تتصاعد نبرة التصريحات الدولية بشأن الاستغناء عن الدولار الأميركي أو الحد من سطوته، في ظل الضغوط والعقوبات الاقتصادية التي باتت واشنطن، تفرط في استخدمها خلال السنوات الأخيرة، ما يضع الكثير من الدول بما فيها حلفاء لأميركا في مأزق كبير.
وجدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دعوته إلى اعتماد العملات المحلية في المعاملات التجارية، مساء الإثنين الماضي، خلال لقاء مع رجال أعمال روس وأتراك في العاصمة الروسية موسكو، عقب اجتماع مجلس التعاون رفيع المستوى بين البلدين برئاسة أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتزامنت دعوة أردوغان، مع اقتراح المسؤول الأممي السابق، جوزيه أنطونيو أوكامبو، الذي شغل منصب مساعد الأمين العام للشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، تحويل عملة صندوق النقد الدولي، "وحدة حقوق السحب الخاصة ـ إس دي آر" إلى عملة نقد حقيقية عالمية يتم تداولها إلى جانب العملات الأخرى.
وقال الرئيس التركي إن بإمكان تركيا وروسيا حماية نفسيهما من إملاءات الدول الأخرى عن طريق اعتماد العملات المحلية في المعاملات التجارية بينهما، وهو ما اعتبره محللون أتراك، بداية للخروج من هيمنة الدولار على النظام النقدي العالمي، واستخدامه كأداة سياسية، لضرب اقتصادات الدول التي تختلف سياسياً مع واشنطن.
وتسببت العقوبات الأميركية العام الماضي، في تهاوي الليرة التركية بنحو 40 في المائة، كما تعرضت للضغوط في مارس/آذار الماضي، بسبب تصميم أنقرة على استيراد منظومة "إس 400" للدفاع الصاروخي من روسيا وتلويح أميركا بإجراءات مضادة.
وقال سمير صالحة الخبير الاقتصادي التركي لـ"العربي الجديد" إن نبرة التخلي عن الدولي تصاعدت في تركيا بشكل واسع بالآونة الأخيرة، خاصة في ما يتعلق بالمعاملات التجارية مع إيران وروسيا.
وأضاف صالحة: "يعود سبب توجه تركيا لهذا الحل، بعد تأزم العلاقات مع واشنطن والاستهداف المباشر للعملة التركية من خلال التأثير على أسعار الصرف، لكن هذه الخطوة ليست سهلة لسيطرة الدولار على التعاملات التجارية العالمية وامتلاكه 61.7 بالمائة من حجم الاحتياطات النقدية في المصارف المركزية العالمية".
وتابع أن التعامل بالعملات المحلية يحتاج إلى تحضيرات دقيقة ومفصلة بشأن إنجازها لأن النظام التجاري التركي بنيّ أساساً خلال العقود الأخيرة، على أساس دولاري.
ولم يستبعد صالحة أن يكون للولايات المتحدة ردود فعل قوية إن طبقت تركيا هذه الخطوة واستغنت عن الدولار بتجارتها مع شركائها الرئيسين، إيران وروسيا، أو حتى توسعت بالدعوة لتصل إلى التعاملات مع الاتحاد الأوروبي.
وكانت تركيا قد بدأت بشكل محدود، التعامل بالعملة المحلية مع روسيا منذ عام 2015، وقبل ذاك، بالتعامل التجاري مع إيران، خلال العقوبات الأميركية والأوروبية على طهران، بل طرح الرئيس التركي العام الماضي، أن يكون التعامل التجاري مع بعض الدول الأوروبية، بالعملات المحلية.
وأنجزت تركيا في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 اتفاقا لمبادلة العملة مع الصين بقيمة 450 مليون ليرة تركية، مع توجه أنقرة إلى اعتماد العملات المحلية في جانب من تعاملاتها الخارجية مع شركائها لمواجهة ارتفاع الدولار أمام الليرة، الذي تعدى خلال الأسبوعين الأخيرين، حاجز5.7 ليرات للدولار الواحد.
وتتنامى فكرة الاستغناء عن الدولار خلال التبادلات التجارية بين الدول، لاسيما في ظل الحرب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة ضد الصين وأوروبا والعديد من البلدان في أميركا الجنوبية.
وقال فراس شعبو، أستاذ الاقتصاد في أكاديمية باشاك شهير في إسطنبول، إن الاستغناء عن الدولار بالتعاملات التجارية البينية وإحلال العملات الوطنية، ليس صعباً، لكنه في الوقت نفسه، ليس من السهولة أن يتم تطبيقه من خلال دعوة، إذ ستطاول آثاره بعض الانعكاسات السلبية على الاحتياطات النقدية في المصارف المركزية وعلى الميزان التجاري، خاصة إذا ما كانت الدول التي تدعو للتخلص من هيمنة الدولار، تعاني من أزمات اقتصادية ونسب تضخم مرتفعة.
وأضاف شعبو لـ"العربي الجديد": "لو اتفقت الدول، وهي كتلة اقتصادية عالمية كبرى، واعتمدت سلة عملات مؤلفة من عملاتها المحلية، فإن ذلك سيحد ولا شك من هيمنة الدولار".