يترقب الاتحاد الأوروبي موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حيال الاتفاق النووي الإيراني بقلق، خشيةً من تداعياته السلبية على الاقتصاد والأمن في أوروبا، كما أنه يثير مخاوفهم من حرب محتملة في الشرق الأوسط قد تعيد العالم إلى مرحلة التصعيد.
أمام هذا الواقع، يقول خبراء في الشؤون السياسية الأوروبية إن اتخاذ ترامب القرار بالانسحاب من الاتفاق سينذر بسيناريو رعب لأوروبا نتيجة قيام حرب، تكون فيها أوروبا ضمن مدى الصواريخ الإيرانية، ما يشكل ضربة قوية للاتحاد الأوروبي الذي يبدو وكأنه يتوسل ترامب للحفاظ على الاتفاق أو إعطائه المزيد من الوقت لصيانته وإجراء التعديلات عليه، بينها دعوة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى معاهدة متابعة أوسع نطاقاً، ناهيك بمصدر الخطر المتمثل في العودة المرجحة إلى سباق تسلح نووي في المنطقة، وهذا ما سيكون له عواقب لا يمكن التنبؤ بها.
وفي حال قال ترامب وداعاً للاتفاق، ستصعب تلك التوجهات التدخل الأوروبي لإنقاذه، بعد أن أخفقت دول الاتحاد المؤثرة، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، في إقناعه بمزايا الاتفاق، ولأن لا بديل منه، مع رفض الطرف الإيراني إعادة التفاوض أو إجراء تعديلات، وهو ما شدد عليه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أخيراً، متهماً بعض الأوروبيين بتقديم التنازلات لأميركا على حساب بلاده، ومنها أن يستتبع الاتفاق بآخر جديد. علماً أن الاتفاق أخضع طهران لضوابط وشروط، وهو واضح باحتواء إيران ومنعها أطول فترة ممكنة من صنع قنبلة نووية. إلى ذلك، ومع نقض الاتفاق وعودة العقوبات سنكون أمام أزمة جديدة في الشرق الأوسط، لأن طهران ستتوقف عن تطبيق التزاماتها، ما سيقلل من إمكانية مراقبة أنشطتها النووية، وهو التحذير الذي أطلقه أحد أعضاء مجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بروكسل، بحسب ما ذكرت شبكة "آي آر دي" الإعلامية. وسينتج من هذا الأمر تجميد للأعمال التجارية مع طهران، وهذا الأمر سيكون له تأثير فوري في قطاع النفط، وعلى المدى الطويل ستتضرر مصداقية الدول المعنية بصياغة الاتفاق كما والفعالية الدبلوماسية، وعلى الأوروبيين أن يكونوا مستعدين لعودة العقوبات، التي من المفترض أن يعتمدها ترامب ضد طهران، والتي ستضرب بشدة الشركات الأوروبية التي تستثمر هناك.
من جهة ثانية، اعتبر رئيس مؤتمر ميونخ للأمن، فولفغانغ إيشنغر، في حديث مع صحيفة "بيلد"، أن مزاعم إسرائيل ليست سبباً لوضع الاتفاق على المحك، وسيكون من الخطأ الخروج منه، والمطلوب التوصل إلى حل وسط، محذراً من أنه في حال إنهاء الصفقة فإن خطر الحرب في الشرق الأوسط سيزداد بشكل ملحوظ، خصوصاً على الحدود السورية مع الاحتلال، وبالتالي فإن على برلين أن تأخذ زمام المبادرة فوراً مع لندن وباريس، وتعقد قمة لتجنب التصعيد. وعلى الرغم من أنه اعتبر أن طهران لا تقول الحقيقة كاملة، فإنه وصف الاتفاق بالصفقة الصحيحة والمهمة. وفي السياق، يوجه بعض المحللين اللوم إلى الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، لأن سياسته ساهمت في الاستقرار الهش في الشرق الأوسط، مبرزين أن الأسلحة النووية ليست سوى جزء من سياسة إيران العدوانية، وهي فكرة صحيحة إنما التطبيق خاطئ لأنه يفتقد إلى العمق الاستراتيجي وبعد النظر، إذ إن وثيقة الاتفاق، المكونة من 159 صفحة، تتناول الجوانب المادية للاتفاق مثل العقوبات المفروضة على إيران، لكنها تهمل الجانب الاستراتيجي والحد من سياسة إيران الإمبريالية، ومنعها أو على الأقل التخفيف من الآثار المدمرة للتدخل الإيراني في الشرق الأوسط. وبعبارة أخرى، حاربوا على طاولة المفاوضات ضد الأسلحة النووية الإيرانية، لكن ليس من أجل المزيد من الأمن في المنطقة.
