شكّل الاتفاق النّووي الذي وقّع في الرابع عشر من تموز/أغسطس الماضي بين إيران ودول الـ 5+1 (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين + ألمانيا)، في فيينا حدث العام 2015 بدون منازع. خاصة مع اعتبار غالبية المحلّلين السّياسيين أنّه اتفاقٌ للعشر سنوات المقبلة على أقلّ تقدير.
صحيح أنّ الاتفاق تضمّن تخفيضاً تدريجيّاً لأنشطة إيران النّووية ومنشآتها، وصحيحٌ أيضاً أنّ إيران حافظت على حقها باستعمال الطاقة النّووية لأغراض سلميّة، ولكن بعيداً عن الشّق السّياسي وتشعّباته، ممّا لا شكّ فيه أنّ للاتّفاق تداعيات اقتصاديّة فوريّة وهامّة جداً، خاصة بعد الرفع المرتقب للعقوبات المفروضة على إيران. رفعٌ، بدأت تظهر تجلّياته في أكثر من مجال، لا سيّما في قطاع النّفط والغاز حيث تمتلك إيران قدرات ماديّة وبشريّة هائلة. فماذا إذا عادت إيران بقوّة إلى السّوق النّفطيّة العالمية؟ وماذا عن سعر برميل النفط في هذه الحالة؟
فور رفع العقوبات، يُتوقّع أن تضخّ إيران ما بين 400 ألف و600 ألف برميل إضافي يومياً إلى الأسواق العالميّة في غضون أشهر، على أن يرتفع الحجم إلى حوالي المليون برميل بعد فترة سنة أو 18 شهراً، ممّا يدعو إلى الترقّب والحذر خاصة في ظلّ الأسعار المنخفضة لبرميل البترول، والخوف من تدنّ إضافي نظراً للوفرة الزائدة مقابل الطلب.
لذا يتوقّع الخبراء أن تشكل الأشهر المقبلة مرحلة صعبة، إلى حدّ اعتبارهم سنة 2016 انتقالية في ما يخصّ الأسعار، على أن تبدأ السّوق العالمية بالتأقلم مع الارتفاع التدريجي في الطلب في أواخر 2016 و2017.
اتفاقيات ثنائية
وقد بدأت طهران منذ اليوم التالي للاتفاق النووي بإبرام الاتفاقيات والعقود وإعلان جهوزيّتها التّامة لتلبية احتياجات الأسواق بالغاز الطبيعيّ، كما تتوقع أن ترفع صادراتها من الغاز ثلاثة أضعاف ما تصدّره اليوم (من 80 إلى 300 مليون متر مكعب) وإعطاء الأولوية لتقنيّة تسييل الغاز الطبيعي وإرساله عبر الأنابيب. وإذا بدأنا من البلدان المجاورة، فإنّ إيران قد وقّعت اتفاقيّة في الحادي عشر من الشهر الحالي مع العراق لمدة 6 سنوات من أجل تصدير 25 مليون متر مكعب يومياً من الغاز الإيراني إلى البصرة، وهي الاتفاقيّة الثانية من نوعها، بعد أولى مماثلة في 2013 لتصدير 25 مليون متر مكعب يوميا ً إلى بغداد. ليكون إجمالي الصادرات الإيرانية إلى العراق حوالي 50 مليون متر مكعب يومياً، ويُتوقّع أن يرتفع هذا الرقم إلى 60 في المستقبل القريب بحسب مصادر الدّولتين. أمّا الحماسة الكبرى، فتتركز على الدّول الأوروبية، حيث تستفيد طهران من حاجة هذه الدول إلى تنويع مصادر طاقتها وعدم اعتمادها فقط على الغاز الروسي، لتطرح إقامة عدة مشاريع ضخمة تتعلق بالغاز السّائل أو بإقامة محطّات عائمة تؤمن نقل الغاز من البحر إلى الشاطئ، تسييله وتخزينه ومن ثمّ نقله عبر البحار. بداية هذا الشهر، أعلنت شركة توتال الفرنسيّة كما بلجيكا نيتهما التعاون مع طهران في مجال الغاز السائل. وتقول المصادر إن بلجيكا تبحث تقنياً واقتصادياً إمكانية إرسال سفنها المتخصصة بهذه التقنية إلى جزيرة "خرج" التي تبعد عن السواحل الإيرانية حوالي 25 كيلومتراً، قبالة مدينة بوشهر، ممّا يُمكّن إيران من إنتاج الغاز السائل (LNG) لأول مرّة على أراضيها، كما تبحث موضوع مدّ شبكة أنابيب بين البلدين. يذكر أن طهران تمتلك محطة LNG مُطوّرة حاليا ً بنسبة 50% وتصبح جاهزة للاستخدام في 2019 وهي تدرس بجدّية فكرة بناء حاملة للغار المسيّل لاستعمالها في مشاريع مستقبلية. إضافة إلى ذلك، تبرز الكثير من الأخبار عن أحاديث بين إيران والعديد من شركات البترول الأوروبية العالمية من أجل التعاون في العديد من المشاريع فور رفع العقوبات.
