تصر المرأة الريفية العراقية، سعدية علوان، على أن الأعراض المرضية التي أصيبت بها، بالإضافة إلى إنجابها لطفلة مشوهة، هي لعنة أصابت أغلب سكان منطقتها، رافضةً وبشدة تصديق وجود صلة بين ما أصابهم، ومجموعة أغراض أخذوها للاستخدام المنزلي من موقع التويثة النووي (جنوب بغداد)، في الأيام الأولى لدخول القوات الأميركية إلى العاصمة العراقية.
تعاني المرأة، البالغة من العمر 43 عاماً، من مرض سرطان الدم، وسبق لها أن أنجبت ابنتها البكر إيناس، مريضة بتشوهات خلقية تكررت لدى أكثر من مولود في قرية الوردية التي لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن منشأة التويثة للأبحاث النووية والتي قصفتها إسرائيل في سنة 1981 وتعرضت لعمليات نهب واسعة من قبل الأهالي في الأيام الأولى لسقوط نظام صدام حسين ودخول الجيش الأميركي إلى بغداد.
تقول أم إيناس، لـ"العربي الجديد": "ما أصاب قريتنا لم يصب السكان فقط وإنما شمل الحيوانات والمزارع، إذ أخفق الأطباء البيطريين في معرفة السبب الحقيقي لنفوق عدد كبير من المواشي فضلاً عن تراجع واضح في إنتاج المحاصيل الزراعية بالإضافة إلى اختفاء أغلب الثروة السمكية من نهر ديالى القريب والطيور المهاجرة التي كانت تمر بالمنطقة في فصل الصيف.
المرأة المريضة باللوكيميا، ترفض القول إن الذي حصل لهم في هذه المنطقة كان بسبب عدد من الخزانات المعدنية والبلاستيكية ومجموعة أغراض أخرى أخذها الأهالي من منشأة التويثة، مستشهدة بأنهم سكنوا لسنوات طويلة إلى جوارها دون أن يصيبهم شيء مشابه للذي يحصل معهم اليوم.
حاويات المواد النووية
دفع الاهتمام بالقضايا البيئية الشاب العراقي المغترب إيهاب برزنجي، إلى أن يشارك مع فريق منظمة السلام الأخضر في حملة جمع المواد المنهوبة من منشأة التويثة، وهي مهمة تحولت إلى كابوس مرعب حين شاهد حاويات المواد النووية تستخدم من قبل السكان القرويين كخزانات للمياة والأطعمة بعد أن أفرغت من محتوياتها والتي تم إلقاء أغلبها في النهر المجاور.
الناشط البيئي يوضح لـ"العربي الجديد"، أن أفراد القوة العراقية المكلفة بحماية المنشأة النووية هربوا مع اقتراب القوات الأميركية من حدود بغداد، وبقي المكان خمسة أيام مسرحاً للنهب والسلب الذي شمل معظم المحتويات.
مهمة فريق برزنجي انطلقت بعد الاجتياح الأميركي بشهرين وكانت تستهدف استرجاع 2500 برميل بلاستيكي أزرق اللون و57 حاوية بلاستيكية كبيرة الحجم ومحاطة بدرع معدني تم نهبها من الموقع وتحتوي جميعها على مواد شديدة الخطورة، مثل خلاصة اليورانيوم المسماة بـ"الكعك الأصفر" ومواد مشعة مثل الكوبالت والأميريكيوم، لافتاً إلى وجود مؤشرات على نهب حاوية خاصة بتجارب أولية على نوع من الحشرات تسمى الدودة الحلزونية وهي ذات تأثيرات مدمرة على الثروة الحيوانية وتلحق الأضرار أيضاً بصحة الإنسان.
وبرغم تعدد الصور المرعبة التي شاهدها برزنجي في المناطق المحيطة بالتويثة، إلا أن منظر لعب الأطفال فوق الحاويات النووية كان صادماً له وللفريق البيئي الذي اكتشف أن البراميل ذات المحتويات الخطرة جداً باتت تستخدم في تخزين السكر والطحين والرز والمشتقات النفطية، بينما عثروا في مكان آخر على عدد كبير منها تم استخدامه في تحضير المخللات داخل معمل صغير يمتلكه أحد الأهالي بالرغم من وجود علامات تحذيرية على معظم هذه البراميل.
