انقسام تركيا بين قارتين، ليس جغرافياً فحسب، بل هو عنوان انقسام أوسع، ثقافي داخلي، وسياسي في تعاطي تركيا مع العالم من حولها. ولا تخفى رمزية استبدال الحرف العربي بالحروف اللاتينية في اللغة التركية، إبان الحقبة الأتاتوركية، إلا كوعي لهذا التشظي، واتخاذ قرار جذري – آنذاك - بالقطيعة مع الفضاء الإسلامي والعربي. لذا كانت سياسات تركيا، منذ تلك الحقبة، منفتحة على بعدها الأوروبي، ومتباعدة عن الفضاء العربي، بشكل ربما أضر بالطرفين، سياسياً واقتصادياً.
يأتي حزب العدالة والتنمية التركي كحالة وسط بين الخيارين، فليس صحيحاً أن تركيا أدارت ظهرها لأوروبا، فهي ما زالت تطمح بحضور أوروبي لها، وتصر على إقامة شراكات استراتيجية مع دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً ألمانيا، ولكن تركيا قامت بالتنبه من جديد لبعدها المشرقي منذ قرابة العقد ونصف، وهذه سياسات معلنة، لا تخمينات. جاءت سياسات تركيا خلال الحقبة الأردوغانية، والتي ما زلنا في أوجها، لتهتم أكثر بمحيطها المشرقي. لتركيا أطماعها السياسية بطبيعة الحال، ولها مشاكلها المختلفة عن المشاكل العربية، إذا نظرنا للمسألة الكردية، لكن حضورها في العالم العربي يتقاطع مع رغبات قطاعات عريضة، تتجرع اليأس من التدخلات الغربية الصرفة، والتي صنعت من المشكلات ما يفوق الحلول، فتأتي فكرة تحالف عربي – تركي، أو سعودي – تركي بشكل أكثر دقة، ليعبر عن خيار آخر لإعادة ترتيب أوراق المنطقة، لا سيما في العراق وسورية.
لا ينتظر أن يكون ترحيب تركيا بالتحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، أو إنشاء مجلس تعاون استراتيجي سعودي – تركي، أو استمرار التنسيق بين الجانبين لإيجاد حل للثورة السورية، أو لإيقاف الاحتراب الطائفي في العراق، حلاً حقيقياً لأزمات المنطقة. فتركيا ليست إيران، أي ليست الطرف المقابل في المواجهة، ليكون التفاهم معها حلاً. لكن التعاون مع تركيا قد يكون مدخلاً لإيجاد حلّ، بمعنى موازنة أطراف الصراع الإقليمي، لمواجهة إيران وأدواتها في المنطقة. لكن الاتجاه العربي نحو تركيا يجب أن تحكمه الحاجة لا الرغبة، لا لوجود تباينات سياسية فحسب، لكن أيضاً بسبب الخوف من تعقيدات أخرى مستقبلية، قد يخلقها وجود تركيا كفاعل "آخر" على الساحة العربية.