يرصد توم رايت، مساعد مدير جمعية الدستور الأميركية، القواسم المشتركة بين قرارات تعيين 190 قاضياً، بينهم اثنان في المحكمة العليا رشّحهم جميعاً الرئيس دونالد ترامب منذ توليه منصبه، وحتى الأول من مارس/ آذار الماضي، ليصوّت بعدها الكونغرس الذي يهيمن الجمهوريون عليه بالموافقة على توليهم مناصبهم، مشيراً إلى أن غياب الاهتمام بالتنوع العرقي من أبرز سمات تلك القرارات، إذ إن معظمهم رجال بيض محافظون، وبينهم من يحمل آراء كارهة للمهاجرين، بل إن بعضهم، مثل ستيفن ميناشي، يدافع جهراً عن أفكار تدعم القومية العرقية، (الاعتقاد بأن البيض متفوقون على الأجناس الأخرى، ويجب أن يسيطروا على المجتمع).
"المزعج في تعيينات ترامب أيضاً، اعتمادها معايير الأيديولوجية والقرب من المحافظين عوض الكفاءة، إذ عُيِّن قضاة اعتبرتهم جمعية المحامين الأميركية (هيئة شرفية تقيّم القضاة) غير مؤهلين لتولي مناصب كبيرة، إما بسبب آرائهم المناهضة للهجرة والتنوع، أو لتحيّزهم العرقي، وأحياناً لأنهم يفتقدون الخبرة اللازمة"، كما أضاف رايت في إفادته لـ"العربي الجديد".
وأدى تثبيت ستيفن ميناشي في محكمة الاستئناف بالدائرة الثانية في نيويورك، المؤثرة جداً في القرار القضائي بالولايات المتحدة، إلى سجال واسع، بين الديموقراطيين والجمهوريين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. واعتبر الديمقراطيون في الكونغرس، ومنهم السناتورة كيرستن غيليبراند، من نيويورك، أن مناشي "يحمل سجلاً مروعاً في ما يتعلق بالتحيز العرقي ويعادي النساء والمثليين"، بحسب ما قالت في تغريدة على تويتر.
إعادة تشكيل العدالة
تنصّ المادة الثالثة من الدستور الأميركي على أن الرؤساء يرشحون قضاة المحكمة العليا وقضاة محكمة الاستئناف وقضاة المحاكم المحلية، ويصوّت مجلس الشيوخ بعد ذلك على تثبيت هؤلاء أو رفضهم. وتؤكد المادة الثالثة أيضاً أن تعيين القضاة غير قابل للرجعة، إذ يمكنهم أن يظلوا في مناصبهم مدى الحياة، إلا في حال الاستقالة أو التقاعد أو الإدانة.
اللافت أنه "خلال السنوات الثلاث الأولى من تولي باراك أوباما الرئاسة، لم يعيّن سوى 25 قاضياً. وخلال ثماني سنوات من حكمه، عيّن 55 قاضياً فقط. أما ترامب، فقد عين في أقل من ثلاث سنوات 51 قاضياً في محاكم الاستئناف/ الدوائر، و137 في محاكم المقاطعات. هذه الأرقام تؤكد أن الرئيس الحالي يريد أن يدفع العدالة في أميركا نحو اليمين المتشدد بسرعة ولمدة عقود"، كما يقول راسل ويلر، الخبير في الشأن القضائي الأميركي في معهد بروكينغز.
ويؤكد ويلر أن "الشعارات القديمة للديمقراطيين، بأن العدالة في هذا البلد يجب ألا تكون مسيّسة، قد لا تنفع مع هذا العدد الهائل من القضاة الذين يُعيَّنون كل أسبوع وبسرعة، لأن قضاة ترامب يحملون أجندات واضحة ولا يخفون ذلك". ويشير ويلر إلى أن الجمهوريين يشتغلون وفق فلسفة "لا تدع أي منصب شاغر للديمقراطيين، وهو توجه يخالف الطريقة التي يتعامل بها الديمقراطيون عموماً مع القضاء الفيدرالي. فقد ترك أوباما بعد تولي ترامب الرئاسة 142 وظيفة شاغرة يستغلها اليوم الجمهوريون في مجلس الشيوخ بقيادة ميتش ماكونيل".