ومع أن فريق السلام الأخضر قدم إلى الأهالي حاويات نظيفة ومعقمة مخصصة لخزن المياه والأطعمة مقابل كل برميل أو حاوية منهوبة يتم استرجاعها منهم، إلا أن برزنجي يقر بأن كمية البراميل التي حصلوا عليها كانت قليلة خصوصاً بعد تداول سكان القرية إشاعة عن إمكانية بيعهم للبراميل المنهوبة بأسعار عالية جداً إلى جهات أخرى تسعى للحصول عليها.
برزنجي لفت إلى أن موقع التويثة هو واحد من 38 بقعة ملوثة باليورانيوم تم تشخيصها في عموم المحافظات العراقية وأغلبها يقع في الجنوب ويشمل منشآت عسكرية وأخرى مدنية تم قصفها في حربي 1991 و2003 بواسطة ذخائر اليورانيوم، مضيفاً بأن العديد من هذه المواقع الملوثة تم تفكيك ما بها من أجهزة وبيعها بواسطة تجار محليين إلى معامل صهر وتدوير المعادن في شمال العراق والمناطق المجاورة.
200 ألف مريض بالسرطان
يعكف اختصاصي الأمراض السرطانية، الدكتور وسام المهداوي، مع عدد من زملائه على وضع إحصائية تقريبة لعدد المصابين بأمراض السرطان في العراق والتي وصلت خلال العام الحالي إلى حدود الـ200 ألف مريض غالبيتهم من الأطفال، وتتنوع الإصابات بين سرطان الدم والبروستات والغدد اللمفاوية والعظام وسرطان الثدي بالنسبة للنساء، فيما يسجل العراق زيادة سنوية تقترب من 9000 إصابة جديدة بهذه الأمراض وهو رقم آخذ بالازدياد.
لا تتوفر لدى الدكتور المهداوي أرقام مؤكدة عن حجم الإصابات في العاصمة بغداد وحدها، ولكنه مقتنع بأن كارثة "التويثة" تقف كواحدة من الأسباب الرئيسية التي قفزت بالإصابات السرطانية لأكثر من ثلاثة أضعاف المستوى المسجل قبل الغزو الأميركي، وكذلك الحال بالنسبة للتشوهات الخلقية عند الأطفال والتي بلغت 42 حالة في كل 1000 ولادة بالعراق مع زيادة مخيفة في حالات الإجهاض والعقم لدى الجنسين.
يستعرض الاختصاصي المهداوي، لـ"العربي الجديد"، ملف أحد مرضاه المصاب باللوكيميا والذي يؤكد أنه كان ضحية للجهل والاستهتار بالحياة البشرية من قبل جهة حكومية استأجرت مريضه وعدداً من العمال الآخرين ليقوموا بأعمال إزالة ودفن للنفايات والأنقاض والمخلّفات المتبقية من عملية النهب الواسعة في موقع التويثة.
يستعين دكتور الأمراض السرطانية برسوم توضيحية ليشرح أن مأساة نهب المنشأة النووية لا يمكن حصر أضرارها في الرقعة الجغرافية لمنطقة التويثة أو جوارها، لأن المواد النووية التي ألقيت في العراء والأنهار تحولت إلى غبار ذي نشاط إشعاعي تحرك بفعل الرياح والماء إلى مسافات بعيدة جداً، مضيفاً بأن الإنسان أصبح يستهلك هذه المواد بطريقة مباشرة، مثل استنشاق الهواء الملوث وشرب الماء والمنتجات الزراعية الملوثة أو من خلال استهلاك مواد غذائية وحيوانية دخلت المواد المشعة في تركيبتها.
المهداوي يؤكد أن المشاكل الصحية الناجمة عن التلوث النووي تتطور وتتفاقم مع مرور الوقت في ظل قاعدة علمية تنص على أن أقل كمية من اليورانيوم تبقى ذات تأثير نشيط في محيطها الطبيعي ولمدة لا تقل عن مئة سنة في أحسن الأحوال، لافتاً إلى أن الجهد المبذول حالياً في العراق لا يتماشى مع ضخامة الكارثة التي يقابلها، بحسب المهداوي، فقر فاضح في عدد المستشفيات المتخصصة والأدوية والكوادر البشرية، والأهم من هذا مراكز البحث المتخصصة في تقدير ومعرفة حجم الأضرار التي ألحقها التلوث النووي بالبيئة وصحة الإنسان.
