تركمان العراق مهدّدون بثلاثة مشاريع

04 يونيو 2015
تركمان العراق مهددون بأمنهم القومي وانتمائهم الثقافي(مروان إبراهيم/فرانس برس)
+ الخط -
يتميّز العراق عن بقية دول المنطقة بتنوعه السكاني الديني والعرقي وحتى القبلي. استوطنته منذ القدم أعراق وطوائف وإثنيات، تكاثرت فيه وتعايشت بوئام وسلم عدّه علماء اجتماع عراقيون أنه مصدر قوة لبلاد الرافدين. غير أن الاحتلال الأميركي الأخير للبلاد بغرض الإطاحة بنظام صدام حسين البعثي، وتنفيذه مشاريع المحاصصة الطائفية والقومية في الحكم، وتسليم المعارضة، ومن ورائها إيران، إدارة شؤون البلاد، ولدّ تخندقاً قومياً وطائفياً يهدّد بتقسيم البلاد إلى دويلات.

ومن القوميات التي همشت وتضررت من نظام المحاصصة، قومية التركمان العراقيين الذين يتواجدون في العراق منذ قرون ويتوزعون في مدن ومناطق شمال البلاد، حيث يجدون أنفسهم مشتتين بين ثلاثة مشاريع سياسية دينية تدار بواسطة العنف وقوة السلاح، وهي مشروع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ومشروع الحلم الكردي بالانفصال كدولة مستقلة، وثالث يديره النظام ببغداد منذ سنوات، وهو التعامل مع التركمان على أساس طائفي يعتمد على تقريب الشيعة منهم وإقصاء السنة ودفعهم لمواجهة شراسة مع مختلف الأطراف، بما فيها مليشيا "الحشد الشعبي" التي نفذت مجازر في قراهم الواقعة شمالي العراق.

اقرأ أيضاً: المليشيات تغيّر ديمغرافية العراق وتهدد وحدته

يُعتبر العراقيون التركمان ثالث قومية بالعراق بعد العرب والأكراد، ويبلغ تعدادهم نحو 2.5 مليون نسمة، يتواجدون في نينوى وديالى وصلاح الدين وأجزاء بسيطة من محافظة واسط جنوب العراق. ويتخذون قرى ومدناً تكاد تكون شبه مغلقة عليهم منذ القرن الثاني عشر للميلاد، وفقاً لباحثين ومؤرخين عراقيين.

يتحدث هؤلاء بلغتهم الأم اللغة التركمانية، لكن بلهجة أتراك دياربكر وأورفا جنوب شرق تركيا. غالبيتهم من المسلمين السنّة. وبسبب مناطق تواجدهم بين المناطق العربية والكردية يجيد غالبيتهم ثلاث لغات؛ التركية، والعربية، والكردية، ويملكون مناهج التعليم الخاصة بهم والناطقة بلغتهم في مدارسهم وجامعاتهم. ويمارسون طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم المعروفة التي تميّزهم عن سكان المناطق المجاورة.

التركمان لفظ أطلقه البريطانيون عندما غزوا العراق مطلع القرن الماضي وقصدوا به "turk man" أي الرجل التركي. وهم معرفون ببعدهم عن الصراع الطائفي أو القومي في الحياة السياسية والاجتماعية العراقية. وتمكنوا من الحفاظ على وحدتهم طيلة الدورات الانتخابية البرلمانية، إذ دخلوا في قوائم موحدة، خلت شعاراتهم فيها من أي تحشيد لغير الوطن وحماية حقوق الأقليات. وخرج منهم الكثير من العلماء والمثقفين والشعراء الذين أثروا تاريخ العراق الحديث.

ثلاثة مشاريع متصارعة

لكن اليوم، يجد تركمان العراق أنفسهم في عين العاصفة، وقد تكون الأكثر قسوة عليهم منذ قرون طويلة، بسبب ما يصفه الباحث التركماني محمد عمر داوود بـ "المشاريع الثلاثة المتصارعة بالعراق".

ويضيف داوود لـ "العربي الجديد" أن "الأكراد يستولون على كركوك التي نملك فيها النصف تاريخياً، وابتلعوا قرى ومدناً أخرى، و"داعش" ابتلع تلعفر القريبة من تركيا التي تعد عاصمة الأتراك العراقيين، وشرد أهلها في الخيام ودمر معظم ما فيها من حضارة وتاريخ لنا. أما بغداد فتختزل التركمان ببضعة أشخاص فقط لأسباب طائفية كونهم يعتنقون المذهب الشيعي بينما المواطن البسيط يجد نفسه في حالة ضياع".

ويبين داوود أن "التركمان العراقيين بإمكانهم المغادرة الى تركيا، لكنهم قرروا ألا يفعلوا ذلك ويتركوا تاريخهم في العراق، بل على العكس من ذلك، فقد طلبوا دعم الحكومة التركية لتثبيت جذورهم والتحرك لمنع تحولهم إلى أضعف حلقات الصراع الذي لم يكونوا طرفاً فيه منذ البداية".

بدوره، يرى النائب في البرلمان العراقي عن محافظة كركوك حسن توران في حديث إلى "العربي الجديد" أن "التركمان هم جزء أساسي من الشعب العراقي، لكن عدم إشراكهم بالحكم، والتعدي على حقوقهم ليس في صالح أحد". ويطالب "بإشراك المكون التركماني في إدارة الملف الأمني للبلاد، وإسناد منصب سيادي عسكري للتركمان كاستحقاق قومي وسياسي، في إطار تحقيق التوازن بين المكونات الذي تم التوافق عليها قبل تشكيل الحكومة فضلاً عن إيقاف التجاوزات بحقهم".

