08 نوفمبر 2024
ترشيح عون... بداية مشكلة لا نهايتها
لا يثير شغور منصب رئاسة الجمهورية في لبنان، وبقاء هذا البلد من دون رئيس سنواتٍ، الشجب والاستنكار واللغط لما يترتب عليه من مشكلاتٍ اقتصاديةٍ وإداريةٍ، بقدر ما يمكن أن يثير ترشيح إحدى الشخصيات لشغل المنصب الشاغر، أياً تكن هذه الشخصية، فلبنان الضعيف هو مطلب زعماء الدويلات والطوائف ومطمحهم، منذ ظهرت الصيغة اللبنانية سنة 1943، والتي رسخت دعائم نظام طائفي، يهبُّ زعماؤه إلى التهديد بالحرب الطائفية، أو يوقدونها، كلما خرج صوتٌ يطالب بزعزعة تلك الدعائم. ومن هنا، ظهر تناقض، خَبِر اللبنانيون مثيلاته، بحيث يتفق حلفاء العماد ميشيل عون وخصومه السياسيون، منذ اللحظات الأولى، على معارضة ترشّحه لمنصب رئاسة الجمهورية، منعاً لقدوم رجل غير مرتهن، إلى حد ما، إلى قوىً خارجية، ومطالِبٌ دائم بسيادة لبنان ومؤسساته.
ويُعد شغور منصب رئيس الجمهورية، وشلل مؤسسات البلاد، البيئة المناسبة لزعماء الطوائف، لكي يستمر رهنهم أبناء طوائفهم وفقراءها، فيستمر هؤلاء طوع أمرهم، للدفاع عنهم كلما لاحت مطالب جدية بتغيير الواقع الطائفي أو الاجتماعي أو الاقتصادي في لبنان. على الرغم من أن ذلك التغيير يصبّ، في النهاية، في مصلحة هؤلاء الفقراء. وهو ما شهدناه عند انطلاق حملة "طلعت ريحتكن"، في أغسطس/ آب من العام الماضي، والتي تراوحت مطالبها بين تنظيف البلاد من القمامة وتغيير النظام الطائفي. حيث اتفق هؤلاء الزعماء، المتناحرون ظاهراً المتفقون باطناً، على إفشالها، وكان لهم ما أرادوا، مستخدمين فقراء طوائفهم وقوداً لتحقيق ذلك.
لذلك، لم يتعجب المتابعون، أو حتى كثيرون من أبناء الشعب اللبناني، عندما عاد، أخيراً، مشهد التهديد والوعيد بحربٍ أهلية، حين رشّح رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، رئيس التيار الوطني الحر، العماد مشيل عون، لمنصب رئيس الجمهورية، فهذا ليس جديداً على الحياة السياسية في لبنان، إذ يتكرّر كلما كان هنالك استحقاق وطني، من انتخابات نيابيةٍ أم بلدية، أو مطلبية. ونُسب التلويح بحربٍ أهلية إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ونفاه الرجل في حديث له مع صحيفة النهار البيروتية. بينما يجزم بعضهم أنه خرج من أوساط بري، معتمدين على إعلان حركة أمل التي يرأسها معارضتها ترشيح عون، وعزم نوابها التصويت ضد انتخابه في الجلسة التي ستُعقد نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وبالمقارنة مع تزكية سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، عون للمنصب، أواسط يناير/ كانون الثاني الماضي، والتي قُوبلت بالارتياح، فإن ترشيح الحريري له أخرجت كل العفاريت
من قماقمها، كون قراره يتصف بحزمٍ آتٍ من خصمٍ سياسي، ومن زعيم الفريق الآخر المعارض لفريق ميشيل عون وحليفه حزب الله وباقي أعضاء فريق 8 آذار. كما أنه يتّصف بالجدية، وربما بقرارٍ خارجي، يريد أصحابه إغلاق هذا الملف، والتخلص من وجع الرأس الآتي من هذا البلد الصغير، والذي يصيب بلداناً كثيرة بتداعياته. كما أنه قد يشير إلى أن هنالك إرادة بوضع رجل قوي في لبنان، يُوقف التجاذبات الحاصلة في الرئاسات، ويُعيد عمل المؤسسات وفق الحالة الطبيعية، بعيداً عن الاصطفافات الطائفية أو المصلحية.