وفي السياق ذاته، يقول كريستوفر كانغ، مؤسس منظمة "اطلبوا العدالة"، إن "دونالد ترامب يُعيد تشكيل قطاع العدالة في أميركا بهدوء دون أي رد فعل من الليبراليين. ويُفترض في المحاكم الفيدرالية حماية حقوق جميع المواطنين، لكن ترامب ملأها الآن بقضاة موالين له ولأجندات اليمين. بعضهم يحمل وجهات نظر معادية للملوّنين، وآخرون روّجوا لمؤامرة أن أوباما وُلد خارج أميركا، ودافع بعضهم عن المنظمة العنصرية كو كلوكس كلان".
ويتساءل: "كيف يمكن أشخاصاً يؤيدون القوانين التي تنص على إنشاء مدارس عامة مُنفصلة للطلاب السود والبيض أن يكونوا في مقاعد العدالة ويُنصفوا الأشخاص ذوي البشرة السوداء؟"، في إشارة إلى بعض القضاة الذين عينهم ترامب ويؤيدون سياسات الفصل بين السود والبيض.
"المزعج في تعيينات ترامب أيضاً، اعتمادها معايير الأيديولوجية والقرب من المحافظين عوض الكفاءة، إذ عُيِّن قضاة اعتبرتهم جمعية المحامين الأميركية (هيئة شرفية تقيّم القضاة) غير مؤهلين لتولي مناصب كبيرة، إما بسبب آرائهم المناهضة للهجرة والتنوع، أو لتحيّزهم العرقي، وأحياناً لأنهم يفتقدون الخبرة اللازمة"، كما أضاف رايت في إفادته لـ"العربي الجديد".
وأدى تثبيت ستيفن ميناشي في محكمة الاستئناف بالدائرة الثانية في نيويورك، المؤثرة جداً في القرار القضائي بالولايات المتحدة، إلى سجال واسع، بين الديموقراطيين والجمهوريين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. واعتبر الديمقراطيون في الكونغرس، ومنهم السناتورة كيرستن غيليبراند، من نيويورك، أن مناشي "يحمل سجلاً مروعاً في ما يتعلق بالتحيز العرقي ويعادي النساء والمثليين"، بحسب ما قالت في تغريدة على تويتر.
إعادة تشكيل العدالة
تنصّ المادة الثالثة من الدستور الأميركي على أن الرؤساء يرشحون قضاة المحكمة العليا وقضاة محكمة الاستئناف وقضاة المحاكم المحلية، ويصوّت مجلس الشيوخ بعد ذلك على تثبيت هؤلاء أو رفضهم. وتؤكد المادة الثالثة أيضاً أن تعيين القضاة غير قابل للرجعة، إذ يمكنهم أن يظلوا في مناصبهم مدى الحياة، إلا في حال الاستقالة أو التقاعد أو الإدانة.
اللافت أنه "خلال السنوات الثلاث الأولى من تولي باراك أوباما الرئاسة، لم يعيّن سوى 25 قاضياً. وخلال ثماني سنوات من حكمه، عيّن 55 قاضياً فقط. أما ترامب، فقد عين في أقل من ثلاث سنوات 51 قاضياً في محاكم الاستئناف/ الدوائر، و137 في محاكم المقاطعات. هذه الأرقام تؤكد أن الرئيس الحالي يريد أن يدفع العدالة في أميركا نحو اليمين المتشدد بسرعة ولمدة عقود"، كما يقول راسل ويلر، الخبير في الشأن القضائي الأميركي في معهد بروكينغز.
