تتخوّف مصادر غربية متابعة للشأن الجزائري من اندلاع أحداث ربيع جزائري شبيه بثورات الربيع العربي التي نجت منها الجزائر في 2011. كما تتطابق رؤية دبلوماسيين فرنسيين في واشنطن مع تقييم مصادر في وزارة الخارجية الأميركية تحدثت لـ"العربي الجديد"، عن أن انخفاض أسعار النفط الخام ومرض الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة والعداءات الشخصية بين رجال النظام، من العوامل التي تؤثر سلباً على محاولات من اسمتهم المصادر ذاتها بـ"أعضاء العشيرة الجزائرية الحاكمة" لاحتواء احتجاجات الجنوب الجزائري بشأن خطط إنتاج الغاز الصخري بعد أن شملت أكثر من 11 محافظة جزائرية حتى الآن.
ويؤكد دبلوماسي أميركي عمل بضع سنوات في الجزائر، لـ"العربي الجديد"، أن خبراء الحكومات الغربية تعمّقوا أثناء وبعد ثورات الربيع العربي في دراسة خصائص المجتمع الجزائري لمعرفة العوامل التي جنّبت الجزائر أحداث 2011، سواء تلك التلقائية أو الناجمة عن خطوات اتخذتها الحكومة الجزائرية لتفادي الأحداث، ويدركون أن بعض المشكلات السياسية والاجتماعية ما زالت كامنة ولم تُقدّم لها الحكومة حلولاً ناجعة.
وحسب الدبلوماسي الذي رفض الإفصاح عن اسمه، فإن الحكومات الغربية والدوائر المختصة بقضايا المغرب العربي ومكافحة الإرهاب على حد سواء تسعى جاهدة لئلا تؤخذ مجدداً على حين غرة بأحداث شبيهة بما وقع في تونس عقب انتفاضة سيدي بوزيد الشبابية.
وتخشى الدوائر الغربية حالياً من تحوّل منطقة عين صالح في ولاية تمنراست جنوبي الجزائر، إلى سيدي بوزيد أخرى، تمتد شرارتها إلى جميع أنحاء الجنوب الجزائري وصولاً إلى الشمال والشرق. وكان عدد من الناشطين والمثقفين الجزائريين قد نظّموا وقفة احتجاجية تضامنية مع مدن الجنوب في العاصمة يوم السبت الماضي، إلا أن الشرطة اعتقلت منظمي الفعالية بعيد وصول المشاركين فيها إلى إحدى الساحات الرئيسية.
ويقول الدبلوماسي الأميركي المشار إليه، لـ"العربي الجديد"، إن دوائر بحثية خاصة وخبراء حكوميين في كل من فرنسا والولايات المتحدة، يعتقدون أن بقاء مفاصل السلطة تحت الهيمنة العشائرية المناطقية لولاية تلمسان الواقعة على الحدود الشمالية للمملكة المغربية، والتي ينتمي إليها بوتفليقة، من ضمن العوامل المكبوتة التي قد تؤجج أي ثورة محتملة في الجزائر.
كما يعرب عن اعتقاده بأن رموز السلطة من هذه الولاية يخشون أكثر من غيرهم من اندلاع ثورة شعبية في الجزائر ولذلك فقد تجاوزوا الحكومة وبادروا بأنفسهم إلى محاولة إخماد فتنة الجنوب، بإرسال مدير الأمن العام الجنرال عبد الغني هامل إلى مدينة عين صالح، في مهمة لتهدئة احتجاجات السكان الرافضين لخطط الحكومة بإنتاج الغاز الصخري وإهمال مخاوف السكان من التأثيرات الصحية عليهم وعلى أبنائهم وأحفادهم جراء خطط الإنتاج هذه.
وفي السياق نفسه، يقول مصدر فرنسي إن تصاعد دور الشرطي الأول في البلاد، الجنرال هامل، وظهوره بمظهر الشخص الأكثر قرباً وثقة لدى بوتفليقة وبالتالي لدى الدوائر الحاكمة، أغضب وزير الداخلية الطيب بلعيز، على الرغم من انتماء الاثنين لولاية تلمسان، وهو الأمر الذي قد يضيف إلى جانب انخفاض الموارد المالية للنظام وظروف الرئيس الصحية المرتبطة بتقدمه في السن، عاملاً جديداً إلى عوامل ضعف النظام هو الصراعات الشخصية بين رموز النظام الجزائري، الأمر الذي قد يقوّض جهود الحكومة الساعية لمواجهة التحديات.
