تسريبات عرض أميركي على روسيا لإخراج "صفقة الجنوب"

30 يونيو 2018
تسببت حملة النظام في موجة جديدة من النزوح(عمار العلي/الأناضول)
+ الخط -
يترافق اتساع العمليات العسكرية التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه في محافظة درعا، والتي تسببت في عدد من المجازر فضلاً عن إجبار عشرات الآلاف من المدنيين على الفرار من بلداتهم وقراهم خصوصاً في الريف الشرقي وتوجه معظمهم إلى المنطقة الحدودية مع الأردن الذي أكد أنه سيبقي حدوده مغلقة في وجه النازحين رغم جميع المناشدات، مع تكثيف المشاورات السياسية بشأن الوضع في سورية. وبينما أعلنت روسيا عن عودة مشاورات أستانة نهاية شهر يوليو/ تموز المقبل، تقود الولايات المتحدة الجزء الأهم والأخطر من المحادثات بشأن الملف السوري، وسط بداية ارتسام ملامح صفقة وصفها منسق هيئة التفاوض المنبثقة عن المعارضة السورية، نصر الحريري، بـ"الخبيثة"، تعد لها الولايات المتحدة، على أن تكون جاهزة للتفاهم حولها خلال القمة المرتقبة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، في 16 يوليو، وتقوم على فكرة إنشاء مناطق جنوب غرب سورية، بما يحقق أكثر من هدف: ضمان مصالح إسرائيل أولاً، والإبقاء على نظام الأسد وإعادة إضفاء الشرعية الدولية عليه ثانياً، ثم تهيئة الأجواء أمام الانسحاب الأميركي من سورية ثالثاً. كل ذلك في مقابل إبعاد إيران والمليشيات التي تدعمها عن الحدود الجنوبية، وهو ما لا تظهر ملامحه حتى الآن، في ظل معطيات عديدة عن مشاركة حزب الله اللبناني التابع لإيران وقوات إيرانية في حرب إبادة درعا. 

ويفسّر المخطط الأميركي الرسالة التي قالت فصائل معارضة قبل أيام إنها تلقتها من الإدارة الأميركية، ومفادها عدم توقع تدخل أميركي عسكري جنوبي سورية، إذا هاجم النظام المعارضة. كما قد يكشف السبب من اللقاء الذي جمع ترامب بالعاهل الأردني عبد الله الثاني في البيت الأبيض قبل أيام، فضلاً عن استدعاء رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال غادي أيزنكوط، إلى واشنطن لإجراء محادثات طارئة، أمس الجمعة، مع نظيره الأميركي، الجنرال جوزف دانفورد. لكن النفي الروسي السريع للتسريبات، تحديداً الصادرة عن موقع "سي أن أن" الأميركي بشأن الصفقة الأميركية، يوحي بأن الصفقة لا تزال في طور الإعداد لها ولا تزال تحتاج إلى مزيد من المشاورات قبل التوصل إلى صيغتها النهائية.



وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أمس الجمعة، إن بوتين وترامب سيجريان مناقشات مفصلة بشأن سورية عند اجتماعهما. وعلّق على الأنباء التي نشرتها شبكة "سي أن أن" التي أفادت بأن ترامب يخطط لتقديم صفقة حول سورية لبوتين قائلاً "لا أفهم على أي معلومات تعتمد القناة، وما إذا كان هناك شيء وراء هذه الأنباء، لا نعرف شيئاً عنه. وتدهشنا هذه الأنباء".