ويؤكد ويلر أن "الشعارات القديمة للديمقراطيين، بأن العدالة في هذا البلد يجب ألا تكون مسيّسة، قد لا تنفع مع هذا العدد الهائل من القضاة الذين يُعيَّنون كل أسبوع وبسرعة، لأن قضاة ترامب يحملون أجندات واضحة ولا يخفون ذلك". ويشير ويلر إلى أن الجمهوريين يشتغلون وفق فلسفة "لا تدع أي منصب شاغر للديمقراطيين، وهو توجه يخالف الطريقة التي يتعامل بها الديمقراطيون عموماً مع القضاء الفيدرالي. فقد ترك أوباما بعد تولي ترامب الرئاسة 142 وظيفة شاغرة يستغلها اليوم الجمهوريون في مجلس الشيوخ بقيادة ميتش ماكونيل".
وفي السياق ذاته، يقول كريستوفر كانغ، مؤسس منظمة "اطلبوا العدالة"، إن "دونالد ترامب يُعيد تشكيل قطاع العدالة في أميركا بهدوء دون أي رد فعل من الليبراليين. ويُفترض في المحاكم الفيدرالية حماية حقوق جميع المواطنين، لكن ترامب ملأها الآن بقضاة موالين له ولأجندات اليمين. بعضهم يحمل وجهات نظر معادية للملوّنين، وآخرون روّجوا لمؤامرة أن أوباما وُلد خارج أميركا، ودافع بعضهم عن المنظمة العنصرية كو كلوكس كلان".
ويتساءل: "كيف يمكن أشخاصاً يؤيدون القوانين التي تنص على إنشاء مدارس عامة مُنفصلة للطلاب السود والبيض أن يكونوا في مقاعد العدالة ويُنصفوا الأشخاص ذوي البشرة السوداء؟"، في إشارة إلى بعض القضاة الذين عينهم ترامب ويؤيدون سياسات الفصل بين السود والبيض.
على الديمقراطيين "منع ترامب من تحويل المحاكم إلى مجرد أداة أخرى للقمع الاقتصادي والاجتماعي"، كما شدد كانغ، داعياً الأميركيين إلى "منع سنّ قوانين تضفي الشرعية على التمييز ضد النساء والأقليات العرقية والمثليين، فالديمقراطية تقتضي أن يعكس القضاة التنوع العرقي والديني للمجتمع الذي يخدمونه، وبالأساس أن يكون مستقلاً عن الأحزاب السياسية".
نفوذ ممتد لسنوات طويلة
أوفى ترامب بوعده الانتخابي، فقد أصبحت المحكمة العليا الأميركية بيد الجمهوريين، كذلك فإن واحداً من كل أربعة قضاة في محاكم الاستئناف الأميركية عيّنه ترامب. والقاسم المشترك بين كل هؤلاء القضاء، بالإضافة إلى آرائهم المحافظة والمتشددة أحياناً، أنهم شباب، ما يعني أنهم يضمنون للجمهوريين نفوذاً لسنوات طويلة، حتى في حال انتهاء سيطرتهم على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ في 2020، وفق ما قاله كانغ، مضيفاً: "إنها بصمة ترامب على القضاء في هذا البلد".
وتابع قائلاً لـ"العربي الجديد": "على الديمقراطيين أن يدركوا المخاطر التي تنطوي عليها سياسة ترامب على المدى البعيد، فالنزعة اليمينية داخل العدالة تهدد الديمقراطية الأميركية في العمق. في 2020، إذا خسر ترامب الانتخابات، فإن الجمهوريين لن يخسروا كل شيء، إذ سيستخدمون المحاكم لتحقيق أولوياتهم السياسية في مجال الهجرة وتعطيل المساواة والتأثير بحقوق العمال. وفي الحقيقة، لا داعي لانتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالجمهوريون بدأوا يوظفون العدالة لمصلحة أجنداتهم".
