انتهت يوم الإثنين الماضي، آخر الجلسات الحوارية بين وفدي كل من حزبي "العدالة والتنمية" الحاكم و"الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة)، وذلك في سبيل تشكيل الائتلاف الحكومي.
اقرأ أيضاً: مفاوضات تشكيل الحكومة التركية: "العدالة والتنمية" يعمل على جبهتين
وعلى الرغم من أجواء التفاؤل التي سادت المفاوضات، فقد عادت تصريحات مسؤولي "العدالة والتنمية" لتشير إلى أنّ التحالف مع حزب "الحركة القومية" (يميني متطرف) لا يزال خياراً وارداً، في حال فشلت محاولات تشكيل الائتلاف الحكومي مع "الشعب الجمهوري".
ومن المفترض أن يقوم وفدا الحزبين بتقديم تقريرهما النهائي عن المفاوضات لكل من رئيس الحكومة المكلف، ورئيس "العدالة والتنمية" أحمد داود أوغلو، ورئيس "الشعب الجمهوري"، كمال كلجدار أوغلو، ليعقد في وقت لاحق اجتماعاً يجمع القائدين، في محاولة لحل الأمور العالقة والبت بشكل نهائي في إمكانية عقد "الائتلاف الكبير"، كما يطلق عليه الإعلام التركي.
وجاءت التصريحات الإيجابية أولاً من زعيم حزب "الحركة القومية" دولت بهجلي، فيما يخص إمكانية التحالف مع "العدالة والتنمية"، وذلك بعد النكسة التي تعرّضت لها عملية السلام مع أنقرة، وما تلاها من إشارات عديدة إلى ضرورة تغيير مقاربة عملية السلام من قبل المسؤولين الحكوميين، الأمر الذي كان بالنسبة إلى الحركة القومية أهم الشروط التي لا يمكن التنازل عنها، قبل الدخول في أي مفاوضات.
وفي وقت أكّد فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال عودته من جولة في شرق آسيا، الأسبوع الماضي، أنّ الرهان على أي ائتلاف حكومي لا يجلب المنافع للبلاد هو خاسر، وأكد كلجدار أوغلو، في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، أن" داود أوغلو مخلص في رغبته بتكوين ائتلاف مع الشعب الجمهوري"، مشيراً إلى "أنه لا يظن أن أردوغان يسمح لائتلاف كهذا بالحصول".
من جهته، أكد نائب رئيس الوزراء التركي، بولنت أرينج، أنّ خيار التفاهم مع حزب "الشعب الجمهوري" ليس آخر الخيارات أمام "العدالة والتنمية" الحاكم، في ظل جهوده لتشكيل الحكومة الائتلافية، بل إنّ خيار التحالف مع "الحركة القومية" لا يزال أمراً وارداً، وذلك في ظل التقارب الشديد بين الطرفين أخيراً بعد إعلان الحرب على حزب "العمال الكردستاني".
وأشار أرينج، في المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه الإثنين الماضي، إلى أنه في حال استنفد "العدالة والتنمية" فرص تشكيل الائتلاف مع "الشعب الجمهوري"، سيوجه "مساره فوراً باتجاه حزب (الحركة القومية)"، مؤكداً أن "بهجلي زعيم "الحركة القومية"، لن يترك البلاد في وضع صعب".
وبخصوص عملية السلام مع "العمال الكردستاني"، والتي تعارضها "الحركة القومية" جملة وتفصيلاً، ويضع وقفَها شرطاً لبدء أي مفاوضات ائتلافية، أكّد أرينج أن الحرب التي اندلعت أخيراً بين أنقرة و"الكردستاني" وما تلاها من تقارب بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" يعتبران من أهم الأسباب لإعادة الاعتبار لخيار التحالف مع "الحركة القومية"، مستبعداً خيار الوقف الكامل للعملية، لكن مبدياً مرونة في جميع التفاصيل.
وشدّد على ضرورة تغيير اسم العملية لأنّه تم استثمارها من قبل حزب "الشعوب الديمقراطي" و"العمال الكردستاني" بشكل سيئ، قائلاً إنه "لا بد من أن تكون "عملية الحل"، على الطاولة في أي مفاوضات تقام مع أي حزب كان، لكننا مجبورون على التحاور في تفاصيل العملية من اسمها إلى إدارتها إلى المسؤولين عنها من جديد". قبل أن يضيف "وإن كان بعضهم يرى اسم (عملية الحل) اسماً مزعجاً نستطيع تغييره لأنه لا يمكن الاستمرار باستخدام شيء تم استغلاله بشكل سيئ، كما حصل مع عملية الحل التي استغلت من قبل الشعوب الديمقراطي و(العمال الكردستاني)". ولدى "الحركة القومية" اعتراضات كبيرة على "عملية الحل" مع "الكردستاني"، تبدأ من اسم العملية ولا تتوقف عند طريقة إدارتها، والتي كانت تتم، في وقت سابق، عبر التحاور المباشر مع زعيم "الكردستاني" في سجنه في إمرالي أو التحاور مع مقرات "الكردستاني" في جبال قنديل بوساطة حزب "الشعوب الديمقراطي" (ذي الغالبية الكردية).
سيناريوهات ممكنة
إنّ حديث أرينج عن بهجلي باعتباره "الرجل الذي لن يترك البلاد في وضع صعب"، فتح الحديث حول اثنين من السيناريوهات الممكنة؛ الأول تكوين "ائتلاف حربي" بين "الحركة قومية" و"العدالة والتنمية"، لكن ستكون له أثمان باهظة على عملية السلام والمعركة المفتوحة الآن مع "الكردستاني".
أما السيناريو الثاني، فهو تشكيل حكومة أقلية من "العدالة والتنمية" مدعومة من "الحركة القومية"؛ إذ إنّ فشل المفاوضات مع "الشعب الجمهوري"، وعدم القدرة على التوافق مع "الحركة القومية"، سيدفع داود أوغلو نحو خيار حكومة الأقلية مرة أخرى، أي أن "العدالة والتنمية" سيقدم حكومته للتصويت على الثقة في البرلمان. عندها يرجح أن يرفضها كل من حزبي "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"، وإن التزم بهجلي بتصريحاته السابقة التي أكد فيها أنه لن يقبل بأن يكون مع "الشعوب الديمقراطي" في أي صف أو تحالف، كما فعل برفضه لاقتراح "الشعب الجمهوري"، المؤيَّد من "الشعوب الديمقراطي"، بإنشاء لجنة برلمانية للتحقيق في حادثة التفجير الانتحاري الذي ضرب بلدة سروج الشهر الماضي. وعندها سيكون خيار "الحركة القومية": إما تأييد الحكومة أو الامتناع عن التصويت. وفي كلتا الحالتين ينجح داود أوغلو في تمرير حكومته وإبقاء معادلات السلطة الحالية إلى حين الانتخابات المبكرة التي يشير معظم المراقبين إلى أنها لن تكون قبل نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.