وفي هذا السياق، دافع رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، عن القرارات التي أصدرها القضاء التركي بإلقاء القبض على 12 نائباً عن حزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، في الوقت الذي أبدى فيه الأخير وحزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة) اعتراضاً شديداً على الأمر، بينما عبّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه من هذه الإجراءات.
وخلال ردّه على أسئلة الصحافيين، في مدينة إسطنبول، شدّد يلدريم على أن الإجراءات التي تم اتخاذها تأتي ضمن إطار سيادة القانون، قائلاً "إن تركيا دولة قانون، ولا يمكن لأحد أن يكون فوق القانون، إن جميع مواطنينا متساوون أمامه، والإجراءات التي تم اتخاذها كانت في إطار القانون".
وأضاف "لقد تم توجيه نداء لـ154 نائباً في البرلمان التركي من قبل المحكمة لتقديم الإفادة، من أولئك الذين تم رفع الحصانة عنهم في وقت سابق، وباستثناء نواب الشعوب الديمقراطي؛ فقد ذهب الجميع للإدلاء بإفادته. وما زالت العملية القضائية مستمرة بحقهم، ولم يذهب من نواب الشعوب الديمقراطي إلا نائب واحد، ورفض 45 نائباً عن الحزب ذلك، وبالتالي فهم لم يقروا بسيادة القانون، ولأنهم لم يستجيبوا لنداء المحكمة تم اتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم".
وفي رده على الانتقادات المبطنة التي وجّهها زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، والتي أكد خلالها أن من "يأتي بالانتخابات لا يمكن إزاحته إلا بالانتخابات"، في إشارة إلى نواب "الشعوب الديمقراطي"، قال يلدريم "إن من جاء بالانتخابات، ويعمل من الداخل مع التنظيمات الإرهابية، لابد من محاسبته، ولابد من عدم خلط الأمور ببعضها، فإن كان المقصود هو الإجراءات التي اتخذتها النيابة العامة، اليوم؛ فإن كلجدار أوغلو يخلط أمرين منفصلين. لا يمكن أن نخلط بين سياسة الإرهاب والإرادة القومية".
وخلال زيارته إحدى المحاكم في العاصمة التركية أنقرة، اليوم الجمعة، أكد الوزير التركي، أنّ الإجراءات التي اتّخذت، تمّت في إطار القانون، داعياً الجميع إلى احترام هذه القرارات.
وقال "إن تركيا دولة حقوق وديمقراطية، يتم استخدام الصلاحيات القضائية باسم الأمة بشكل مستقل تماماً، وبحسب الدستور؛ فإن قضاتنا مستقلون تماماً خلال أداء مهامهم"، مشيراً إلى أنّ "النواب الذين تم إلقاء القبض عليهم، لم يتعاونوا مع القضاء، ولم يعترفوا بالحقوق، ولم يظهروا الاحترام لها. وفي مثل هذه الحالات، فإن القانون يوضح بشكل جلي الطريقة التي يجب فيها تطبيق القانون. إن ما حصل هو فعل قضائي بشكل كامل".
في المقابل، اعتبر حزب "الشعوب الديمقراطي" توقيف رئيسيه ونوابه إيذاناً بـ"نهاية الديموقراطية" في تركيا، فيما دان المتحدث باسم الحزب، أيهان بيلغن، القرارات بإلقاء القبض على نواب حزبه، داعياً الجميع إلى التضامن مع الحزب.
واعتبر الإجراءات التي تم اتخاذها "محاولة من قبل الحكومة لتصفية الحزب"، وذلك بعد أن منعت قوات الشرطة التركية، الصحافيين من دخول مقر الحزب في العاصمة التركية أنقرة.