وكانت تزكية جعجع، يومها، قد حرّكت هذا الملف، وأخرجته من ركوده الذي عاناه منذ شغور المنصب في 24 مايو/ أيار 2014، ليعود الملف إلى الركود طوال الأشهر السابقة، ثم هذه الأيام إلى الخروج من ركوده على يد سعد الحريري الذي كان متمسّكاً بترشيح قائد تيار المردة، سليمان فرنجية، والذي بدا أن حزب الله غير راضٍ عن ترشيحه، على الرغم من كل ما يجمعهما من اتفاق المواقف ووجهات النظر تجاه الوضع في لبنان وسورية. وجاءت خطوة الحريري بدافع تسوية هذا الملف، ومنعاً لانزلاق البلاد في أتون حربٍ أهلية، كما قال في خطابه منذ أيام. وهو كلام يُذِّكر بدوافع سمير جعجع، حين قال: "بتنا على قاب قوسين أو أدنى من الهاوية"، وذلك على هامش تزكيته عون.
يبقى أن هنالك ما يثير العجب في موقف حزب الله الذي لم يستطع فرض مرشحه على أقرب حلفائه، بري. كذلك عدم تكريس دعمه عون انتخاباً في مجلس النواب، أو حتى توافقاً على طاولة الحوار الوطني، فهل يعتبر سكوته عن معارضة بري علامة للرضى عنها من باب اختلاف وجهات النظر، أم هو علامة للرفض القطعي لترشيح الرجل؟ لذلك، يطرأ التساؤل عما إذا كان هو من أوحى إلى حليفه الأقرب إلى البوح بموقفه المعارض، فيخرج نبيه بري إلى العلن ليرفض ترشيح عون، ويزيد، من عندياته، التهديدَ بنشوب حربٍ أهلية، فيما لو وصل الأخير إلى الرئاسة.
ولكن، يؤخذ على عون، وربما هو يدفع حالياً فاتورة ذلك، عدم مضيِّه في مشروع دعم بناء
دولة المؤسسات الذي بنى رصيده السياسي علي المطالبة به. بل إنه وقف على النقيض من الحركات المطلبية، فاتهم حركة "طلعت ريحتكن" بسرقة شعاراته. ثم دعا أنصاره إلى النزول إلى الساحات "لاسترجاع تلك الشعارات منها"، بدلاً من أن يتحالف مع الحركة، وهو ذو القوة الوازنة على الساحة اللبنانية، لجعل شعاراته تتحقق على أرض الواقع، غير أن وجوده على طاولة الحوار التي انعقدت للرد على ذلك التحرّك المطلبي، يثبت مدى اندماجه في التركيبة الطائفية التي لا قيامة لسياسيٍّ في لبنان، إن لم يكن جزءاً منها.
شهدنا العام الماضي هجوم أنصار نبيه بري على المعتصمين من رموز "طلعت ريحتكن"، وضربِهم وتكسير خيامهم. ورأينا ما سبق ذلك، دعوة بري نفسه إلى انعقاد طاولة الحوار، على وقع انطلاق الحركة، حيث هبَّ إلى الطاولة جميع المتخاصمين الذين رأوا في الحركة تهديداً لمناصبهم ومكاسبهم. فلن نتعجب اليوم من تهديد بري، بعد أن صرَّحت حركته بمعارضتها ترشيح عون، فالكل سعيد بشلل الدولة ومؤسساتها، كي تقوم مكانها دويلاتهم ومؤسساتها، ويأتي في هذه الحالة ترشيح عون، ربما ليكون بداية مشكلةٍ يدخل لبنان فيها، لا نهاية مشكلة يخرج منها.
ويُعد شغور منصب رئيس الجمهورية، وشلل مؤسسات البلاد، البيئة المناسبة لزعماء الطوائف، لكي يستمر رهنهم أبناء طوائفهم وفقراءها، فيستمر هؤلاء طوع أمرهم، للدفاع عنهم كلما لاحت مطالب جدية بتغيير الواقع الطائفي أو الاجتماعي أو الاقتصادي في لبنان. على الرغم من أن ذلك التغيير يصبّ، في النهاية، في مصلحة هؤلاء الفقراء. وهو ما شهدناه عند انطلاق حملة "طلعت ريحتكن"، في أغسطس/ آب من العام الماضي، والتي تراوحت مطالبها بين تنظيف البلاد من القمامة وتغيير النظام الطائفي. حيث اتفق هؤلاء الزعماء، المتناحرون ظاهراً المتفقون باطناً، على إفشالها، وكان لهم ما أرادوا، مستخدمين فقراء طوائفهم وقوداً لتحقيق ذلك.
