كما تسود العاصمة نجامينا، أخيراً، أجواء من التوتر الشديد بسبب اختفاء عدد غير محدد من الشخصيات المرتبطة بالمعارضة، والاختفاء الغامض لمجموعة من الضباط تتراوح أعدادهم بين 20 و40 ضابطاً في 21 إبريل/نيسان الماضي. وعلى الرغم من أن السلطات اعتبرت قضية الاختطاف هذه مجرد شائعة لتشويه سمعة أجهزة الدولة وتقديمها لأربعة عسكريين في برنامج تلفزيوني أكدوا خلاله أنهم يتواجدون في مهمة عسكرية خاصة، تؤكد المعارضة أن السلطات العسكرية اختطفت هؤلاء الضباط لكونهم صوّتوا ضد الرئيس ديبي، وأنهم تعرضوا للتعذيب وربما للاغتيال. كما أن منظمة العفو الدولية اهتمت بهذه القضية وشككت بالرواية الرسمية مطالبة السلطات بتوضيحات أكثر دقة بخصوص هذه المهمة الغامضة.
ونددت المعارضة باختفاء المعارض محمد أحمد لازينا الذي اعتقل، الأسبوع الماضي، في ظروف غامضة. وقالت وزارة الداخلية التشادية إنه هرب من سجنه ويختبئ في مكان ما بغرض الإساءة لسمعة السلطات ومصداقيتها. ويذكّر هذا التبرير الرسمي بقضية اختفاء رئيس حزب "العدالة والتنمية" المعارض ابن عمر محمد صالح عام 2008 الذي اختفى بعد اعتقاله، وتشك المعارضة في أنه توفي تحت التعذيب على يد المخابرات. ولا تترد الأجهزة الأمنية في استعمال الرصاص ضد المحتجين مثلما فعلت في مستهل الشهر الماضي حين قتلت الشرطة ثلاثة سجناء أثناء "انتفاضة ضد الجوع" نفّذها مئات المعتقلين في سجن موندو، العاصمة الاقتصادية للبلاد، احتجاجاً على ظروف اعتقالهم ولا سيما نقص الطعام.
ويرى مراقبون أن الرئيس إدريس ديبي الذي يحكم البلاد منذ 26 عاماً يستعمل كل الأساليب لقمع المعارضة وخنق أية حركة احتجاجية في المهد. وبحسب معارضيه الكثُر، لا يتردد في استعمال التعذيب، والاختطاف، والاعتقال من دون محاكمة في حق كل المشتبه في معارضتهم للنظام. كما أن أجهزة الدولة تعبئ كافة إمكانياتها لضمان احتكار ديبي للسلطة التي وصل إليها بالقوة من خلال انقلاب عسكري تم التحضير له من الأراضي السودانية، وأطاح بنظام الدكتاتور السابق حسين حبري عام 1990 بمساعدة العقيد الليبي معمر القذافي بمباركة فرنسية، وفقاً للمراقبين.
تفيد تقارير بأنه منذ وصوله إلى الحكم، انتهج ديبي سياسة التدخل في شؤون دول الجوار، وموّل مليشيات في السودان وليبيا والكونغو. كما أنه زج بالجيش التشادي في جبهات أفريقية عدة مثل مالي، ونيجيريا، وليبيا، والكونغو، وأفريقيا الوسطى. وأصبحت سمعة الجيش التشادي سيئة في هذه الجبهات لعدم انضباطه، وارتكابه جرائم السرقة والاغتصاب، وفقاً لمتابعين. كما أن ديبي كان وراء العديد من المحاولات الانقلابية في دول الجوار الأفريقي، ومنها الانقلاب العسكري لرئيس أفريقيا الوسطى، فرانسوا بوزيزي عام 2003، وهو الآن يدعم حركة سيليكا المتمردة في أفريقيا الوسطى بعدما أدار وجهه عن نجامينا في السنوات الأخيرة.
وعلى الرغم من الطابع الدكتاتوري لحكم ديبي، وفقاً لمتابعين، فإن هذا الأخير يتمتع بدعم القوى الغربية الكبرى خصوصاً فرنسا والولايات المتحدة. وتحولت نجامينا إلى حليف استراتيجي للغرب في الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل. وتحتضن العاصمة التشادية منذ عامين قيادة أركان قوة أفريقية متعددة الجنسيات تموّلها فرنسا، والولايات المتحدة، وبريطانيا للتصدي لجماعة "بوكو حرام" المتشددة في نيجيريا، وشن هجمات على معاقله خصوصاً في بحيرة تشاد.
وبالإضافة إلى التوتر السياسي، تسود تشاد أزمة اجتماعية خانقة أدت إلى شن إضراب عام قبيل الانتخابات الرئاسية في القطاعات الحكومية، خصوصاً التعليم والصحة احتجاجاً على عدم دفع الدولة لرواتب متأخرة. وقمعت السلطات هذا الإضراب بقوة السلاح وسجنت أربعة من شخصيات المجتمع المدني الذين كانوا وراء الإضراب وحكم عليهم بالسجن أربعة أشهر.
على صعيد آخر، وعلى رغم من اكتشاف موارد نفطية منذ 2003، تصنف الأمم المتحدة تشاد من بين الدول الخمس الأكثر فقراً في العالم. كما أن 70 في المائة من السكان البالغ عددهم 13 مليوناً يعانون من الأميّة، بسبب سياسة ديبي التي تحرم ملايين الأطفال من الالتحاق في المدارس.