تشكل الانتخابات الرئاسية التركية، المقرر إجراؤها في العاشر من أغسطس/ آب المقبل، نقلة في مسار الحياة السياسية الناظمة للبلاد، إذ ستقود إلى تغيير كبير في دور الرئيس التركي وسلطاته، عقب سنوات من اعتبار منصب الرئاسة فخرياً، لا يتمتع صاحبه سوى بصلاحيات محدودة.
وللمرة الأولى، ستخطو تركيا خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، باتجاه الاقتراع الشعبي، وستترافق الانتخابات مع تغيير كبير على مستوى الرؤية لدور الرئيس، ليغدو منصب الرئاسة ذا فاعلية في إدارة الجمهورية، في خطوة اعتبرها كثيرون بداية التحوّل نحو النظام الرئاسي.
وكان رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، قد أكد، في خطاب له أمام كتلة حزب "العدالة والتنمية" النيابية، أنه "لن يكون، من الآن فصاعداً، منصب رئاسة الجمهورية بروتوكولياً. في الماضي كانت الحكومة تقدم على أنها ممثلة للشعب، فيما تقدم رئاسة الجمهورية على أنها ممثل للدولة. سنلغي المسافة بين الدولة والشعب، وستقوم الحكومة المنتخبة، مع الرئيس المنتخب، بإدارة البلاد".
وفي الوقت الذي يشير فيه معظم المراقبين إلى أن أردوغان سيكون مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية، تؤكد معظم استطلاعات الرأي أن أردوغان سيفوز بالمنصب في حال ترشحه، ليكون أول رئيس تركي ينتخب بالاقتراع الشعبي المباشر، الأمر الذي سيمنحه خمسة أعوام أخرى في السلطة، قابلة للتمديد في انتخابات 2019. لكن السؤال الذي لا يزال مطروحاً: ماذا سيحل بمنصب رئاسة الوزراء، والذي يملك السلطات الأوسع، وفقاً للدستور الحالي؟
والى أن يُعرف الجواب، يؤكد محللون أنه "في حال نجاح أردوغان رئاسياً، سيقوم بتكليف أحد الأوفياء التابعين له بتشكيل حكومة مؤقتة".
وأشار مسح أجراه أخيراً مركز "البحوث الاجتماعية والاستراتيجية"، إلى أن "13.4 في المئة من الأتراك يفضّلون أن يقوم رئيس الجمهورية الحالي، عبد الله غول، بقيادة حزب العدالة والتنمية، وتولي منصب رئيس الوزراء، في حين فضّل 12 في المئة نائب رئيس الوزراء، بولنت أرينج، لتولي المنصب".
ويأتي بعد ذلك في الترتيب نائب رئيس حزب "العدالة"، نعمان كورتولموش، ومن ثم وزير الخارجية، أحمد داوود أوغلو، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، علي باباجان، بنسب أقل.
ووفقاً لبعض المراقبين، من المستبعد دخول تركيا في السيناريو الروسي، المتمثل بتناوب فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيدف على منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
ولفت مراقبون الى أن "عودة غول إلى منصب رئيس الوزراء أمر مستبعد، إذ إن الأخير ليس أحد أعضاء الحزب العاديين بل أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، ورفيق درب أردوغان، والوحيد القادر على مناقشته والاعتراض عليه".
ومن جانب آخر، ستكون معارضة غول لأردوغان في حال عودته لرئاسة الوزراء، أقرب للانتحار السياسي، بسبب شعبية أردوغان الثابتة والقوية.
أما أرينج، فقد أعلن في مقابلة أجريت معه بداية الشهر الحالي، أن "السنة المقبلة (العام 2015)، ستكون نقطة النهاية في مشواره السياسي"، فلا يبقى من المرشحين إلا داوود أوغلو وكورتولموش، الذي انضم لـ"العدالة والتنمية" العام 2012، وكان آخر المنشقين عن حزب "السعادة"، وريث حزب "الرفاه"، بقيادة رئيس الوزراء السابق، نجم الدين أربكان.
وحسب المحلليين، سيعني تكليف أردوغان لأحد هذه الشخصيات بتشكيل الحكومة، في ظل المعارضة الشديدة من قبل أحزاب المعارضة لتغيير نظام الحكم نحو النظام الرئاسي، توجه تركيا نحو نظام رئاسي بحكم الأمر الواقع، إذ سيكون أردوغان صاحب السلطة الحقيقية رغم أنف المعارضة. ومن المقرر أن يعلن "العدالة والتنمية" عن مرشحه رسمياً في الأول من تموز/ يوليو.
ويحتاج حزب "العدالة والتنمية"، إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي، خوفاً من أن يلقى الحزب الإسلامي الجذور، من دون أردوغان، المصير الذي واجهه حزبا "الوطن الأم"، بعد خروج تورغوت أوزال منه الى رئاسة الجمهورية، و"الطريق المستقيم"، بخروج سليمان ديميريل، إلى الرئاسة أيضاً، فقد انتهى الحزبان بعد سنوات قليلة من الحياة السياسية التركية.
ويأتي القرار، الذي اتخذته اللجنة المركزية لـ"العدالة والتنمية" بعدم تغيير النظام الداخلي للحزب، وبالتالي منع أي مسؤول من البقاء في موقعه لثلاث ولايات، سواء في الوزارة أو النيابة أو غيرهما من المسؤوليات العامة، ليعني عملياً بأن معظم قيادات الحزب، بما فيها نواب رئيس الوزراء، سيضطرون للابتعاد عن الشأن العام في العام 2015، أي موعد الانتخابات النيابية، وهو ما يعني تقدم وجوه جديدة لقيادة الحزب.
يُذكر أن الانتخابات الرئاسية التركية، هي الأولى من نوعها في البلاد، وسيُنصّبُ رئيساً مَن يحصل على أكثر من 50 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى، التي ستقام في العاشر من أغسطس/ آب المقبل.
وفي حال لم يحصل أحد على هذه النسبة، سيجري تنظيم جولة إعادة بين المرشحَين اللذين حصلا على النسبة الأعلى من الأصوات، لينصّب المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات في جولة الإعادة رئيساً للجمهورية لولاية مدتها خمس سنوات.