"السنّة ليست طائفة، هي الأمة، والأصل، والطائفة تطلق على الأقلية فقط"، بهذه الكلمات البسيطة، لخص الدكتور، حسن الهويمل، عضو مجلس أمناء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وهو يعترض على مشاركة أحد الأعضاء التي تحدث فيها عن الطائفية قبل أيام، والتي وصف خلالها "السنّة والشيعة" بالطائفتين. منذ أن تأسست الدولة السعودية، وطوال ثمانية عقود، وهي تعيد إنتاج الهوية السنية السلفية في خطاباتها الوطنية، كما عبرت عنها تصريحات ملوكها وأمرائها الذين تعاقبوا على الحكم وإدارة شؤون الدولة.
حادثة الأحساء، وإن لم تظهر لبعضهم إلا مجرد تعبير بسيط عن حالة الاحتراب الأهلي والطائفي في المنطقة، والذي لم يترك ساحة في الإقليم إلا وصل إليها بشرره، فهذا جانب من المشكلة. فيما الجانب الآخر يتصل ببنية الدولة السعودية. ويقول المؤلفان السعوديان، بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، في كتابهما المشترك: "الحراك الشيعي في السعودية"، إن عمق الأزمة الوطنية السعودية يتصل بما قد تأسست عليه الدولة، "على هُويّة خاصة بفئة معينة عُمّمت على جميع المكونات، وهي لا تمثل مشتركاً تاريخيًاً أو ثقافيّاً للمكونات المختلفة".
فمنذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة، وُلد شعور بالتهميش لدى المزاج العام للطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية، وهو ما لم يتأخر في الظهور على شكل تظاهرات احتجاج، الأولى في عام 1979، والثانية في إطار الثورات العربية عام 2011. ولم يكن الرد الرسمي مفاجئاً لكثيرين إزاء جريمة الأحساء، فقد جاء البيان الصادر من مجلس الوزراء السعودي، بعد أسبوع من وقوع الهجوم، ليعرب عن "أحر التعازي والمواساة لأسر وذوي المتوفين وأسر وذوي شهداء الواجب والجرحى". عدم المفاجأة تتعلق بعدم تهاون الدولة وتسامحها في الإخلال بالأمن العام والتشكيك في قدرتها على الضبط، وهو الخطاب ذاته الذي حمله العديد من الأمراء الذين حضروا في الحسينية لأداء واجب العزاء. أيضاً كانت هيئة كبار العلماء قد استنكرت الحادثة سريعاً في بيان وصفت فيه من قاموا بالعمل المُستَنكَر بأنهم: "أعداء هذا الدين وهذا الوطن الذين يطمعون في النيل من وحدتنا واستقرارنا".
رغم الاستنكار الواسع للحادثة، من المحسوبين على اتجاهات مختلفة في السعودية، إلا أن حدّة السجالات التي جرت ولا تزال تجري على خلفية الحادثة، والتي تصل إلى حد التراشق وتبادل الاتهامات، باتت هي السمة الأبرز في السعودية. في وسم #إطلاق_نار_الأحساء على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، سُجلت العديد من التغريدات التي جاءت في سياق "اصطياد المتناقضين"، الذين استنكروا الحادثة، فيما تاريخهم مليء بالتحريض الطائفي.
الكّتاب والإعلاميون والناشطون الذين يعرفون أنفسهم "ليبراليين"، لم يتأخروا في الصراع مع الإسلاميين، متهمين إياهم بالهروب من مسؤوليتهم في التورط بالجريمة، كمحرضين وشركاء في بث خطاب الكراهية والطائفية. كثير من الليبراليين طالبوا بسن قانون يجرم الكراهية، وإغلاق قنوات دينية اعتبروها محرضة على الفتنة، وشاركهم في هذا الأمر ناشطون من التيار الإصلاحي الشيعي (المنسوب إلى الشيخ حسن الصفار). لم يكن خطاب الاستنكار موحداً في سياقاته، فعلى مستوى "الإسلاميين"، انقسم الخطاب في ثلاثة اتجاهات: الأول، إدانة صريحة وواضحة للعمل، ولخطاب الكراهية والطائفية، بينما جاء الثاني في إدانة العمل واستنكاره كفعل يهدد الأمن والاستقرار فحسب، من دون أن ينطوي على أية إشارة لإدانة خطابات الكراهية والطائفية، وقد كان هذا سمة موقف أقطاب "السلفية الحركية"، الأمر الذي دفع بالكاتب السعودي، مجاهد عبدالمتعالي، إلى انتقاد من وصفهم بـ"المتعصبين"، والقول إن "الخطاب المستنكر لحادثة الأحساء من قبل بعض النخب السعودية كان فاضحاً بشكل فج لحقيقة الأزمة الوطنية التي يعيشونها، ومعظم من استنكر الحادثة كان مشغولاً بجانبها الأمني والسياسي، ولم يكلف معظم من استنكر نفوسهم بعبارة ولو عابرة بالدعاء والرحمة لهؤلاء الشهداء في يوم عاشوراء بدلالته العظيمة عند المسلمين سنة وشيعة".
وفي اتجاهٍ ثالث، جاء خطاب يستنكر الحادثة في وقت يستبطن فيه تفسيرات طائفية للأحداث، ويربطها بتطورات الإقليم، عبر تكريس الاصطفاف الطائفي في الخطاب، وقد كان هذا موقف عدد من الناشطين المحسوبين على الإخوان المسلمين، ترجمته الحلقة التلفزيونية من برنامج "حراك" الذي يُبث على قناة "فور شباب"، في حلقة استضافت الناشط الإسلامي، محسن العواجي، وتحدث في بدايتها عن استنكاره الحادثة، وفي الوقت نفسه تساءل عن موقف الشيعة في السعودية من الأحداث الإقليمية التي تحدث في المنطقة، معتبراً أن السنّة "صبروا كثيراً على الشيعة"، الأمر الذي استفز الكاتب، توفيق السيف، في مداخلته ضمن البرنامج، ليدخل في نقاش حاد مع العواجي، تبادلا فيه عدداً من الاتهامات.
في هذا السياق، برزت بعض المقالات الصحافية التي انتقدت شكل استنكار ناشطين ينتمون إلى الإخوان المسلمين أو يدورون في الفلك الإخواني، للجريمة، كون استنكارهم أتى "على خلفية الانتماء المذهبي ويساهم في تكريس الخطاب الطائفي، من خلال اتهامها لكل فردٍ من الطائفة مبدئيّاً، ومطالبته بإعلان البراءة المستمر والدائم" على حد تعبير الكاتب بدر الابراهيم مثلاً.