وبالفعل، فمن المقرر أن تعيد محكمة الاستئناف (الدائرة الثانية)، بعد أن أصبحت أغلبيتها محافظة بفضل تعيينات ترامب الأخيرة، النظر في قضية تتحدى قدرة الرئيس على حظر المتابعين الذين ينتقدونه على تويتر، بعد أن صدر حكم سابق من نفس المحكمة يمنع ترامب من حظر المتابعين على الشبكات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أيضا أن تنظر محكمة الدائرة الثانية لأول مرة في قضية تتعلق بتربح شركات ترامب من توليه منصب الرئاسة. كما أن محكمة الاستئناف (الدائرة 11)، التي تتعامل مع الطعون المقدمة من جورجيا وفلوريدا وألاباما، ستقرّر قريبا موقفها في العديد من قضايا المتعلقة بحرمان بعض الفئات من التصويت (مثل السجناء وأغلبهم من السود واللاتينيين وهم القاعدة الصلبة للديمقراطيين)، كما يقول بيل داي المحامي وأستاذ مساعد للقانون في جامعة جورج واشنطن، مضيفا أن "المحكمة العليا تلعب دورا محوريا في صياغة السياسات، فمثلا ترامب فشل في تطبيق سياسات متشددة حيال هجرة المسلمين إلى أمريكا، لكن بعد أن أيّدت المحكمة العليا القرار بحظر دخول مواطني 6 دول مسلمة إلى الولايات المتحدة، انتهى هذا الموضوع وأصبح اليوم جزءا من السياسة الأمريكية". وتابع، موضحاً أن "القضايا التي لا تريد المحكمة العليا أن تأخذها أو تبتّ فيها مباشرة، تقوم محاكم الاستئناف الأميركية (عددها 13) بالنظر فيها. إنها محطة أخيرة لاستئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية. اليوم، بعد أن عيّن ترامب عدداً مهماً من القضاة الشباب في هذه المحاكم، يمكن أن تتوقع لمدة عقود أحكاماً قريبة من آراء اليمين المحافظ، وأحياناً معادية للأقليات".
وأدى غياب التنوع في قوائم القضاة الذين عيّنهم ترامب، إلى احتجاج الديمقراطيين في يوليو/ تموز الماضي، إذ لم تضم هذه اللوائح آنذاك سوى 5 قضاة من أصول آسيوية، وقاضي واحد من الأصول اللاتينية، وتتخوف الكثير من الأصوات الحقوقية والليبرالية في أميركا من أن تؤدي تعيينات ترامب الأخيرة إلى تسييس القضاء في الولايات المتحدة في اتجاه يجعله أكثر تعاطفا مع اليمين المتشدد، خاصة أن ترامب قطع وعدا على نفسه، في مايو/أيار 2016، خلال الحملة الانتخابية، إذ تعهّد للناخبين المحافظين بتعيين موظفين قضائيين تتوافق مع مواقفهم وقيّمهم.
قراءة في التعيينات
بالإضافة إلى سيطرة المحافظين على المحكمة العليا بعد تعيين ترامب قاضيين، تظهر لائحة القضاة الذين عيّنهم في محاكم الاستئناف، (تعد إلى جانب المحكمة العليا، أعلى هيئة قضائية، وعبرهما تمرّ دستورية القوانين وتؤدي أدواراً كبيرة في رسم السياسات الخاصة بالهجرة وحقوق العمال والمساواة وتعطيل أو تبني قوانين جديدة في مسائل خلافية مثل الإجهاض)، تعيين العدد الأكبر في الولايات التي تعتبر معقلاً تقليدياً للديموقراطيين بإجمالي 21 قاضياً، بينما عيّن 9 قضاة في الولايات التي تميل إلى الديمقراطيين (نادراً ما يفوز فيها الجمهوريون) كذلك فإنه عيّن عدداً مهماً من القضاة في الولايات التي تعرف تنافساً حاداً بين الحزبين، وتُعرف بالولايات المتأرجحة أو Purple/Swing States بإجمالي 12 قاضياً، ولم يعين ترامب أي قاضٍ في الولايات الجمهورية، فيما عيّن 9 قضاة في الولايات التي تميل إلى الجمهوريين.