أما بالنسبة إلى الصين وروسيا، فلكلّ منهما حصة من الاهتمام الإيراني. منتصف الشّهر الحالي، أكّد مسؤولون في شركة البتروكيمياء الوطنيّة أنّ طهران عرضت ١٨ مشروعاً للتمويل من قبل الشركات الصينيّة، أربعة منها وضعت على نار حامية بالإضافة إلى ستة مشاريع كانت قد موّلت سابقاً بقيمة 2.5 مليار دولار. من جهة أخرى، زار إيران الشهر الماضي، وبعد شهرين من المفاوضات، وزير الطاقة الرّوسي ألكسندر نوفاك على رأس وفد ضم رئيسي روسنفت وغازبروم، الشركتين الأضخم في روسيا للنفط والغاز، وتمّ الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لإنجاز عملية تبادل الغاز بين الدولتين، الموصولتين أصلاً بأنابيب بطول ١٤٧٤,٥ كلم منذ العام 1971، بحيث ترسل روسيا الغار إلى مناطق إيران الشمالية، وتتلقى بدورها غازاً طبيعياً مسيّلاً.
في أول مقابلة له مع صحيفة أوروبية (كورييري ديلا سيرا) منذ انتخابه في 2013، قال الرئيس حسن روحاني في 12 نوفمبر/تشرين الثاني أن إيران ترسم استراتيجيتها لما بعد "يوم التنفيذ"، الذي يجب أن يتحقق قبل نهاية العام. فهل تكون سنة ٢٠١٦ سنة التغييرات الجذرية مع عودة إيران إلى السوق النفطية العالمية، لا سيّما في مجال الغاز الطبيعي المسيّل؟
(خبير في الهندسة النفطية)
اقرأ أيضاً:النفط وتخمة المعروض
صحيح أنّ الاتفاق تضمّن تخفيضاً تدريجيّاً لأنشطة إيران النّووية ومنشآتها، وصحيحٌ أيضاً أنّ إيران حافظت على حقها باستعمال الطاقة النّووية لأغراض سلميّة، ولكن بعيداً عن الشّق السّياسي وتشعّباته، ممّا لا شكّ فيه أنّ للاتّفاق تداعيات اقتصاديّة فوريّة وهامّة جداً، خاصة بعد الرفع المرتقب للعقوبات المفروضة على إيران. رفعٌ، بدأت تظهر تجلّياته في أكثر من مجال، لا سيّما في قطاع النّفط والغاز حيث تمتلك إيران قدرات ماديّة وبشريّة هائلة. فماذا إذا عادت إيران بقوّة إلى السّوق النّفطيّة العالمية؟ وماذا عن سعر برميل النفط في هذه الحالة؟
فور رفع العقوبات، يُتوقّع أن تضخّ إيران ما بين 400 ألف و600 ألف برميل إضافي يومياً إلى الأسواق العالميّة في غضون أشهر، على أن يرتفع الحجم إلى حوالي المليون برميل بعد فترة سنة أو 18 شهراً، ممّا يدعو إلى الترقّب والحذر خاصة في ظلّ الأسعار المنخفضة لبرميل البترول، والخوف من تدنّ إضافي نظراً للوفرة الزائدة مقابل الطلب.
لذا يتوقّع الخبراء أن تشكل الأشهر المقبلة مرحلة صعبة، إلى حدّ اعتبارهم سنة 2016 انتقالية في ما يخصّ الأسعار، على أن تبدأ السّوق العالمية بالتأقلم مع الارتفاع التدريجي في الطلب في أواخر 2016 و2017.
اتفاقيات ثنائية
وقد بدأت طهران منذ اليوم التالي للاتفاق النووي بإبرام الاتفاقيات والعقود وإعلان جهوزيّتها التّامة لتلبية احتياجات الأسواق بالغاز الطبيعيّ، كما تتوقع أن ترفع صادراتها من الغاز ثلاثة أضعاف ما تصدّره اليوم (من 80 إلى 300 مليون متر مكعب) وإعطاء الأولوية لتقنيّة تسييل الغاز الطبيعي وإرساله عبر الأنابيب. وإذا بدأنا من البلدان المجاورة، فإنّ إيران قد وقّعت اتفاقيّة في الحادي عشر من الشهر الحالي مع العراق لمدة 6 سنوات من أجل تصدير 25 مليون متر مكعب يومياً من الغاز الإيراني إلى البصرة، وهي الاتفاقيّة الثانية من نوعها، بعد أولى مماثلة في 2013 لتصدير 25 مليون متر مكعب يوميا ً إلى بغداد. ليكون إجمالي الصادرات الإيرانية إلى العراق حوالي 50 مليون متر مكعب يومياً، ويُتوقّع أن يرتفع هذا الرقم إلى 60 في المستقبل القريب بحسب مصادر الدّولتين. أمّا الحماسة الكبرى، فتتركز على الدّول الأوروبية، حيث تستفيد طهران من حاجة هذه الدول إلى تنويع مصادر طاقتها وعدم اعتمادها فقط على الغاز الروسي، لتطرح إقامة عدة مشاريع ضخمة تتعلق بالغاز السّائل أو بإقامة محطّات عائمة تؤمن نقل الغاز من البحر إلى الشاطئ، تسييله وتخزينه ومن ثمّ نقله عبر البحار. بداية هذا الشهر، أعلنت شركة توتال الفرنسيّة كما بلجيكا نيتهما التعاون مع طهران في مجال الغاز السائل. وتقول المصادر إن بلجيكا تبحث تقنياً واقتصادياً إمكانية إرسال سفنها المتخصصة بهذه التقنية إلى جزيرة "خرج" التي تبعد عن السواحل الإيرانية حوالي 25 كيلومتراً، قبالة مدينة بوشهر، ممّا يُمكّن إيران من إنتاج الغاز السائل (LNG) لأول مرّة على أراضيها، كما تبحث موضوع مدّ شبكة أنابيب بين البلدين. يذكر أن طهران تمتلك محطة LNG مُطوّرة حاليا ً بنسبة 50% وتصبح جاهزة للاستخدام في 2019 وهي تدرس بجدّية فكرة بناء حاملة للغار المسيّل لاستعمالها في مشاريع مستقبلية. إضافة إلى ذلك، تبرز الكثير من الأخبار عن أحاديث بين إيران والعديد من شركات البترول الأوروبية العالمية من أجل التعاون في العديد من المشاريع فور رفع العقوبات.
أما بالنسبة إلى الصين وروسيا، فلكلّ منهما حصة من الاهتمام الإيراني. منتصف الشّهر الحالي، أكّد مسؤولون في شركة البتروكيمياء الوطنيّة أنّ طهران عرضت ١٨ مشروعاً للتمويل من قبل الشركات الصينيّة، أربعة منها وضعت على نار حامية بالإضافة إلى ستة مشاريع كانت قد موّلت سابقاً بقيمة 2.5 مليار دولار. من جهة أخرى، زار إيران الشهر الماضي، وبعد شهرين من المفاوضات، وزير الطاقة الرّوسي ألكسندر نوفاك على رأس وفد ضم رئيسي روسنفت وغازبروم، الشركتين الأضخم في روسيا للنفط والغاز، وتمّ الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لإنجاز عملية تبادل الغاز بين الدولتين، الموصولتين أصلاً بأنابيب بطول ١٤٧٤,٥ كلم منذ العام 1971، بحيث ترسل روسيا الغار إلى مناطق إيران الشمالية، وتتلقى بدورها غازاً طبيعياً مسيّلاً.
في أول مقابلة له مع صحيفة أوروبية (كورييري ديلا سيرا) منذ انتخابه في 2013، قال الرئيس حسن روحاني في 12 نوفمبر/تشرين الثاني أن إيران ترسم استراتيجيتها لما بعد "يوم التنفيذ"، الذي يجب أن يتحقق قبل نهاية العام. فهل تكون سنة ٢٠١٦ سنة التغييرات الجذرية مع عودة إيران إلى السوق النفطية العالمية، لا سيّما في مجال الغاز الطبيعي المسيّل؟
(خبير في الهندسة النفطية)
اقرأ أيضاً:النفط وتخمة المعروض