تسند العجوز الثمانينيّة ظهرها إلى ذلك الحائط، وقد جلست أرضاً تنتظر تعاطفاً ما. لا تنطق بكلمة، تخجل من أن تفعل، لكنّ عينَيها ويدها الممدودة كأنّما تقول متوسّلة: "حسنة لله يا محسنين". في تيغو سيغالبا، عاصمة هندوراس، كانت العجوز تتسوّل بخجل شفقة المارة. لطالما منعتها عزّة نفسها من الاستعطاء، غير أنّها اليوم تفعل وقد غُلب على أمرها.
تلك العجوز، تتسوّل ما يبقيها على قيد الحياة. كثيرات وكثيرون مثلها، يستعطون المحسنين. تختلف جنسياتهم ويختلف توزّعهم في المعمورة، غير أنّ حالهم واحدة وإن اختلفت المسبّبات. هم، إمّا رأوا أنفسهم وحيدين وقد تخلّى عنهم الأبناء، فلم يجدوا بالتالي وسيلة للبقاء على قيد الحياة سوى مدّ اليد، وإمّا راح هؤلاء الأبناء يستغلّون شيخوختهم، فرموهم على الأرصفة حتى يحققوا لهم مكاسب ما ولو متواضعة.
في الخامس عشر من يونيو/ حزيران، تحتفل الأمم المتحدة بـاليوم العالمي للتوعية حول إساءة معاملة المسنّين. إنّه يوم هؤلاء "المعتّرين" الذين قد نصادفهم ليس فقط في شوارع هندوراس، إنّما كذلك في شوارع القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وعمّان وغيرها من بلدان العالم.. "المعتّر بكلّ الأرض دايماً هوّي ذاتو".
لا شكّ في أنّه من المؤلم رؤية طفل يتسوّل، غير أنّ لا ألمَ يضاهي مشهد عجوز - رجلاً كان أم امرأة - يمدّ يده ويتمتم مقهوراً "حسنة لله يا محسنين" أو ما يعادلها بلغة من لغات شعوب المعمورة. لا ألمَ يضاهي ما يخفيه ذلك العجوز - رجلاً كان أم امرأة - أو ما يحاول إخفاءه خلف ملامح أرهقتها السنون.
اليوم هو يوم كلّ هؤلاء "المعتّرين"، لكنّهم لا يدركونه.