وقال بيلغن "لم يكن نوابنا الذين تم إلقاء القبض عليهم يدعون إلى الفرار من القضاء، ولكننا لم نقم بالتوجه إلى القضاء للإدلاء بإفادتنا، لأننا أردنا أن يرى العالم الظروف الانقلابية التي تعيشها البلاد". ورأى أنّ "البلاد ستتجاوز الأجواء الانقلابية التي تعيشها، كما تجاوزتها في الماضي. في السابق تم القيام بالعديد من التدخلات لقطع الطريق أمام الحياة السياسية، وكما تجاوزنا الأمر في الماضي؛ سنتجاوزه الآن، ولكن ذلك سيبقى بقعة سوداء في تاريخ السياسة التركية".
وكان كمال كلجدار أوغلو، قد انتقد بشدة تلك الإجراءات القضائية، وقال خلال كلمة ألقاها في مدينة إزمير، صباح اليوم، إن "السيادة ليست ملك القصر الرئاسي، وليست ملك السلطان، بل إنها ملك الأمة، إنهم يودّون نقل السيادة إلى القصر الرئاسي..".
وتابع "إن كنتم تقولون بأنكم ستحبسون وتقتلون أولئك الذين وصلوا بالانتخابات؛ فإنكم لن تتمكنوا قط من تحقيق الاستقرار في البلاد"، مشدداً في الوقت نفسه على أنّه "لا بدّ من مكافحة الإرهاب؛ ولكن يجب أن يتم الأمر بالعقل والمنطق".
وانتقد كلجدار أوغلو السياسات الحكومية، داعياً إياها إلى قتال الكردستاني في مقره في جبال قنديل، قبل الحديث عن التدخل في كل من سورية والعراق، واصفاً "الذين يديرون تركيا" بأنّهم "ليسوا جزءاً من المجتمع المتحضر، ويودون أن يجعلونا دولة من الشرق الأوسط".
وبينما وصف النائب عن حزب "الشعب الجمهوري"، علي شكر، الإجراءات بأنها "ضربة جديدة لتركيا"؛ شبّه نائب رئيس الحزب، سزكين تانركولو، ما حدث بأنه "أكبر من انقلاب"، واعتبر الأمر أنّه "ليس فقط انقلاباً؛ بل عمل لتقسيم تركيا، إن البرلمان التركي يُقصف الآن مجدداً"، في إشارة إلى قيام الانقلابيين بقصف البرلمان التركي خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يولو/ تموز الماضي.
في غضون ذلك، عبّرت ممثلة السياسات الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، فدريكا موغريني، عن قلقها من التطورات الأخيرة في تركيا، بتصريحات لها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، داعيةً سفراء الاتحاد الأوروبي في العاصمة التركية أنقرة للاجتماع.
بدورها، استدعت وزارة الخارجية الألمانية القائم بالأعمال التركي. وذكرت الخارجية الألمانية أن وزير الخارجية، فرانك-فالتر شتاينماير، استدعى الدبلوماسي إلى الوزارة نظراً "للتطورات الأخيرة في تركيا"، موضحةً أن اللقاء سيجري اليوم.
وأشارت الوزارة إلى أنه "لا أحد يشكك في حق تركيا في الرد، في إطار احترام دولة القانون، على تهديد الإرهاب والمحاولة الانقلابية الدامية"، مؤكدةً في الوقت نفسه، أن "هذه التهديدات يجب ألا تستخدم ذريعة لكم أفواه المعارضة أو زجها في السجن". وفق ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
وكانت الشرطة التركية، قد ألقت فجر اليوم، القبض على 12 نائباً عن "الشعوب الديمقراطي"، بمن فيهم رئيساه المشتركان، صلاح الدين دميرتاش، وفيغان يوكسداغ، لعدم استجابتهم للدعوات التي تم توجيهها لهم من قبل القضاء للإدلاء بإفادتهم في القضايا الموجهة ضدهم، وذلك بعد قيام البرلمان، في وقت سابق، برفع الحصانة عن جميع النواب الأتراك، المقدمة بحقهم طلبات برفع الحصانة.