في هذا السياق، حصلت "العربي الجديد" على وثيقة مؤرخة بـ 29 أكتوبر/ تشرين الأول من "جمعية المحامين الأميركية" تقيّم لورانس فان دايك، أحد القضاة الذين عيّنهم ترامب، وكان في الأصل محامياً، بأنه "شخص متعجرف، ومتحزّب ويفتقر إلى المعرفة بالممارسة اليومية، بما في ذلك القواعد الإجرائية لممارسة المهنة".
وخلصت الجمعية، وهي المسؤولة شرفياً عن تقييم القضاة وصياغة المدونات الأخلاقية المتعلقة بممارسة المهنة في أميركا، في تقريرها النهائي عن لورانس فان دايك، إلى أنه "غير مؤهل" لتولي منصب القاضي في محكمة الاستئناف بالدائرة التاسعة. وفي السابق، كان الرؤساء الأميركيون يحترمون تقييمات جمعية المحامين الأميركيين، التي تفحص المرشحين وتمنحهم تقييماً يراوح بين "غير مؤهل" إلى "مؤهل جداً".
قاضية أخرى حصلت على تقييم "غير مؤهل" بالإجماع من جمعية المحامين الأميركية، وهي سارة بيتليك. وبحسب وثيقة حصلت عليها "العربي الجديد" مؤرخة بـ 24 سبتمبر/ أيلول 2019، فإن بيتليك "لا تمتلك الخبرة في المحاكمة أو دعوى قضائية أو ما يعادلها". وشغلت سارة بيتليك في السابق منصباً إدارياً في مكتب بريت كافانو، الذي عيّنه ترامب أيضاً العام الماضي قاضياً في المحكمة العليا، بعد انقسام سياسي حاد داخل الكونغرس بسبب اتهامه في قضايا تحرش جنسي.
ورغم ذلك، فقد اختار ترامب تعيينها في منصب قاضية محلية في محكمة مقاطعة الولايات المتحدة للمنطقة الشرقية في ميزوري. وأكد الجمهوريون في مجلس الشيوخ هذا التعيين من دون أن يكون لتقرير جمعية المحامين الأميركية أي مفعول على قرار الكونغرس.
وفي المجمل، فقد "رشّحت إدارة ترامب خلال ثلاث سنوات تسعة أشخاص حصلوا على تقييم "غير مؤهل" وأصبحوا اليوم قضاة"، كما يقول بيل داي، مردفاً بأن الرئيس السابق باراك أوباما "لم يعيّن، ولو شخصاً واحداً حصل على هذا التقييم، ما يعني أن الجمهوريين يختارون القضاة بغضّ النظر عن كفاءتهم". وخلص إلى أن "هناك الكثير من رجال القانون ينتمون إلى أقليات مختلفة، لكن ترامب لا يهتم بذلك، إنه يلعب ورقة العرق ويبحث عن الولاء، لا الكفاءة".
نفوذ ممتد لسنوات طويلة
أوفى ترامب بوعده الانتخابي، فقد أصبحت المحكمة العليا الأميركية بيد الجمهوريين، كذلك فإن واحداً من كل أربعة قضاة في محاكم الاستئناف الأميركية عيّنه ترامب. والقاسم المشترك بين كل هؤلاء القضاء، بالإضافة إلى آرائهم المحافظة والمتشددة أحياناً، أنهم شباب، ما يعني أنهم يضمنون للجمهوريين نفوذاً لسنوات طويلة، حتى في حال انتهاء سيطرتهم على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ في 2020، وفق ما قاله كانغ، مضيفاً: "إنها بصمة ترامب على القضاء في هذا البلد".
