من المتوقع أن يشكل الاعتذار "المخفف"، الذي قدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، بشأن حادثة إسقاط الطائرة الروسية في خريف العام الماضي، البداية لتحسن العلاقات بين الطرفين.
ومنذ انسحاب رئيس الحكومة التركية السابق، أحمد داود أوغلو، من المشهد السياسي التركي، والذي جرى تحميله جزئيا مسؤولية تردي العلاقات مع موسكو، واعتباره المسؤول عن إصدار الأوامر بإسقاط الطائرة الروسية، بدا أن الفرصة باتت مواتية لتسريع وتيرة تطبيع العلاقات، والتي كانت تتم على نار هادئة إلى أن جاء "اعتذار أردوغان" ليكون جائزة الترضية التي طلبها بوتين.
يلماظ أشار، إلى أن يلدرم استبدل مجمل طاقم العمل في الخارجية التركية المعني بالملف السوري، وعلى رأسه جان ديزدار السفير المسؤول عن قضايا الشرق الأوسط، بينما تم تكليف وكيل وزارة الخارجية فريدون سينيرلي أوغلو، وهو اليد اليمنى لداود أوغلو، بمهمة دبلوماسية جديدة طويلة الأمد خارج تركيا.
وأضاف يلماظ في حديث مع "العربي الجديد"، أنه بغض النظر عن كون السياسة الخارجية التركية محقة ومبدئية وتقف مع المظلومين، الا أنها تسببت في تدهور العلاقات مع دول مجاورة كثيرة، كانت صديقة لتركيا مثل روسيا وإيران والعراق ومصر، وقد حان الوقت للقيام بمراجعة هذه السياسة.
وأضاف الصحافي التركي، أن تركيا فقدت المبادرة في سورية، وتراجع دورها، فضلا عن بروز مخاطر على الأمن القومي التركي بسبب دعم روسيا للانفصاليين الأكراد، وصعوبة استهداف مواقعهم في شمال سورية دون التنسيق مع روسيا الموجودة على الأرض.
وأعرب يلماظ عن اعتقاده بأن العلاقات بين موسكو وأنقرة ستعود إلى طبيعتها خلال أشهر قليلة، وأنه ستكون لذلك آثار إيجابية على جهود الحل السياسي في سورية، وقد يسهم بطريقة ما في تبريد الجبهات العسكرية إذا ما حققت الجهود السياسية بعض التقدم.
واستدرك بالقول، إن تركيا لن توقف دعمها لفصائل المعارضة السورية، خاصة أن روسيا ما زالت تدعم بقوة النظام السوري، ولا بد من أن يظل هناك توازن على الأرض، كي تتمكن الجهود السياسية من إحراز تقدم.
ورأى مراقبون أن المستفيد الأول من حادثة إسقاط الطائرة الروسية كانت الولايات المتحدة، التي تركت تركيا تواجه التصعيد الروسي ضدها وحيدة، بل وعمدت إلى التفاهم الثنائي مع موسكو لإدارة المرحلة الجديدة في سورية بعيدا عن المصالح التركية. ولعل الرسالة التي أرادت أنقرة توجيهها من محاولة ترميم علاقاتها مع موسكو موجهة بالدرجة الأولى إلى واشنطن، التي لا تكف منذ سنوات عن محاولاتها عرقلة السياسة التركية في المسألة السورية.
أما ميدانيا، وإزاء الخيبات المتكررة التي تعرضت لها من حلفائها الغربيين، فإن تركيا قد ترى في التقارب مع روسيا فرصة لمواجهة التهديد الموجه لأمنها القومي، والمتمثل خاصة في منع قيام كيان انفصالي كردي في شمال سورية، والعمل على إقامة منطقة آمنة هناك، وهذه المرة بالتنسيق مع موسكو، بعد أن فقدت الأمل في أي تعاون جدي مع الولايات المتحدة على هذا الصعيد.
وثمة أمل في الداخل السوري، بأن ينعكس تحسن العلاقات إيجاباً على المشهد السوري، خصوصاً في جبهة حلب والحدود الشمالية مع تركيا، خاصة في ظل ما بدا أنه نوع من التعارض ظهر في بعض الأوقات بين الأجندتين الروسية والإيرانية في سورية.