وكانت "سي أن أن" قد نشرت، أمس، ما قالت إنها تفاصيل اللقاء الذي جمع ترامب بالعاهل الأردني عبد الله الثاني في البيت الأبيض قبل أيام. ونسبت إلى مصادر دبلوماسية مطلعة على ما دار في الجلسة قولها إن ترامب أعاد طرح ملف سحب القوات الأميركية من سورية، وعبّر عن ثقته بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع بوتين حول ما يسمى بـ"مناطق عازلة" جنوب غرب سورية، الأمر الذي سيتيح الفرصة لانسحاب أميركي بأقرب فرصة. ووفقاً للمصادر، فإن خطة ترامب ستسمح للروس بمساعدة نظام الأسد على استعادة أراض على طول الحدود الجنوبية مع الأردن. وأشارت المصادر إلى أن ترامب في المقابل يتوقع من الروس تأسيس منطقة عازلة في الجنوب الغربي لسورية ومنع القوات الإيرانية من الوصول إليها، لافتين إلى أن طرد إيران يمثل صلب خطة ترامب للانسحاب من سورية.

ويبدو أن الولايات المتحدة تحاول وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل رؤيتها للصفقة التي ستعرض على بوتين، وسط حرص على إرضاء إسرائيل أولاً والأردن ثانياً. وفي السياق، أجرى رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال غادي أيزنكوط، أمس، محادثات طارئة مع نظيره الأميركي، بعدما توجه على نحو مفاجئ لواشنطن، على أثر التطورات الميدانية في سورية والحملة التي يشنها النظام السوري في درعا ومناطق "خفض التوتر" عند مثلث الحدود مع سورية والأردن وإسرائيل. وبحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن أيزنكوط يركز في مباحثاته على الجهد المشترك لتقييد النشاط الإيراني في المنطقة، لافتة إلى أنه يحمل معه الشروط الإسرائيلية التي في حال عدم احترامها فإن ذلك سيدفع إسرائيل للتدخل بما يحدث في جنوب سورية. ومن بين هذه الشروط التي تسميها إسرائيل "الخطوط الحمراء"، عدم انتهاك الطرف السوري لاتفاق فك الاشتباك ووقف إطلاق النار الذي تم إبرامه عام 1974 بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، بما في ذلك تقييد حركة العتاد الحربي السوري الثقيل ومنع دخول دبابات إلى المنطقة، التي من شأنها أن تهدد أمن إسرائيل لاحقاً، وإخراج المليشيات الشيعية والموالية لإيران من الأراضي السورية.

كما توقعت "هآرتس" أن تكون مناقشة الجنرالين تطرقت إلى اليوم الذي يلي الحرب في سورية، إذ لن تعترض إسرائيل على عودة نظام الأسد للجولان السوري طالما لا وجود لقوات أجنبية داخل صفوفه. وتتوقع إسرائيل من الولايات المتحدة أن تنقل هذه المطالب لروسيا، خلال لقاء القمة المنتظر بين بوتين وترامب، وذلك بموازاة الحوار المتواصل بين روسيا وإسرائيل.
من جهته، لفت أليكس فيشمان، في "يديعوت أحرونوت"، إلى أن جيش الاحتلال يتخذ استعداداته للحملة التي سيشنها نظام الأسد في جنوب سورية بمساعدة روسية، وخاصة على محافظتي درعا والقنيطرة.

ووفقاً للتقديرات الإسرائيلية، كما يقول فيشمان، فإن ما يحدث الآن من نشاط لقوات الأسد في درعا هو مقدمة لهجوم كبير وأوسع يعد له النظام وروسيا، وأن موجة نزوح السوريين الحالية هي "أول الغيث" من موجات نزوح لاحق مع بدء الهجوم الأكبر. وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن روسيا لن تشنّ الحملة الأكبر قبل ضمان تنسيق وتفاهم مع الولايات المتحدة، لا سيما في ظل المخاوف الأميركية من أن تؤدي موجة نزوح إضافية للسوريين للأردن إلى إضعاف النظام الهاشمي. لكن على الرغم من هذه التقديرات، إلا أن قوات جيش الاحتلال، خصوصاً في قيادة المنطقة الشمالية، تستعد لمواجهة تداعيات دخول القوات البرية السورية والروسية للمناطق القريبة من الجولان السوري المحتل، حيث ترى إسرائيل أن النظام سيعود في نهاية المطاف لبسط نفوذه على الجولان، ولكن السؤال هل سيكون ذلك من خلال عمليات عسكرية واسعة أم بالتوافق مع الأميركيين والمعارضة وبالتنسيق مع إسرائيل والأردن.