وتابع قائلاً لـ"العربي الجديد": "على الديمقراطيين أن يدركوا المخاطر التي تنطوي عليها سياسة ترامب على المدى البعيد، فالنزعة اليمينية داخل العدالة تهدد الديمقراطية الأميركية في العمق. في 2020، إذا خسر ترامب الانتخابات، فإن الجمهوريين لن يخسروا كل شيء، إذ سيستخدمون المحاكم لتحقيق أولوياتهم السياسية في مجال الهجرة وتعطيل المساواة والتأثير بحقوق العمال. وفي الحقيقة، لا داعي لانتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالجمهوريون بدأوا يوظفون العدالة لمصلحة أجنداتهم".
وبالفعل، فمن المقرر أن تعيد محكمة الاستئناف (الدائرة الثانية)، بعد أن أصبحت أغلبيتها محافظة بفضل تعيينات ترامب الأخيرة، النظر في قضية تتحدى قدرة الرئيس على حظر المتابعين الذين ينتقدونه على تويتر، بعد أن صدر حكم سابق من نفس المحكمة يمنع ترامب من حظر المتابعين على الشبكات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أيضا أن تنظر محكمة الدائرة الثانية لأول مرة في قضية تتعلق بتربح شركات ترامب من توليه منصب الرئاسة. كما أن محكمة الاستئناف (الدائرة 11)، التي تتعامل مع الطعون المقدمة من جورجيا وفلوريدا وألاباما، ستقرّر قريبا موقفها في العديد من قضايا المتعلقة بحرمان بعض الفئات من التصويت (مثل السجناء وأغلبهم من السود واللاتينيين وهم القاعدة الصلبة للديمقراطيين)، كما يقول بيل داي المحامي وأستاذ مساعد للقانون في جامعة جورج واشنطن، مضيفا أن "المحكمة العليا تلعب دورا محوريا في صياغة السياسات، فمثلا ترامب فشل في تطبيق سياسات متشددة حيال هجرة المسلمين إلى أمريكا، لكن بعد أن أيّدت المحكمة العليا القرار بحظر دخول مواطني 6 دول مسلمة إلى الولايات المتحدة، انتهى هذا الموضوع وأصبح اليوم جزءا من السياسة الأمريكية". وتابع، موضحاً أن "القضايا التي لا تريد المحكمة العليا أن تأخذها أو تبتّ فيها مباشرة، تقوم محاكم الاستئناف الأميركية (عددها 13) بالنظر فيها. إنها محطة أخيرة لاستئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية. اليوم، بعد أن عيّن ترامب عدداً مهماً من القضاة الشباب في هذه المحاكم، يمكن أن تتوقع لمدة عقود أحكاماً قريبة من آراء اليمين المحافظ، وأحياناً معادية للأقليات".
وأدى غياب التنوع في قوائم القضاة الذين عيّنهم ترامب، إلى احتجاج الديمقراطيين في يوليو/ تموز الماضي، إذ لم تضم هذه اللوائح آنذاك سوى 5 قضاة من أصول آسيوية، وقاضي واحد من الأصول اللاتينية، وتتخوف الكثير من الأصوات الحقوقية والليبرالية في أميركا من أن تؤدي تعيينات ترامب الأخيرة إلى تسييس القضاء في الولايات المتحدة في اتجاه يجعله أكثر تعاطفا مع اليمين المتشدد، خاصة أن ترامب قطع وعدا على نفسه، في مايو/أيار 2016، خلال الحملة الانتخابية، إذ تعهّد للناخبين المحافظين بتعيين موظفين قضائيين تتوافق مع مواقفهم وقيّمهم.