أما الباحث والصحافي التركماني يحيى شمس الدين، فينقل وجهة نظر تركمانية، ويقول في حديث إلى "العربي الجديد" إن السبب الرئيسي في تهميش التركمان يعود إلى الخوف من زيادة نفوذهم ووجودهم القومي، نتيجة قدرتهم على البناء الفعلي للفرد فكرياً وثقافياً وتربوياً، مما يؤهلهم لتولي زمام الأمور في العديد من المحافل، ما يمهد الطريق لنشوء فكرة تركمانية جديدة لعودة الدولة العثمانية، وهذه أحد هواجس الإنكليز، على حدّ تعبيره.

ويتابع أن "هناك على مر التاريخ، ما يسمى بالصراع العربي الفارسي التركي، وتركمان العراق كانوا ضحية ذلك الصراع على الدوام. ومع نشوء الدولة العراقية الحديثة، أقرّ الإنكليز شراكة بين العرب والكُرد في استراتيجية بناء الدولة؛ لكنهم قاموا بتهميش التركمان عبر تكليف تلك المهمة للحكومات المتتابعة منذ العهد الملكي".

ويتابع الباحث أنه في عهد النظام السابق، تحمل التركمان أضرراً بالغة؛ فكان يُمنع على المواطن التركماني من أن يدرس لغته الأم، وهو الجندي الذي عسكر في كل أرجاء العراق وشارك في الحرب العراقية الإيرانية، واجتياح الكويت. وبعد 2003، تحمل التركمان تبعات قرارهم بعدم تأييد الحرب على العراق، فوضعتهم الولايات المتحدة خارج حساباتها.

ويشير الباحث العراقي إلى وجود هواجس عديدة اليوم لدى التركمان "تشكل كابوساً مرعباً يهدد أمنهم القومي وانتماءهم الثقافي"، ومنها إقامة "مدينة كركوك التركمانية"، وانضمامها إلى إقليم كردستان العراق. أما الهاجس الثاني فيرتبط في أن يقع التركمان ضحية الصراع الإيراني التركي وأجندتيهما، وهذا ما يثير مخاوف كبيرة لدى التركمان الذين ليس لديهم مليشيا أو تشكيل عسكري يحمي أراضيهم. ويخلص إلى أن التركمان "هم الطرف الوحيد الذي لم يركب مدرعات الاحتلال الأميركي للعراق، وهم مع وحدة العراق أرضاً وشعباً".

وبحسب مصادر أمنية عراقية ببغداد، فإن الأكراد وتنظيم "داعش" ابتلعا تسعة مناطق تركمانية وشردا أهلها منها في خيام، وتتركز تلك المناطق في نينوى وكركوك بشكل أكبر من غيرهما. 

وفي الإجمال، فإن تواجد القومية التركمانية بالعراق يتخذ خطاً جغرافياً مائلاً يبدأ من قضاء تلعفر شمال الموصل مروراً بالنواحي والقرى المحيطة به، ثم كركوك الموطن الرئيسي لهم ثم طوزخورماتو، وآمرلي، وقره تبه بصلاح الدين وصولاً الى مندلي وخانقين في ديالى شرق العراق، فضلاً عن تواجدهم في أربيل وبغداد. وقد نزح منهم جراء المعارك ما يقارب 250 إلى 350 ألف شخص غالبيتهم من نينوى وكركوك.

وتعتبر مدينة كركوك، والتي تبعد 240 كيلومتراً شمال العاصمة بغداد، والغنية بالنفط، من المدن التاريخية المهمة، المتنازع عليها بين مختلف المكونات القومية في العراق، ويقدر عمرها بأكثر من 5000 سنة، وقد شهدت معارك عديدة منذ القدم وعانت من الإمبراطوريات المتصارعة عليها، والتي تعاقبت على حكمها. وتعتبر "عراق صغير"، حيث يقطنها العرب والتركمان والكرد والسريان، إضافة الى الأديان الأخرى.

يرى إبراهيم تلعفري، أحد وجهاء القومية التركمانية بالعراق، أن السبب الرئيس لتردي العلاقة بين أنقرة وبغداد أيام نوري المالكي كان ملف تركمان العراق؛ "فالمالكي تعامل معنا بطائفية وعنصرية كبيرة، وهو ما أثار حفيظة أنقرة التي دعت الى تحريك سفيرها ببغداد حول هذا الملف أكثر من مرة، خصوصاً عقب حرمان حكومة المالكي المناطق التركمانية من أي مشاريع إعمار أو تنمية وإقصائهم من الوظائف العسكرية".

اقرأ أيضاً: تركيا تعدّ قوات "حشد وطني" تركمانية في العراق

ويضيف تلعفري في حديثه إلى "العربي الجديد" "نحن نخشى على تواجدنا، لكن لا نبالغ ونقول نخشى عليه من الانقراض فهو صعب حالياً، ولا يمكن لقوة مهما كانت اقتلاعنا من أرضنا، لكن نحن نخشى من تشتتنا وتحجيم مناطق وجودنا، وبالتالي تناقص أعدادنا كما صار مع الأخوة المسيحيين بالعراق بعد الاحتلال".

ويضيف أن "الحكومة التركية تقول لنا تعاملوا مع الواقع كعراقيين قبل كل شيء، لكنها لا تعلم إن كان العراقيون العرب أنفسهم يتعاملون مع الوضع كعراقيين، إذ باتت الهوية العراقية في الدرجة الثانية وغلبت عليها الهوية الطائفية، وكذلك الحال بالنسبة للأكراد وهذه مشكلتنا".

المساهمون