وفي السياق، قالت صحيفة "هآرتس" إن الكابينيت السياسي والأمني الإسرائيلي سيجتمع مساء غد، الأحد، بعد عودة أيزنكوط من واشنطن للبت في الموقف الإسرائيلي من التطورات الميدانية، لا سيما أن الجيش الإسرائيلي رفع حالة التأهب في الجولان السوري المحتل، وبدأ بنشر قواته على امتداد الحدود لمواجهة حركة النزوح في حال اتجاهها لمناطق التماس مع الشق المحتل من الجولان السوري عند محافظة القنيطرة، فيما قال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز، أمس الجمعة، إن إسرائيل يجب أن تمنع دخول النازحين الفارين من القتال في سورية.
في موازاة ذلك، أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أمس الجمعة، من نيويورك، أن بلاده تبذل جهوداً للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في جنوب سورية. وقال الصفدي، في مؤتمر صحافي عقب لقائه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إن "الوضع صعب كما تعلمون، ولكننا في المملكة مستمرون بالعمل بكل ما نستطيع من قوة ونبذل كل ما هو متاح من جهد ونتحدث مع جميع الأطراف القادرة والمؤثرة من أجل وقف إطلاق النار". وأشار إلى أن "الأمور تطورت في صورة لم نكن نرغب بها، ونحن الآن في وضع لا نملك معه إلا أن نستمر فيه في العمل مع كل الأطراف من أجل وقف النار وحماية المدنيين وتقديم الدعم والإسناد لهم في بلادهم".

وحثّت الأمم المتحدة، أول من أمس، عمان على فتح الحدود أمام النازحين السوريين، لكن الصفدي قال خلال المؤتمر الصحافي "لا نرى ضرورة أو سبباً في أن يتحمل الأردن وحده هذه المسؤولية". وأضاف "نحن الآن في مرحلة نعتقد أن معالجة الأزمة الإنسانية ممكنة في سورية وبالتالي يجب أن يكون التركيز على معالجتها في سورية".
وبانتظار بلورة الصفقة الأميركية التي ستعرض على روسيا، تحاول الأخيرة الإبقاء على مسار أستانة بإعلانها عقد اجتماع وفق صيغة أستانة حول سورية في مدينة سوتشي الروسية، يومي 30 و31 يوليو/ تموز المقبل، أي بعد نحو أسبوعين من قمة ترامب وبوتين.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين: "عندما كنا في آخر لقاء لأستانة قررنا أن يجرى اللقاء المقبل في سوتشي، في آخر يومين من يوليو، وهذا متفق عليه بالفعل". وأضاف: "سيعقد اللقاء بتلك الصيغة التي عملنا بها منذ البداية. ستكون هناك الدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران) بحضور مراقبين، والأطراف السورية". وفيما اعتبرت وزارة الخارجية التركية أن هجمات النظام السوري على درعا "تعرقل جهود الحل في محادثات أستانة وجنيف"، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إن روسيا وإيران والولايات المتحدة تتحمل مسؤولية هجمات النظام جنوبي سورية. وأضاف خلال مشاركته في برنامج على قناة "إن تي في" التلفزيونية التركية، أن المنطقة الجنوبية أدرجت ضمن مناطق خفض التوتر في سورية، بموجب اتفاق أستانة بين الدول الضامنة الثلاث تركيا وروسيا وإيران. واستدرك أن الولايات المتحدة وروسيا توصلتا إلى تفاهم منفصل حول المنطقة، في وقت لاحق، مشيراً إلى أن النظام يهاجم المعارضة حالياً جنوبي سورية، وعلى روسيا وواشنطن إيقاف ذلك، باعتبارهما طرفا التفاهم الأخير.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، الأناضول)
دلالات