توزيع القضاة عبر الولايات في عهد ترامب
تاريخ رصد التعيينات : الأول من مارس 2020
قراءة في التعيينات
بالإضافة إلى سيطرة المحافظين على المحكمة العليا بعد تعيين ترامب قاضيين، تظهر لائحة القضاة الذين عيّنهم في محاكم الاستئناف، (تعد إلى جانب المحكمة العليا، أعلى هيئة قضائية، وعبرهما تمرّ دستورية القوانين وتؤدي أدواراً كبيرة في رسم السياسات الخاصة بالهجرة وحقوق العمال والمساواة وتعطيل أو تبني قوانين جديدة في مسائل خلافية مثل الإجهاض)، تعيين العدد الأكبر في الولايات التي تعتبر معقلاً تقليدياً للديموقراطيين بإجمالي 21 قاضياً، بينما عيّن 9 قضاة في الولايات التي تميل إلى الديمقراطيين (نادراً ما يفوز فيها الجمهوريون) كذلك فإنه عيّن عدداً مهماً من القضاة في الولايات التي تعرف تنافساً حاداً بين الحزبين، وتُعرف بالولايات المتأرجحة أو Purple/Swing States بإجمالي 12 قاضياً، ولم يعين ترامب أي قاضٍ في الولايات الجمهورية، فيما عيّن 9 قضاة في الولايات التي تميل إلى الجمهوريين.
في هذا السياق، حصلت "العربي الجديد" على وثيقة مؤرخة بـ 29 أكتوبر/ تشرين الأول من "جمعية المحامين الأميركية" تقيّم لورانس فان دايك، أحد القضاة الذين عيّنهم ترامب، وكان في الأصل محامياً، بأنه "شخص متعجرف، ومتحزّب ويفتقر إلى المعرفة بالممارسة اليومية، بما في ذلك القواعد الإجرائية لممارسة المهنة".
وخلصت الجمعية، وهي المسؤولة شرفياً عن تقييم القضاة وصياغة المدونات الأخلاقية المتعلقة بممارسة المهنة في أميركا، في تقريرها النهائي عن لورانس فان دايك، إلى أنه "غير مؤهل" لتولي منصب القاضي في محكمة الاستئناف بالدائرة التاسعة. وفي السابق، كان الرؤساء الأميركيون يحترمون تقييمات جمعية المحامين الأميركيين، التي تفحص المرشحين وتمنحهم تقييماً يراوح بين "غير مؤهل" إلى "مؤهل جداً".
قاضية أخرى حصلت على تقييم "غير مؤهل" بالإجماع من جمعية المحامين الأميركية، وهي سارة بيتليك. وبحسب وثيقة حصلت عليها "العربي الجديد" مؤرخة بـ 24 سبتمبر/ أيلول 2019، فإن بيتليك "لا تمتلك الخبرة في المحاكمة أو دعوى قضائية أو ما يعادلها". وشغلت سارة بيتليك في السابق منصباً إدارياً في مكتب بريت كافانو، الذي عيّنه ترامب أيضاً العام الماضي قاضياً في المحكمة العليا، بعد انقسام سياسي حاد داخل الكونغرس بسبب اتهامه في قضايا تحرش جنسي.
ورغم ذلك، فقد اختار ترامب تعيينها في منصب قاضية محلية في محكمة مقاطعة الولايات المتحدة للمنطقة الشرقية في ميزوري. وأكد الجمهوريون في مجلس الشيوخ هذا التعيين من دون أن يكون لتقرير جمعية المحامين الأميركية أي مفعول على قرار الكونغرس.
وفي المجمل، فقد "رشّحت إدارة ترامب خلال ثلاث سنوات تسعة أشخاص حصلوا على تقييم "غير مؤهل" وأصبحوا اليوم قضاة"، كما يقول بيل داي، مردفاً بأن الرئيس السابق باراك أوباما "لم يعيّن، ولو شخصاً واحداً حصل على هذا التقييم، ما يعني أن الجمهوريين يختارون القضاة بغضّ النظر عن كفاءتهم". وخلص إلى أن "هناك الكثير من رجال القانون ينتمون إلى أقليات مختلفة، لكن ترامب لا يهتم بذلك، إنه يلعب ورقة العرق ويبحث عن الولاء، لا الكفاءة".