بيت لحم، مهد السيّد المسيح الذي يُحتفى بعد أيام بعيد ميلاده، حزينة وغاضبة. هي أطفأت أنوار شجرة الميلاد التي نُصبت في ساحة كنيسة المهد، استنكاراً للإعلان الأميركي الرسمي بشأن القدس وتأكيداً أنّ القدس هي عاصمة فلسطين من النهر إلى البحر.
وكان اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء الماضي، بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني، قد خلّف حالة من الغضب الشديد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيّما أنّ المدن الفلسطينية تحتفل بعيد الميلاد. فاختلطت صرخات المحتجين على قرار الولايات المتحدة الأميركية وسياستها بحركة الناس الذين يتهيؤون للعيد، لتطغى عليها.
المدن الفلسطينية كانت تتهيأ للاحتفال بعيد الميلاد بمظاهر الفرح المعتادة على الرغم من الغصّة الدائمة، غير أنّ ذلك لم يعد ملائماً اليوم. لذا انصرف المعنيون إلى البحث في كيفيّة تعديل احتفالات العيد. فيقول رئيس المعهد الإكليريكي للبطريركية اللاتينية في بيت جالا، الأب جمال خضر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة اتصالات مكثفة ومشاورات في الأوساط المسيحية حول المسيرات الكشفية التي ستنطلق في المدن الفلسطينية، وكيفية خروجها والرسالة التي ستحملها". يضيف أنّه "جرى تأجيل بعض التحضيرات الخاصة بالعيد، ومنها إضاءة شجرة الميلاد في كنيسة بيت جالا إلى الشمال الغربي من مدينة بيت لحم".
ويرى خضر أنّ "قرارات وسياسات ترامب سوف تؤثّر بطريقة سلبية على احتفالات الميلاد، وهي بمثابة دسّ السم في أجواء العيد بغرض إفسادها". ويوضح أنّ "ثمّة احتفالات كانت قد بدأت رسمياً وجرى تعطيلها، من قبيل إطفاء شجرتَي الميلاد في رام الله وبيت لحم اللتَين كانت قد أضيئتا في وقت سابق لتبعثا أجواء سلام إلى كلّ الشعب الفلسطيني".
ويؤكد خضر أنّ "القدس هي قلب القضية الفلسطينية، وقلب كلّ مسيحي وكلّ مسلم في فلسطين. لا يمكن لأيّ كان القبول بأن تكون عاصمة للاحتلال. ولأنّ القدس عربية مسيحية إسلامية، فسوف يغلب الطابع الوطني الفلسطيني على أجواء عيد الميلاد واحتفالاته، وسوف يُستفاد من المناسبة للبعث برسالة تنديد بقرارات ترامب وسياساته". يضيف أنّ "فلسطين سوف تحتفل بعيد الميلاد لأنّه مناسبة دينية وحقّ من حقوق المسيحيين والمسلمين على حدّ سواء. والشعائر والصلوات سوف تقام كعادتها، ولن تفسد قرارات ترامب أجواء العيد. فالاحتفال هو تأكيد على صمود الشعب الفلسطيني الحر وتحديه سياسات الولايات المتحدة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي في وقت واحد".
من جهته يقول رئيس بلدية بيت لحم أنطون سلمان لـ"العربي الجديد" إنّ "قرار الرئيس الأميركي صبّ الزيت على النار في الشرق الأوسط، وخلق أجواء توتّر كبير لا سيّما في فلسطين، الأمر الذي يؤثّر على أجواء عيد الميلاد. والبداية كانت من بيت لحم ورام الله اللتَين أطفأتا أنوار شجرة الميلاد ذات الرمزية الكبيرة، احتجاجاً فور إعلان ترامب". ويشدّد على "ضرورة اعتماد خطوات عملية وجادة للاحتجاج على سياسة ترامب. والفلسطينيون مسيحيين كانوا أو مسلمين هم شعب واحد، وما جرى هو انتهاك للحقوق الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني، ومخالف للقانون الدولي وكلّ الأعراف وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقراراته التي نصّت على أنّ القدس هي مدينة محتلة". ولأنّ الاحتجاج على سياسة ترامب يطغى اليوم على تحضيرات عيد الميلاد في المدينة، فإنّ الطابع الوطني الفلسطيني بحسب سلمان سوف يستحوذ على احتفالات الميلاد التي سوف تُقام من دون شكّ. فالعيد حقّ وكذلك الشعائر الدينية".
والفلسطينيون، مسيحيين ومسلمين، سيشاركون في التحركات الاحتجاجية على قرار ترامب الأخير، في حين سوف ترسل مدينة بيت لحم والمدن الفلسطينية الأخرى خلال العيد رسالة تنديد بذلك القرار. وسوف يؤكد المحتفلون بالعيد للعالم الذي سوف تتّجه أنظاره نحو كنيسة المهد، أنّ القدس عاصمة عربية فلسطينية.
تجدر الإشارة إلى أنّ الإضرابات التي نفّذت في الأسواق الفلسطينية احتجاجاً على خطوة ترامب وإعلانه القدس عاصمة للكيان الصهيوني، أتت لتؤثّر على التحضيرات الخاصة بعيد الميلاد. كذلك، في بيت لحم، سُجّلت في الأيام الماضية مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي على بعد أمتار قليلة من أنوار الميلاد المعلقة على طرقات بيت جالا، إلى الشمال الغربي من مدينة بيت لحم. وقد عمد محتجّون إلى تمزيق صور ترامب وحرق العلم الأميركي في ساحة كنيسة المهد.
في السياق، يقول الناشط في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، منذر عميرة، لـ"العربي الجديد" إنّ "إعلان ترامب هو بمثابة دوّامة جديدة، والشارع الفلسطيني سوف يقول كلمته. واحتفالات الميلاد سوف تشمل فعاليات احتجاجية عدّة لإيصال رسالة إلى كل العالم مفادها أنّ القدس عربية وأنّها عاصمة فلسطينية ولا حقّ للاحتلال فيها". ويؤكد عميرة أنّ "الفلسطينيين لن يسكتوا على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال، وسوف يبعثون برسالتهم من قلب ساحة كنيسة المهد، التي سوف تتوجّه إليها أنظار العالم كلّه مع اقتراب عيد الميلاد".