13 فبراير 2022
ترامب يلعب الغولف في منطقتنا
عندما وصل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السلطة، راجت تحليلات عديدة أن الولايات المتحدة سوف تقلل من وجودها وانخراطها في ملفات المنطقة العربية، وذلك انطلاقاً من تبنّي إدارته رؤية انعزالية، تسعى إلى التركيز على الداخل الأميركي من خلال شعار "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (Make America Great Again). ولكن كيف يمكن لترامب، وهو رجل أعمال يبحث عن أية صفقات مالية، أن يقوم ببناء بلاده من دون الحصول على فاتورة ذلك من الخارج؟
وجد ترامب ضالته في بلدان عربية مستعدة لكي تدفع له ما يطلبه من دون مقابل حقيقي. ولذلك بنى استراتيجيته في المنطقة على استغلال الموارد المالية لهذه البلدان، خصوصا السعودية والإمارات، وذلك تحت شعارات ومبررات مختلفة. وهنا يأتي تسخين علاقته مع إيران في السياق نفسه، فالرجل يستثمر في الخوف "المَرَضي" لدى الرياض وأبوظبي، بل ويغذّيه أحياناً، من أجل الاستمرار في "حلب" خزينتهما عبر صفقات سلاح بمليارات الدولارات. والأنكى أنه يتفاخر بذلك في جميع لقاءاته الجماهيرية التي يصرّ فيها على إهانة (لا يعتبرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كذلك!) السعودية وملكها باعتبارهما "كريدت كارد"، ينفق منه كيفما يشاء من دون أن يحاسبه أحد!
ولذلك لا يمكن فهم التصعيد الأميركي الحالي مع إيران بعيداً عن نظرة ترامب إلى حلفائه في الرياض وأبوظبي، فالرجل يبدو كما لو كان يمارس هوايته المفضلة في لعبة الغولف، والتي تقوم بالأساس على التجربة والمغامرة. مستمتعاً في ذلك باستخدام كرة "البعبع الإيراني" من أجل ضمان استمرار الحصول على الأموال الخليجية التي تُصرف من دون حساب. وهو على استعداد أن يغامر بعلاقته بالكونغرس الأميركي من أجل استمرار اللعبة، وذلك على غرار ما
فعل قبل يومين، حين أعلنت إدارته عن عقد صفقات عسكرية مع كل من السعودية والإمارات بقيمة 8.1 مليارات دولار، وذلك من دون الحصول على موافقة الكونغرس. واللافت في الأمر أن هذا الإعلان جاء تحت غطاء حالة الطوارئ، إذ أشار موقع سي. أن. أن الأميركي إلى ما صرّح به وزير الخارجية، مايك بومبيو، إن الصفقة تأتي لوقف "التهديدات الخبيثة" لإيران في المنطقة. في الوقت نفسه، أعلنت إدارة ترامب عن إرسال ما يقرب من 1500 جندي إضافي إلى قواتها في الخليج. وهو رقم رمزي، ليس له هدف سوى إرضاء حلفاء ترامب في الرياض وأبوظبي، وهو ما استغله إعلام وإعلاميو البلدين للنفخ في نار الحرب بين واشنطن وطهران، وكأنها ستقوم غداً!
ولذلك لا يمكن فهم التصعيد الأميركي الحالي مع إيران بعيداً عن نظرة ترامب إلى حلفائه في الرياض وأبوظبي، فالرجل يبدو كما لو كان يمارس هوايته المفضلة في لعبة الغولف، والتي تقوم بالأساس على التجربة والمغامرة. مستمتعاً في ذلك باستخدام كرة "البعبع الإيراني" من أجل ضمان استمرار الحصول على الأموال الخليجية التي تُصرف من دون حساب. وهو على استعداد أن يغامر بعلاقته بالكونغرس الأميركي من أجل استمرار اللعبة، وذلك على غرار ما
ويأتي التسخين الأميركي مع طهران، بهدف دفعها إلى إعادة التفاوض بشأن برنامجها النووي، وذلك بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق الذي وقعته طهران مع أوروبا وأميركا في عهد أوباما، وكذلك حول انخراطها في ملفات المنطقة من العراق وحتى اليمن. وعلى الرغم من نفي ترامب وإدارته وجود أية نية للتفاوض أو الحديث مع طهران، قبل تركيعها وتغيير سلوكها، إلا أن هناك تقارير إخبارية تتحدث عن محاولات من دول أوروبية (ألمانيا) وخليجية (عُمان) من أجل فتح حوار بين الطرفين. وهو أمرٌ لا يجب استبعاده أيضا بمنطق الصفقات الذي يجيد ترامب فنه، فالإيرانيون على استعداد للحديث مع "الشيطان الأعظم"، بل وتقديم إغراءاتٍ ماليةٍ واستراتيجيةٍ له، إذا لزم الأمر من أجل إرضائه. وهم براغماتيون حتى النخاع، ولديهم مهارات تفاوضية قادرة على تفويت الفرصة على خصومهم في الخليج. صحيحٌ أن ثمّة تصريحات متوترة تخرج من القادة العسكريين في طهران، إلا أن تصريحات سياسييها أكثر ذكاءً وحكمةً، على غرار ما قاله وزير الخارجية، جواد ظريف، إن بلاده لا تسعى إلى حرب مع أميركا. أما ما قد يعقّد التفاوض بين الطرفين فهو إسرائيل، والتي لن يهدأ لها بال، حتى ترى إيران دولة ضعيفة ومفكّكة، وذلك كما هي الحال مع بلدان عربية أخرى، كالعراق وسورية، أو كما هو الوضع في مصر الغارقة في همومها الداخلية.
لن يحارب ترامب إيران، ولن تطلق قواته طلقةً واحدةً على أي هدف إيراني، خوفاً من تبعات ذلك على المصالح الأميركية في المنطقة. وأغلب الظن أن المواجهة الكلامية الحالية بين واشنطن وطهران لن تؤدي إلى ما يطمح إليه حلفاء ترامب في الخليج وتل أبيب. كما أن أية مواجهة عسكرية بين الطرفين لن تقتصر خسائرها على الطرفين، بل سوف تصل شظاياها إلى جميع دول المنطقة، خصوصاً تلك القريبة من طهران.