وتشير مصادر متطابقة إلى أن الجنرال هامل يحظى فعلاً بثقة الرئيس الجزائري، وقد سبق أن كلفه الرئيس بمهام سابقة مماثلة نجح خلالها في نزع فتيل الانفجار، لكنه كان مسلحاً حينها بمصادر مالية هائلة مكّنت الحكومة الجزائرية من شراء ولاء الكثير من خصومها السابقين. في حين أن الجنرال هامل يقوم حالياً بمهمة إطفاء صعبة على خط النار بعد أن أدى انخفاض أسعار النفط الخام على ما يبدو إلى تقليص حاد في إمكانات النظام المالية، الأمر الذي أجبر مدير الأمن العام على "رفع العصا من دون الجزرة" في وجه المحتجين، وفقاً لتعبير المصدر الفرنسي.
وقد التقى هامل في الأيام الماضية عدداً من المتظاهرين، وحذرهم من زعزعة استقرار البلاد، طالباً منهم اختيار ممثلين عنهم للتوجه معه إلى العاصمة لبحث مطالبهم، في خطوة فسّرها البعض بأنها محاولة من الأجهزة الحاكمة لشراء القيادات والشخصيات المؤثرة بدلاً من محاولة تقديم حلول جماعية ناجعة تستجيب لمطالب أكبر قطاع من السكان وتهدئ الاحتجاجات المناهضة لاستغلال الغاز الصخري التي دخلت أسبوعها الثالث.
ومن مؤشرات الصراع بين رموز النظام، التكذيب الذي أطلقه وزير الطاقة الجزائري يوسف يوسفي، لما يتردد في الجزائر من أن الحكومة قررت لجم المحتجين بوقف خطط إنتاج الغاز الصخري في الجنوب. واعتبر بعض المراقبين الخارجيين تصريح يوسفي بأن الدولة لم تصدر أي قرار نهائي في هذا الشأن تقويضاً لجهد الجنرال هامل الذي حمل رسالة من المحتجين إلى القيادة الجزائرية تتضمن هذا المطلب.
وتعليقاً على ذلك، ينصح دبلوماسي جزائري في واشنطن في حديث لـ"العربي الجديد"، "الحكومات الغربية ألا تستقي معلوماتها عن الجزائر من مصادر مغربية".
غير أن بعض مراقبي الشأن الجزائري في الولايات المتحدة استقطب انتباههم النبرة الحادة التي بدأ بعض السياسيين الجزائريين يخاطبون بها بوتفليقة بانتقادات لاذعة على خلفية مشروع الغاز الصخري، ويستخدم فيها المنتقدون كلمة "ارحل" التي كانت إلى جانب عبارة "الشعب يريد إسقاط النظام" من أبرز شعارات ثوار الربيع العربي.
وفي هذا السياق، خاطب المعارض الجزائري سفيان جيلالي الرئيس قائلاً له: "استعد للرحيل وليس البقاء، واترك التفكير في المستقبل للأجيال المقبلة لأنّك دمرت الماضي".
وقال في ندوة صحفية في العاصمة الجزائرية للتضامن مع سكان ولايات الجنوب "أين أنت يا بوتفليقة؟ غرداية احترقت وما تزال تحترق ولم نرَ لك أثراً، وعين صالح ملتهبة والعواقب فيها خطيرة ولم نسمع منك صوتاً، أولست رئيساً شرعياً انتخبك الشعب مثلما تدعي؟".
ويتساءل متابعو أخبار الجزائر عن الاجتماع المقرر أن تستضيفه الجزائر لوزراء الداخلية العرب بعد أسابيع قليلة، وهل سيكون فرصة لأولئك الوزراء للاستفادة من نجاح الجزائر في احتواء الانتفاضات قبل وقوعها، أم سيكون فرصة لهم للتعلم من أخطاء قد يرتكبها نظيرهم الجزائري في مواجهته للاضطرابات المحتملة. لكن الجزائريين أنفسهم يتساءلون من سيستقبل وزراء الداخلية العرب في الجزائر؟ فهل سيكون الوزير الحالي الطيب بلعيز، أم سيقوم بالدور منافسه المرشح لخلافته الجنرال هامل؟!