بيانات التطمين غير صحيحة
يعمل الخبير خالد محمود (اسم مستعار)، في المركز العراقي للوقاية من الإشعاع، وهو جهة حكومية تتولى العمل بالتنسيق مع مؤسسات أخرى في مراقبة حالات التلوث الإشعاعي والسيطرة عليها. يؤكد الخبير الوقائي أن مشكلتي البيروقراطية ونقص المخصصات المالية، هما أبرز ما يواجههم في العمل، وهو ما جعلهم يراوحون إلى الآن في مرحلة جمع وحصر النفايات النووية من مختلف المناطق والتي من المفترض أن تعقبها مرحلة التخزين المؤقت، ومن ثم يتم الانتقال إلى التخزين الدائم، مبيّناً وجود مشاكل في هذا الأمر ممثلاً بمطالبة المحافظات للحكومة المركزية بعدم تخزين هذه النفايات في حدودها ونقلها إلى أماكن أخرى وهو ما ترفضه الحكومة المركزية في بغداد.
ويتابع أن التعامل الحكومي الحالي مع أزمة التلوث يتم بشكل إعلامي وعبر إصدار بيانات التطمين الخاصة بالسيطرة على المشكلة، وهو أمر غير صحيح نهائياً، وخصوصاً في ظل الأزمة المالية التي قلّصت موازنتي وزارتي البيئة والعلوم اللتين تشرفان بشكل مشترك على مشروع التخلّص من النفايات النووية والذي يتطلب كفاءات عالية وميزانية ضخمة وتعاوناً مع جميع الحكومات المحلية في المحافظات، وهي أشياء عير متوفرة في ظل الظروف الحالية.
الخبير الوقائي يؤكد أنهم وبافتراض أكملوا في نهاية العام الحالي، مرحلة التجميع ومعالجة النفايات النووية، فلا بد أن يباشروا بعدها بتخزينها في حاويات مصفحة بالرصاص تمهيداً لدفنها بطريقة هندسية معينة تتيح تبريدها بشكل مستمر مع فحصها بشكل دائم لضمان عدم تسرب أي شي منها إلى الأرض المدفونة فيها، وهي مرحلة لا تنتهي قبل 20 سنة، لتبدأ بعدها مرحلة التخزين الدائم التي يشترط أن يكون العمل فيها بشكل آلي بعيداً عن العنصر البشري، وتتم في مناطق مؤمّنة ضد الحوادث والزلازل وخالية من الرطوبة وتكون درجات الحرارة فيها منخفضة لتساهم في تبريد النفايات التي ترتفع حرارتها بشكل ذات.
ويخلص الخبير للقول بأن دول العالم التي تعاني من المشكلة ذاتها تعطي الأولوية للتخلص من النفايات النووية من أجل ضمان صحة مواطنيها وسلامتهم، وهو أمر غير موجود في العراق الذي خصص لوزارة البيئة موازنة مالية تقل بكثير عن المبلغ المرصود لتجديد قاعة البرلمان.
--------
اقرأ أيضا :
تلوث البيئة العربية [1/7].. سموم "الحرّاقات" تقتل السوريين
سجن الناصرية العراقي..حزب الفضيلة يفرض مذهبه على المعتقلين
سُنّة العراق يغيرون أسماءهم .. الاستسلام للطائفية
تعاني المرأة، البالغة من العمر 43 عاماً، من مرض سرطان الدم، وسبق لها أن أنجبت ابنتها البكر إيناس، مريضة بتشوهات خلقية تكررت لدى أكثر من مولود في قرية الوردية التي لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن منشأة التويثة للأبحاث النووية والتي قصفتها إسرائيل في سنة 1981 وتعرضت لعمليات نهب واسعة من قبل الأهالي في الأيام الأولى لسقوط نظام صدام حسين ودخول الجيش الأميركي إلى بغداد.
تقول أم إيناس، لـ"العربي الجديد": "ما أصاب قريتنا لم يصب السكان فقط وإنما شمل الحيوانات والمزارع، إذ أخفق الأطباء البيطريين في معرفة السبب الحقيقي لنفوق عدد كبير من المواشي فضلاً عن تراجع واضح في إنتاج المحاصيل الزراعية بالإضافة إلى اختفاء أغلب الثروة السمكية من نهر ديالى القريب والطيور المهاجرة التي كانت تمر بالمنطقة في فصل الصيف.
المرأة المريضة باللوكيميا، ترفض القول إن الذي حصل لهم في هذه المنطقة كان بسبب عدد من الخزانات المعدنية والبلاستيكية ومجموعة أغراض أخرى أخذها الأهالي من منشأة التويثة، مستشهدة بأنهم سكنوا لسنوات طويلة إلى جوارها دون أن يصيبهم شيء مشابه للذي يحصل معهم اليوم.
