بدأت، أمس الخميس، أولى جلسات اللجنة الدستورية البرلمانية، لمناقشة التعديلات الدستورية المثيرة للجدل والتي تقدمت بها الحكومة التركية لرفع الحصانة عن النواب الأتراك، وذلك وسط مشادات شديدة شهدتها الجلسة بين نواب حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وحزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني).
وبدأت المشادات بعد كلمة النائب عن "الشعوب الديمقراطي" فرحات إنجو، الذي اتهم قوات الأمن التركية بقتل المدنيين في جنوب شرقي البلاد، خلال العمليات التي قامت بها ضد حزب "العمال الكردستاني"، ما أثار ردود فعل من قبل نواب "العدالة والتنمية"، تحوّلت إلى عراك بالأيدي، حال دون تفاقمه، تدخّل نواب حزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة)، ونواب حزب "الحركة القومية" (يميني متطرف).
وعُقدت اللجنة البرلمانية الدستورية بقيادة النائب عن "العدالة والتنمية"، مصطفى شنتوب، الذي قرر منح الكلمة لجميع النواب الراغبين بالحديث، في محاولة لتخفيف التوتر، قبل أن يتم تحويل التعديلات المقترحة، الأسبوع المقبل، إلى الجمعية العامة في البرلمان للنقاش.
وأثارت الاقتراحات جدلاً كبيراً في صفوف جميع الأحزاب التركية، بما في ذلك حزب "العدالة والتنمية"، إذ إن نواب "الشعوب الديمقراطي" لن يكونوا وحدهم المستهدفين، لأن طلبات رفع الحصانة طاولت في الفترة الماضية نوابا من مختلف الأحزاب التركية. ويوجد حالياً طلبات رفع حصانة بحقّ 27 نائباً من "العدالة والتنمية"، و51 من "الشعب الجمهوري"، بمن فيهم زعيم الحزب كمال كلجدار أوغلو، و50 من "الشعوب الديمقراطي"، بمن فيهم رئيساه المشاركان صلاح الدين دميرتاش وفيان يوكسداغ وعدد من القيادات المعروفة، و7 من "الحركة القومية"، منهم زعيم الحزب دولت بهجلي.
وبينما أعلن كل من كلجدار أوغلو وبهجلي تأييدهم الطلبات، اعترض صلاح الدين دميرتاش على التعديلات، على الرغم من أن "الشعوب الديمقراطي"، كان قد تقدم إثر الانتخابات البرلمانية الأولى في يونيو/حزيران الماضي، بطلب رفع الحصانة عن جميع نوابه.
وبحسب الدستور التركي، فإن إقرار التعديلات الدستورية من دون الحاجة إلى الذهاب إلى استفتاء شعبي، يجب أن يحصل على تأييد 367 نائباً. وبحساب الأرقام يمتلك "العدالة والتنمية" 316 نائباً، بينما يمتلك "الحركة القومية"، الذي يبدو تصويته لمصلحة القرار أمراً مضموناً، 40 نائباً، وبإضافة أصوات نواب "الشعب الجمهوري" البالغ عددها 133 صوتاً، فإن التعديلات الدستورية يُفترض أن تمر بسهولة في البرلمان، من دون الحاجة إلى إجراء استفتاء.
لكن الأمر معقّد قليلاً، لأن التصويت فيما يخصّ التعديلات الدستورية سرّي، فالانقسام حول التعديلات كبير، حتى في صفوف "العدالة والتنمية"، الذي قد يقوم بعض نوابه، ممّن صدرت بحقهم طلبات رفع الحصانة برفض التعديل. كما أن العديد من النواب الآخرين في الحزب لا يرون أن التوجه نحو تعديلات دستورية ستزيل الحصانة عن نواب "الشعوب الديمقراطي"، إذ يذهب بعضهم إلى حدّ القول إن "هذه الخطوة ستمنح الشرعية للعمال الكردستاني للاستمرار في العنف، وستغلق أبواب السياسة في وجه أنصاره، مما سيمنحه المزيد من المتطوعين للقتال".
من جهته، يستبعد أحد مسؤولي "العدالة والتنمية"، لـ"العربي الجديد"، قيام نواب حزبه بالتصويت ضد التعديلات لأنهم "يعلمون أن المستهدف منها هو نواب الشعوب الديمقراطي". ولا يختلف الموقف في "العدالة والتنمية" عن موقف حزب "الشعب الجمهوري"، الذي أثار إعلان زعيمه كمال كلجدار أوغلو موافقة الحزب على التعديلات جدلاً كبيراً في صفوف الحزب. وستتجه الأنظار نحو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ففي حال نالت التعديلات تأييد ما بين 330 و367 نائباً، سيتم رفع التعديلات الدستورية إلى رئاسة الجمهورية التي سيكون أمامها خياران، إما إعادة التعديلات إلى البرلمان ليتم مناقشتها مجدداً، او أن تحيلها إلى الاستفتاء الشعبي، لأن مواقف الرئاسة التركية أخيراً تُرجّح خيار الاستفتاء.
ويرى مسؤول في "العدالة والتنمية"، بأن "تحويل التعديلات إلى الاستفتاء الشعبي لا يُشكّل خطراً كبيراً، بل على العكس تماماً، يُشكّل فرصة لنا للنزول إلى الشارع، والشرح للرأي العام التركي بشكل وافٍ عن أسباب رفع الحصانة، وأسباب تعثّر ذلك في البرلمان". في إشارة إلى الهجوم على حزب "الشعب الجمهوري" الذي قد يعرقل نوابه رفع الحصانة عن "داعمي الإرهاب". ويُبدي اعتقاده بأن "التعديلات ستمر في الاستفتاء بنسبة قبول مرتفعة، رغم أننا لا نتوقع نسبة مشاركة عالية فيه كالانتخابات البرلمانية التي أجريناها أخيراً".