تتوالى الإشارات الأميركية مؤخراً بشأن فتح حوار ما بين واشنطن وطهران. طغيان سيرة الأزمة الأميركية المثلثة (الصحية، الاقتصادية، العنصرية) حجب الأضواء إلى حدّ بعيد عن هذا الموضوع، رغم أهميته كاختراق صاخب لو حصل، علماً أن حظوظه تتزايد حسب ما يوحي به خطاب الإدارة ولغتها الأشبه بالتمهيد لمثل هذا التطور.
اللافت أنه لم يصدر عن الجانب الايراني، كما جرت العادة في السابق، أي رد يشترط ربط التفاوض بفك العقوبات، ويزيد من أهمية التلميحات الأميركية في هذا الخصوص، أنها أتت قبيل تنفيذ "قانون قيصر" بشأن سورية، والمستهدف به "حزب الله" الذراع الإيرانية بشكل رئيسي، من دون أن يثير ذلك رد فعل حادا أو حتى تعليقا إلى غاية الآن من جانب إيران، وكأن هناك حرصا على تبريد الموقف، وبما يسمح بالتلاقي الاضطراري على غرار ما جرى في إيران– كونترا عام 1986.
الفارق هذه المرة أن التحاور إذا تحقق سيكون غير سري، فالضغوط المؤذية وإن طاولت العظم قد تفرض تجاوز الشعارات والعناد الإيديولوجي والانتقال إلى البراغماتية، كما فعل النظام الإيراني في قبوله لوقف إطلاق النار الذي اعتبره بمثابة "تجرع السم" في الحرب مع العراق عام 1988.
إدارة دونالد ترامب يبدو أنها تراهن على تكرار هذا السيناريو، أو ربما أنها تهيئ الأجواء له. آخر المؤشرات صدرت أمس عن المبعوث الخاص للملف للإيراني برايان هووك، الذي لم يتردد في الإفصاح عن رغبة الإدارة في "مفاوضات مباشرة مع طهران لمبادلة السجناء".
المرة الماضية كانت غير مباشرة، وتمت عبر سويسرا، وأدت إلى صفقة تبادل أسيرين في 2 يونيو/ حزيران الجاري. ليس هذا فحسب، بل إن المبعوث الأميركي ذهب إلى أبعد من ذلك، خلال ندوة نظمها له بالفيديو "مجلس العلاقات الخارجية"، حيث قال، ومن غير مواربة، إن الرئيس ترامب "يريد الجلوس على الطاولة (..) ليس فقط لإجراء المزيد من صفقات التبادل، بل أيضاً لفتح حوار مباشر حول العديد من القضايا".
وأعرب هووك عن الرغبة في "تسريع" مثل هذا التوجه عن طريق جعله على مستوى دبلوماسي رسمي منذ البداية. وللتوكيد، قال إن باب الدبلوماسية "مفتوح الآن على مصراعيه لبحث كافة الأمور التي عكّرت العلاقات الأميركية الإيرانية".
كلام كان قد كرره خلال الأسبوعين الماضيين، وإن بلهجة أقل وضوحاً. وقد انضم إليه المبعوث الخاص للملف السوري جيمس جيفري، في محاضرة له بمؤسسة "هيدسون للدراسات" بواشنطن قبل أسبوع، الذي لعب دور التسويغ غير المباشر لمثل هذا التوجه من خلال التنويه بسياسة "الضغوط القصوى" التي اعتمدها الرئيس ترامب، والتي "أجبرت إيران على الانسحاب من بعض مواقعها في سورية بسبب الضيق المالي". فحوى تسويغه أن إيران تتراجع مرغمة وأنه لا بد لها من أن تزحف إلى التفاوض.
قد يكون هذا الخطاب من باب التوليف لحوار قادم، أو للحث عليه، والذي لا جدال فيه أن البيت الأبيض يبحث عن خبطة من هذا الوزن في لحظة يعاني وضعه من التآكل على كافة جبهات الأزمة المثلثة، الأمر الذي انعكس بصورة حادة على رصيده الانتخابي، وبما ينذر بالأسوأ.
وفي آخر استطلاع، يرى 72% من الأميركيين أن "البلاد تسير في الاتجاه الغلط"، و57% " غير موافق على أداء الرئيس، ويزيد من سواد الأفق أن كورونا منتعش في ولايات الجنوب والجنوب الغربي، عدا عن موجته الثانية المتوقعة بين نهاية الصيف، أي عشية الانتخابات، وبين الخريف ووصول الوفيات حتى ذلك الحين إلى أكثر من 200 ألف حسب آخر التقديرات، وهي أرقام تفرض الربط بينها وبين "التفاؤل" الرسمي بتحقيق انفراج حواري مع إيران، يعطي بعض الزخم لحملة الرئيس الانتخابية، أم أنه تفاؤل وهمي كما كان مع كوريا الشمالية، ولو مع الفوارق بين الحالتين؟