لذلك، لم يتعجب المتابعون، أو حتى كثيرون من أبناء الشعب اللبناني، عندما عاد، أخيراً، مشهد التهديد والوعيد بحربٍ أهلية، حين رشّح رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، رئيس التيار الوطني الحر، العماد مشيل عون، لمنصب رئيس الجمهورية، فهذا ليس جديداً على الحياة السياسية في لبنان، إذ يتكرّر كلما كان هنالك استحقاق وطني، من انتخابات نيابيةٍ أم بلدية، أو مطلبية. ونُسب التلويح بحربٍ أهلية إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ونفاه الرجل في حديث له مع صحيفة النهار البيروتية. بينما يجزم بعضهم أنه خرج من أوساط بري، معتمدين على إعلان حركة أمل التي يرأسها معارضتها ترشيح عون، وعزم نوابها التصويت ضد انتخابه في الجلسة التي ستُعقد نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وبالمقارنة مع تزكية سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، عون للمنصب، أواسط يناير/ كانون الثاني الماضي، والتي قُوبلت بالارتياح، فإن ترشيح الحريري له أخرجت كل العفاريت
وكانت تزكية جعجع، يومها، قد حرّكت هذا الملف، وأخرجته من ركوده الذي عاناه منذ شغور المنصب في 24 مايو/ أيار 2014، ليعود الملف إلى الركود طوال الأشهر السابقة، ثم هذه الأيام إلى الخروج من ركوده على يد سعد الحريري الذي كان متمسّكاً بترشيح قائد تيار المردة، سليمان فرنجية، والذي بدا أن حزب الله غير راضٍ عن ترشيحه، على الرغم من كل ما يجمعهما من اتفاق المواقف ووجهات النظر تجاه الوضع في لبنان وسورية. وجاءت خطوة الحريري بدافع تسوية هذا الملف، ومنعاً لانزلاق البلاد في أتون حربٍ أهلية، كما قال في خطابه منذ أيام. وهو كلام يُذِّكر بدوافع سمير جعجع، حين قال: "بتنا على قاب قوسين أو أدنى من الهاوية"، وذلك على هامش تزكيته عون.
يبقى أن هنالك ما يثير العجب في موقف حزب الله الذي لم يستطع فرض مرشحه على أقرب حلفائه، بري. كذلك عدم تكريس دعمه عون انتخاباً في مجلس النواب، أو حتى توافقاً على طاولة الحوار الوطني، فهل يعتبر سكوته عن معارضة بري علامة للرضى عنها من باب اختلاف وجهات النظر، أم هو علامة للرفض القطعي لترشيح الرجل؟ لذلك، يطرأ التساؤل عما إذا كان هو من أوحى إلى حليفه الأقرب إلى البوح بموقفه المعارض، فيخرج نبيه بري إلى العلن ليرفض ترشيح عون، ويزيد، من عندياته، التهديدَ بنشوب حربٍ أهلية، فيما لو وصل الأخير إلى الرئاسة.
ولكن، يؤخذ على عون، وربما هو يدفع حالياً فاتورة ذلك، عدم مضيِّه في مشروع دعم بناء
شهدنا العام الماضي هجوم أنصار نبيه بري على المعتصمين من رموز "طلعت ريحتكن"، وضربِهم وتكسير خيامهم. ورأينا ما سبق ذلك، دعوة بري نفسه إلى انعقاد طاولة الحوار، على وقع انطلاق الحركة، حيث هبَّ إلى الطاولة جميع المتخاصمين الذين رأوا في الحركة تهديداً لمناصبهم ومكاسبهم. فلن نتعجب اليوم من تهديد بري، بعد أن صرَّحت حركته بمعارضتها ترشيح عون، فالكل سعيد بشلل الدولة ومؤسساتها، كي تقوم مكانها دويلاتهم ومؤسساتها، ويأتي في هذه الحالة ترشيح عون، ربما ليكون بداية مشكلةٍ يدخل لبنان فيها، لا نهاية مشكلة يخرج منها.