استأنفت السلطات التركية المعركة مع ما يُطلق عليه "الكيان الموازي"، أي حركة "الخدمة" بقيادة الداعية فتح الله غولان، مع بدء الأحزاب التركية الترويج لبرامجها الانتخابية في الانتخابات النيابية المقررة في يونيو/حزيران المقبل.
وفي هذا السياق، فتح المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين في تركيا، ملفاً للتحقيق في "المنظمة الإرهابية التي سعت لتكوين كيان موازٍ للدولة"، وستقوم الدائرة الثالثة التابعة للمجلس بالتحقيقات، وعند الانتهاء سترسل التقرير النهائي للدائرة الثانية التابعة للمجلس.
وستشمل التحقيقات كلاً من قضايا الفساد التي اتهم بها وزراء من الحكومة، بما يُعرف بقضيتي 17 و25 ديسمبر/كانون الأول، والقضية المعروفة بقضية ميناء أزمير، وأيضاً إيقاف شاحنات تابعة لجهاز الاستخبارات التركية التي أوقفتها قوات من الدرك، وفق تعليمات النيابة العامة في أضنة، على الطريق الواصل بين ولايتي أضنة وغازي عنتاب جنوبي البلاد، في يناير/كانون الثاني 2014، وسيتم التحقيق مع القضاة والمدعين الذين عملوا في هذا القضايا، بناء على الشكوى الجنائية المرفوعة ضدهم تحت عنوان "الانتماء إلى منظمة إرهابية".
وكان وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين كنان إيبك، قد أصدر بياناً بهذا الشأن، أكد فيه أن لـ"الكيان الموازي" جناحاً في الشرطة والقضاء سيتم العمل على كشفه والتحقيق معه ومعاقبته.
وكان الادعاء العام في قصر باكركوي العدلي في مدينة إسطنبول، تحضّر لتوجيه اتهام "بسوء استخدام الصلاحيات" للمدعي العام جلال كارا وزميله معمر عكاش، اللذين أدارا عمليات الفساد في 17 و25 ديسمبر ضد وزراء ومقربين من رئيس الحكومة التركية حينها، رجب طيب أردوغان عام 2013، طالبين لهما السجن لمدة ثلاث سنوات. كما شمل الادعاء أيضاً القاضي سليمان كاراجول بتهمة الإهمال الوظيفي، وطلب له السجن لمدة عامين، وذلك بعد الدعوى التي رفعها المتضررون من تلك القضايا ومنهم وزير الداخلية السابق معمر غولر وابنه بارش غولر.
اقرأ أيضاً: تركيا: الشرطة توقف 24 عسكرياً بتهمة الانتماء لجماعة غولن
وعلى مستوى جهاز الشرطة، فما إن تم تمرير الحزمة الأمنية في بداية الشهر الحالي، حتى بدأت حملة إحالة على التقاعد لأعداد كبيرة من ضباط الشرطة المتهمين بصلتهم بـ"الكيان الموازي" أو حركة "الخدمة"، إذ واصلت هيئة التقييم العليا مراجعة سجلات قيادات ضباط الشرطة من الدرجة الأولى، لليوم الثالث على التوالي والتي بدأت الاثنين الماضي، وتمت إحالة أكثر من 1150 ضابطاً إلى التقاعد من أصل 1725 ضابط شرطة درجة أولى، بينما المتوقع أن تتجاوز أعداد ضباط الشرطة المحالين للتقاعد أكثر من 3500 ضابط.
ومن بين المحالين للتقاعد، الضباط الذين شنوا الاعتقالات في قضيتي 17 و25 ديسمبر، كما تتحضّر السلطات التركية لإعادة تقييم سجلات الضباط درجة ثانية وثالثة ورابعة، ومن المتوقع أن يحال أكثر من 2500 ضابط من هذه الدرجات إلى التقاعد أيضاً، وذلك في الوقت الذي يتم فيه كل فترة اعتقال عدد من ضباط الشرطة في قضايا مختلفة، تتعلق بالصلة مع حركة "الخدمة" والتنصت غير المشروع.
أما في الجيش، فقد أوقفت السلطات التركية هذا الشهر 28 شخصاً من أصل 34 عسكرياً، في إطار التحقيق بالمخالفات التي ارتكبها عناصر "الكيان الموازي"، حول ملف "منظمة جيش القدس الإرهابية"، المعروفة لدى الشارع التركي، بقضية تنظيم "السلام والتوحيد"، التي اتخذها، بحسب الادعاء، أتباع "الكيان الموازي" ذريعة للتنصت على كبار مسؤولي الدولة وعدد كبير من المواطنين.
وامتدت المعركة مع حركة "الخدمة" أخيراً لتشمل وظائف الخدمة المدنية الحكومية التركية، إذ أوقفت الشرطة، في وقت سابق، الرئيس السابق لمؤسسة "توبيتاك" للأبحاث العلمية والتكنولوجية التركية يوجل ألتون باشاك، الذي استقال من منصبه أخيراً، واثنين آخرين، بتهمة سوء استخدام الوظيفة، في إطار التحقيقات المتعلقة بتغلغل "الكيان الموازي" في المؤسسة، وتورّط أتباعه في التنصت على الهواتف المؤمنة (المشفرة) التي يستخدمها كبار مسؤولي الدولة.
وكان نائب رئيس المؤسسة السابق حسن بالاز، اعتُقل في وقت سابق، في إطار التحقيقات بادعاءات حول توظيف موظفين بشهادات مزورة في المؤسسة، التي تعد من أهم المراكز العلمية في البلاد.
يأتي ذلك بعد أيام من إحالة النيابة العامة في أنقرة لأونال ياريم أغان، الرئيس السابق لمركز اختبار وتوزيع الطلاب التابع لمجلس التعليم العالي التركي، إلى المحكمة طالبة اعتقاله، بتهم "إساءة استخدام المنصب، وتزوير موظف حكومي لأوراق رسمية، ومساعدة منظمة أنشئت بهدف ارتكاب الجريمة، عن سابق إصرار".
ويؤكد الادعاء أن المتهمين في هذه القضية، سرّبوا أسئلة الامتحانات من خلال إعطائها لأشخاص يُعتقد بانتمائهم لـ"الكيان الموازي"، وأقاربهم لقاء مبالغ مالية، وكان البعض ممن حصلوا على علامات عالية في الامتحان يعملون لدى شركات تابعة لـ"الكيان الموازي"، انتقلوا بعدها للعمل في المؤسسات العامة.
يُذكر أن الشرطة التركية بدأت، في بداية الشهر الحالي، التحقيق بشكل موسّع في كافة الامتحانات المخوّلة لدخول المدارس العسكرية والشرطية، وغيرها من الامتحانات التي تتيح الالتحاق بالوظائف العامة في بعض مؤسسات الدولة، لا سيما امتحانات وزارة العدل، للدورات ما بين 2010 و2015، على خلفية شبهات في هذا الإطار، واتهامات لـ "الكيان الموازي" بتسريب أسئلة امتحان اختيار موظفين حكوميين لعام 2010.
اقرأ أيضاً: تركيا: هل اخترقت "الخدمة" صفوف حزب أتاتورك؟