حاويات المواد النووية
دفع الاهتمام بالقضايا البيئية الشاب العراقي المغترب إيهاب برزنجي، إلى أن يشارك مع فريق منظمة السلام الأخضر في حملة جمع المواد المنهوبة من منشأة التويثة، وهي مهمة تحولت إلى كابوس مرعب حين شاهد حاويات المواد النووية تستخدم من قبل السكان القرويين كخزانات للمياة والأطعمة بعد أن أفرغت من محتوياتها والتي تم إلقاء أغلبها في النهر المجاور.
الناشط البيئي يوضح لـ"العربي الجديد"، أن أفراد القوة العراقية المكلفة بحماية المنشأة النووية هربوا مع اقتراب القوات الأميركية من حدود بغداد، وبقي المكان خمسة أيام مسرحاً للنهب والسلب الذي شمل معظم المحتويات.
وبرغم تعدد الصور المرعبة التي شاهدها برزنجي في المناطق المحيطة بالتويثة، إلا أن منظر لعب الأطفال فوق الحاويات النووية كان صادماً له وللفريق البيئي الذي اكتشف أن البراميل ذات المحتويات الخطرة جداً باتت تستخدم في تخزين السكر والطحين والرز والمشتقات النفطية، بينما عثروا في مكان آخر على عدد كبير منها تم استخدامه في تحضير المخللات داخل معمل صغير يمتلكه أحد الأهالي بالرغم من وجود علامات تحذيرية على معظم هذه البراميل.
ومع أن فريق السلام الأخضر قدم إلى الأهالي حاويات نظيفة ومعقمة مخصصة لخزن المياه والأطعمة مقابل كل برميل أو حاوية منهوبة يتم استرجاعها منهم، إلا أن برزنجي يقر بأن كمية البراميل التي حصلوا عليها كانت قليلة خصوصاً بعد تداول سكان القرية إشاعة عن إمكانية بيعهم للبراميل المنهوبة بأسعار عالية جداً إلى جهات أخرى تسعى للحصول عليها.
برزنجي لفت إلى أن موقع التويثة هو واحد من 38 بقعة ملوثة باليورانيوم تم تشخيصها في عموم المحافظات العراقية وأغلبها يقع في الجنوب ويشمل منشآت عسكرية وأخرى مدنية تم قصفها في حربي 1991 و2003 بواسطة ذخائر اليورانيوم، مضيفاً بأن العديد من هذه المواقع الملوثة تم تفكيك ما بها من أجهزة وبيعها بواسطة تجار محليين إلى معامل صهر وتدوير المعادن في شمال العراق والمناطق المجاورة.
براميل ملوثة بمخلفات نووية جميعها فريق السلام الأخضر من العراقيين بعد استخدامها في تخزين الطعام (العربي الجديد) |
200 ألف مريض بالسرطان
يعكف اختصاصي الأمراض السرطانية، الدكتور وسام المهداوي، مع عدد من زملائه على وضع إحصائية تقريبة لعدد المصابين بأمراض السرطان في العراق والتي وصلت خلال العام الحالي إلى حدود الـ200 ألف مريض غالبيتهم من الأطفال، وتتنوع الإصابات بين سرطان الدم والبروستات والغدد اللمفاوية والعظام وسرطان الثدي بالنسبة للنساء، فيما يسجل العراق زيادة سنوية تقترب من 9000 إصابة جديدة بهذه الأمراض وهو رقم آخذ بالازدياد.
لا تتوفر لدى الدكتور المهداوي أرقام مؤكدة عن حجم الإصابات في العاصمة بغداد وحدها، ولكنه مقتنع بأن كارثة "التويثة" تقف كواحدة من الأسباب الرئيسية التي قفزت بالإصابات السرطانية لأكثر من ثلاثة أضعاف المستوى المسجل قبل الغزو الأميركي، وكذلك الحال بالنسبة للتشوهات الخلقية عند الأطفال والتي بلغت 42 حالة في كل 1000 ولادة بالعراق مع زيادة مخيفة في حالات الإجهاض والعقم لدى الجنسين.