وفي السياق، يرى مطلعون على واقع الشرق الأوسط أن هناك تحاملاً من قبل الولايات المتحدة على إيران، وذلك لعدم وجود دليل قطعي على انتهاكات لمتطلبات التعاملات النووية، ما يذكر بالتعامل مع العراق قبل 15 سنة، ويتم تقديم التحذيرات حالياً بطريقة فعالة إعلامياً. ويذكر هؤلاء بأن الأدوات المكملة لأكبر كارثة في السياسة الخارجية الأميركية، أي مستشار الأمن القومي الجديد، جون بولتون، بالإضافة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يتصدران الدور اليوم، والأخير يرتكز في جوهر مزاعمه على أن إيران لم تكشف عن أنشطتها الماضية كما هو مطلوب بموجب الاتفاق.
وعن دوافع ترامب لنقض الاتفاق واستفزاز أوروبا، يقول خبراء في العلاقات الأوروبية إن المدة والقيود الجزئية المحددة حتى العام 2025، وبحد أقصى 25 سنة، لا ترضي الرئيس الأميركي، الذي يشتكي أيضاً من أن البرنامج الصاروخي لإيران، الذي تواصل البلاد العمل فيه، لا يشمله الاتفاق. ويضيف هؤلاء أن الأخير لا يتهمها بالمعنى الدقيق بخرق الاتفاق، لكنه يعتبر أن إيران تنتهك "روح" الاتفاق مع برنامج الصواريخ وسياستها الخارجية العدوانية، لذلك فهو يريد إعادة التفاوض وتكريس القيود بشكل دائم وتنظيم برنامجها الصاروخي. في هذا الوقت، يرى الاتحاد الأوروبي أن الاتفاق ناجح ويحرص على الالتزام به، مع استعداد دوله لموقف أكثر صرامة بشأن السياسة الخارجية الإيرانية العدوانية ودعمها مليشيات موالية لها في العراق وسورية ولبنان واليمن. ويستند هؤلاء إلى التزام إيران، بنتيجة الاتفاق الموقع في العام 2015، بتقليل الأجزاء الأساسية من برنامجها النووي بشكل جذري مقابل وعد بتطبيع العلاقات الاقتصادية مع الغرب، وأنه، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن طهران تمتثل تماماً للمتطلبات وتحافظ على تقييم الوكالة لعام 2015، أي أنه لا يوجد دليل موثوق فيه على استمرار طهران في تطوير أسلحة نووية بعد العام 2009. هذا الأمر عبر عنه أحد أهم المشرعين الألمان، رودريش كيزيفيتر، قائلاً إن "ما قدمه نتنياهو لا يحمل جديداً ويأتي ليخالف المعلومات التي نشرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقييمها البرنامج النووي الإيراني". وبدوره وصف مسؤول السياسة الخارجية في الحزب المسيحي الديمقراطي، نوربرت روتغن، في حديث لمجموعة "دويتشلاند فونك"، اتهامات نتنياهو بالمناورة المربكة والمضللة، ومحاولة لزيادة الضغط على ترامب لمعارضة الاتفاق مع إيران.
وسيتعين على الأوروبيين أن يبذلوا كل الجهد لمنع إيران من تخصيب اليورانيوم من جديد على نطاق واسع، لأن التبعات ستكون كبيرة في ما خص الصراع في الشرق الأوسط، وربما قد يكون هذا الأمر عبر تقديمات لطهران تخفف من الأضرار الاقتصادية التي ستفرضها العقوبات الأميركية، على الرغم من أنه، في هذه الحالة، سيتعين على الاتحاد الأوروبي أخذ الاحتياطات اللازمة، لأنه وفي أسوأ الحالات من الممكن أن تفرض أميركا عقوبات على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران.