يترقّب الداخل الإيراني نتائج كل جولة جديدة من المفاوضات النووية بين إيران والدول الست الكبرى، فهذا الملف حاسم ومصيري للبلاد، ومع انعقاد الجولة الثامنة في فيينا على مستوى ممثلين سياسيين عن المفاوضين وبحضور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وممثلة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون التي تمثل السداسية، ركّزت الصحف الإيرانية بكل اتجاهاتها على ما يجري وعلى التوقعات كما جرت العادة، ولكن التركيز الأكبر كان على التصريحات التي تنقل احتمال تمديد مهلة التفاوض والتي تنتهي بموجب اتفاق جنيف في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ولم تخرج معلومات أو تصريحات واضحة من فيينا، التي تستقبل المحادثات خلف أبواب مغلقة، ولا يدور الحديث في إيران إلا عن خلافات لا زالت عالقة على طاولة التفاوض، ففي الجانب الإيراني تقول السلطات إنها لا زالت تناقش آلية رفع العقوبات بشكل فوري وكامل، ومدة التوافق بحال توقيعه، وعلى الطرف الآخر يتم التركيز على عدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها البلاد فضلاً عن قضايا تتعلق بقلب مفاعل آراك الذي يعمل بالماء الثقيل والذي يتخوف منه الغرب ولاسيما أنه يُنتج البلوتونيوم الذي يساعد على إنتاج سلاح نووي بسهولة.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني أعرب أخيراً في حوار مع التلفزيون المحلي عن تفاؤله بالتوصل لاتفاق في الوقت المحدد، مشيراً إلى أن الخلاف على الطاولة ليس على قضايا كبرى أساسية وإنما يتعلق بتفاصيل صغيرة، ومعتبراً أن هذا يعني اعترافاً دولياً بنشاط إيران النووي.
من جهة ثانية، لا زالت الصحف كافة تتبادل وتؤكد على تصريحات رئيس الوفد المفاوض محمد جواد ظريف، والذي قال عقب اجتماعه الثنائي بآشتون يوم الثلاثاء إن الأطراف كافة تناقش القضايا الخلافية وهي قضايا هامة، إلا أن هذا لا يعني أن التوصل لاتفاق أمر مستحيل، لكن من المحتمل أن يتطلب هذا وقتاً أكثر للحوار، حسب قوله.
أضاف ظريف أن الاجتماع مع الدول الست يوم أمس الخميس سيناقش القضايا العالقة ولكن ليس من الضرورة التوصل لنتيجة واضحة ومحددة، سلبية كانت أم إيجابية، مشيراً إلى أن توقيع توافق يتطلب اتفاقاً على جميع النقاط.
وكان لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي التقى ظريف بحضور آشتون يوم الأربعاء وغادر قبل انعقاد الاجتماع الأساسي، تصريحات شبيهة، فاعتبر أنه ليس من المستحيل التوصل لاتفاق مع إيران، رافضاً التصريح حول ما إذا كان التمديد محتملاً أم لاً، في وقت توجد فيه على طاولة الحوار ملفات صعبة.
أما روسيا فاعتبرت وفق تصريح وزير خارجيتها سيرغي لافروف، أن موعد 24 نوفمبر/تشرين الثاني ليس مقدساً، فيما قال ممثل بلاده على طاولة المحادثات من فيينا سيرغي ريابكوف إن نتائج المحادثات أهم من تاريخها، معتبراً أنه لا يجب تحديد خط زمني للحوار في الوقت الذي يريد فيه الكل التوصل لحل. وأشار إلى أن عدم التوصل لاتفاق خلال المدة المحددة لا يجب أن ينسف كل الجهود المبذولة حتى اللحظة.
ورغم أن كل الأطراف تتحدث عن اتفاق على بعض القضايا واختلاف على قضايا حساسة أخرى، لم ينفِ أحد بشكل مطلق عدم القدرة على التوصل لاتفاق بعد سنوات طويلة من التفاوض حول برنامج كبّد إيران الكثير إثر العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
ولكن في هذه الحالة سيكون للداخل الإيراني الكلمة الفصل، إذ يترقب الإيرانيون الاتفاق كي يتنفسوا الصعداء بعد سنوات الحظر، أما رسمياً فالحكومة تتواجد الى جانب العديد من صناع القرار السياسي في إيران الذين ينتمون لتيارات سياسية مختلفة، وعلى رأسهم البرلمان أو مجلس الشورى الإسلامي والذي يشكّل المحافظون غالبية مقاعده، وفيه نواب متشددون يقفون بالمرصاد للرئيس المعتدل حسن روحاني ولسياساته.
هؤلاء يرفضون سياسة الديبلوماسية ويعتبرون أنها تُقدّم تنازلات للغرب، وقبل توافق جنيف الموقّع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تخوّف هؤلاء من موافقة الوفد المفاوض على حرمان إيران من تخصيب اليورانيوم، فلوّح بعضهم بطرح مشروع قرار في البرلمان يمنع أي قرار يتعلق بتحديد التخصيب في الداخل من دون موافقة البرلمان.
وفي حال ظهرت مؤشرات جديدة لتمديد المفاوضات، فإن مراقبين للساحة الإيرانية يتحدثون عن جدل جديد بين هذا الفريق المتشدد والحكومة، وبدأت الإشارات بالفعل مع تصريح لرئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، الذي قال أخيراً في حوار مع قناة "سي أن أن" التلفزيونية إن التوصل لاتفاق أمر ممكن، إلا أنه مشروط بنيّة الجميع الحقيقية بتوقيعه، مستبعداً التوصل لاتفاق في حال بقاء الأمر على حاله وإصرار بعض الأطراف على قضايا وصفها بالفرعية والصغيرة.
لكن لاريجاني قال إن للتمديد تبعات إيجابية وسلبية، مشيراً إلى أنه يجب مناقشة هذا الموضوع في الداخل الإيراني قبل اتخاذ أي قرار من هذا النوع.
ويبقى من مصلحة إيران بكل الأحول التوصل لاتفاق خلال هذه المرحلة، فهذا يعني نجاحاً على الصعيد الداخلي أولاً، وعلى الصعيد الإقليمي والدولي ثانياً، إذ ستتفرغ طهران لملفات أخرى في سياستها الخارجية.
إلا أن الظروف الحالية تجعل المحللين يستبعدون توقيع اتفاق خلال هذه الجولة، وفي انتظار انتهاء المدة المحددة الشهر المقبل، فإن التلويح بالتمديد ستكون له نتائجه الإيجابية كون هذا الأمر سيثبت أن سياسة الحوار التي اتبعتها حكومة روحاني مجدية، والدليل هو عدم تخلي الغرب عنها بالمطلق كما يُقال في الداخل الإيراني، لكن سيكون له تبعاته السلبية كذلك، في الوقت الذي يوجد فيه طيف متشدد يرفض منح التنازلات للغرب وينتقد فريق روحاني باستمرار.