يستعين دكتور الأمراض السرطانية برسوم توضيحية ليشرح أن مأساة نهب المنشأة النووية لا يمكن حصر أضرارها في الرقعة الجغرافية لمنطقة التويثة أو جوارها، لأن المواد النووية التي ألقيت في العراء والأنهار تحولت إلى غبار ذي نشاط إشعاعي تحرك بفعل الرياح والماء إلى مسافات بعيدة جداً، مضيفاً بأن الإنسان أصبح يستهلك هذه المواد بطريقة مباشرة، مثل استنشاق الهواء الملوث وشرب الماء والمنتجات الزراعية الملوثة أو من خلال استهلاك مواد غذائية وحيوانية دخلت المواد المشعة في تركيبتها.
المهداوي يؤكد أن المشاكل الصحية الناجمة عن التلوث النووي تتطور وتتفاقم مع مرور الوقت في ظل قاعدة علمية تنص على أن أقل كمية من اليورانيوم تبقى ذات تأثير نشيط في محيطها الطبيعي ولمدة لا تقل عن مئة سنة في أحسن الأحوال، لافتاً إلى أن الجهد المبذول حالياً في العراق لا يتماشى مع ضخامة الكارثة التي يقابلها، بحسب المهداوي، فقر فاضح في عدد المستشفيات المتخصصة والأدوية والكوادر البشرية، والأهم من هذا مراكز البحث المتخصصة في تقدير ومعرفة حجم الأضرار التي ألحقها التلوث النووي بالبيئة وصحة الإنسان.
بيانات التطمين غير صحيحة
يعمل الخبير خالد محمود (اسم مستعار)، في المركز العراقي للوقاية من الإشعاع، وهو جهة حكومية تتولى العمل بالتنسيق مع مؤسسات أخرى في مراقبة حالات التلوث الإشعاعي والسيطرة عليها. يؤكد الخبير الوقائي أن مشكلتي البيروقراطية ونقص المخصصات المالية، هما أبرز ما يواجههم في العمل، وهو ما جعلهم يراوحون إلى الآن في مرحلة جمع وحصر النفايات النووية من مختلف المناطق والتي من المفترض أن تعقبها مرحلة التخزين المؤقت، ومن ثم يتم الانتقال إلى التخزين الدائم، مبيّناً وجود مشاكل في هذا الأمر ممثلاً بمطالبة المحافظات للحكومة المركزية بعدم تخزين هذه النفايات في حدودها ونقلها إلى أماكن أخرى وهو ما ترفضه الحكومة المركزية في بغداد.
ويتابع أن التعامل الحكومي الحالي مع أزمة التلوث يتم بشكل إعلامي وعبر إصدار بيانات التطمين الخاصة بالسيطرة على المشكلة، وهو أمر غير صحيح نهائياً، وخصوصاً في ظل الأزمة المالية التي قلّصت موازنتي وزارتي البيئة والعلوم اللتين تشرفان بشكل مشترك على مشروع التخلّص من النفايات النووية والذي يتطلب كفاءات عالية وميزانية ضخمة وتعاوناً مع جميع الحكومات المحلية في المحافظات، وهي أشياء عير متوفرة في ظل الظروف الحالية.
الخبير الوقائي يؤكد أنهم وبافتراض أكملوا في نهاية العام الحالي، مرحلة التجميع ومعالجة النفايات النووية، فلا بد أن يباشروا بعدها بتخزينها في حاويات مصفحة بالرصاص تمهيداً لدفنها بطريقة هندسية معينة تتيح تبريدها بشكل مستمر مع فحصها بشكل دائم لضمان عدم تسرب أي شي منها إلى الأرض المدفونة فيها، وهي مرحلة لا تنتهي قبل 20 سنة، لتبدأ بعدها مرحلة التخزين الدائم التي يشترط أن يكون العمل فيها بشكل آلي بعيداً عن العنصر البشري، وتتم في مناطق مؤمّنة ضد الحوادث والزلازل وخالية من الرطوبة وتكون درجات الحرارة فيها منخفضة لتساهم في تبريد النفايات التي ترتفع حرارتها بشكل ذات.
ويخلص الخبير للقول بأن دول العالم التي تعاني من المشكلة ذاتها تعطي الأولوية للتخلص من النفايات النووية من أجل ضمان صحة مواطنيها وسلامتهم، وهو أمر غير موجود في العراق الذي خصص لوزارة البيئة موازنة مالية تقل بكثير عن المبلغ المرصود لتجديد قاعة البرلمان.
--------
اقرأ أيضا :
تلوث البيئة العربية [1/7].. سموم "الحرّاقات" تقتل السوريين
سجن الناصرية العراقي..حزب الفضيلة يفرض مذهبه على المعتقلين
سُنّة العراق يغيرون أسماءهم .. الاستسلام للطائفية