حتى تغيير موازين القوى