08 نوفمبر 2024
تشاك هيغل إذ يُعَرِّي أوباما في سورية
لم يكشف وزير الدفاع الأميركي السابق، تشاك هيغل، سراً في تصريحاته للإذاعة الوطنية العامة، والتي انتقد فيها مقاربة الرئيس باراك أوباما للموضوع السوري، غير أن تصريحاته، مع ذلك، تحمل أهمية كبيرة، ذلك أنها صادرة عن مسؤول رفيع خدم سابقاً في إدارة أوباما، وكان عضواً في مجلس الأمن القومي الأميركي، بمعنى أنه مطلع على حيثيات وتفاصيل كثيرة. وقد شغل هيغل منصب وزير الدفاع في إدارة أوباما الثانية، ما بين فبراير/شباط 2013 وفبراير/شباط 2015، أي ضمن بعض سنوات الذروة في الحدث السوري الذي لا زال مشتعلا.
وفي تصريحاته الإثنين الماضي (الأول من يناير/كانون الثاني الجاري)، قال هيغل إن أوباما فوّت فرصة مهمة في سورية في أغسطس/آب 2013، عندما استخدم نظام بشار الأسد أسلحة كيماوية ضد مدنيين من شعبه، وهو ما كان أوباما حذّر النظام من مغبة فعله، واعتبره "خطاً أحمر" يستوجب رداً عسكرياً أميركيا. وفعلا، خرج أوباما مخاطباً الشعب الأميركي، مساء 31 من أغسطس/آب 2013، مؤكداً أن نظام الأسد تجاوز ذلك الخط الأحمر، وأن على الولايات المتحدة أن تقوم برد عسكري، غير أنه ربط استخدام القوة العسكرية بموافقة الكونغرس الأميركي، الذي لم يصوت على الأمر، بسبب امتعاض الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، على السواء، من ركل الكرة إلى ملعبهم، على الرغم من أن الغالبية كانت مؤيدة لرد عسكري محدود. هنا، يقدم هيغل تقويما قاسيا لتكتيك أوباما حينئذ، قائلا: "آذى ذلك سمعة الرئيس كقائد. أثار شكوكا عند حلفائنا ودول أخرى حول ما إذا كان يمكن تصديق كلامه. هل يمكن أن يثقوا بكلمته؟ هل يمكنهم الاعتماد على كلمته؟ هل يعني فعلاً ما يقول؟ جوهرياً، من وجهة نظري، فإنه (أوباما) خفّض من قيمة عُمْلَتِهِ لناحيتي الثقة والاطمئنان، عندما قرّر التراجع عما قاله من قبل". ويلمح هيغل إلى أن أوباما ومستشاريه شعروا بأنهم ألزموا أنفسهم، عن دون قصد ولا نية، بتصريح أوباما السابق عن "الخط الأحمر". ولذلك، عندما تجاوز نظام الأسد ذلك الخط، وجدوا أنفسهم في حرجٍ حول كيفية التملص من تبعاته، فكان الحل بتمرير الكرة إلى الكونغرس. وبالمناسبة، لم يكن أوباما يحتاج إلى مثل ذلك التخويل من الكونغرس، إذ إنه يقع ضمن صلاحياته التنفيذية، ما دام أنه كان سيقتصر على ضرباتٍ جوية، ولم يطلب رئيس قبله تفويضاً كهذا، بل إن أوباما، نفسه، لم يطلب تفويضا مماثلاً من قبل في ليبيا عام 2011، ولا بعد ذلك في العراق وسورية عام 2014. وكان واضحاً حينها أن أوباما ألقى بالكرة إلى الكونغرس، وهو يعلم أن الأخير لن يقبل أن يتلقاها، فكثيرون من أعضائه كانوا قد دخلوا في مزاج انتخابات التجديد النصفي لعام 2014.
صحيح أن الإدارة وجدت في العرض الروسي لتدمير السلاح الكيماوي السوري مخرجاً لحفظ ماء وجهها، غير أن هيغل يؤكد أن "الخط الأحمر" الذي أعلنه أوباما كان ينص على استخدام القوة العسكرية، حتى وإن كانت محدودة، في حال ما تم خرقه، وليس التخلص من مخزون السلاح الكيماوي السوري.
مناسبة هذا الحديث وأهميته مرتبطتان بتطورات الأحداث على الساحة السورية اليوم، وفشل
مفاوضات جنيف بين النظام، مدعوماً بالموقفين الروسي والإيراني، والمعارضة، مدعومة بالموقفين السعودي والتركي. فمنذ البداية، كان واضحاً أن مفاوضات جنيف آيلة إلى فشل ذريع، إذ لم تقم على أسس صحيحة، وأهمها الالتزام بقرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على وقف القصف العشوائي الذي يقوم به النظام وداعموه، ورفع الحصار وإتاحة الوصول الكامل للمساعدات الإنسانية إلى السكان السوريين. بل إن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، سافر إلى الرياض، أواخر الشهر الماضي، حاملاً الشروط الروسية-الإيرانية للمعارضة السورية، سواء لناحية طبيعة تشكيل وفدها للمفاوضات، أم لناحية أرضية التفاوض في جنيف، بما في ذلك الضغط على المعارضة، لتجاوز مطالبها الأولية بوقف الهجمات الجوية على مناطقها، ورفع الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة، ومطالباً إياها القبول بوجود الأسد، عملياً، على رأس السلطة، وحقه في الترشح في أي انتخابات مقبلة. وحسب تصريحاتٍ لرموزٍ كبار في المعارضة، فإن كيري هدّدهم بقطع الدعم عنهم، إن لم يقبلوا بتلك الشروط، على الرغم من أن مطالبهم منصوص عليها في القرارات الأممية (باستثناء مسألة رحيل الأسد)، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة، وعلى لسان أوباما نفسه، أعلنت أنها لا ترى في الأسد رئيساً شرعياً، وطالبت برحيله عن السلطة منذ أغسطس/آب 2011.
الآن، ومع إعلان موفد الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أول من أمس الأربعاء، تعليق المفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة في جنيف حتى 25 فبراير/شباط الجاري، أطل علينا كيري مرة أخرى، ليتابع مسار التخبط الأميركي في سورية نفسه، متهماً النظام السوري، وحليفه الروسي، بالسعي إلى فرض حل عسكري، وتقويض جهود السلام، خصوصا في مدينة حلب وريفها اللذين يتعرّضان، الآن، إلى قصف وحشي من النظام وروسيا. ولكن، ما هو بديل كيري، إن لم تنجح مناشداته لروسيا وإيران ونظام الأسد؟ لا شيء فعليا، فهو يراهن على إطلاق المفاوضات الجديدة أواخر الشهر الجاري، ولا يُسْتَبْعَدُ أبداً، بل وهذا هو المرجح، أنه سينخرط في جولة ضغط جديدة على المعارضة السورية للقبول باشتراطات النظام، وحليفيه الروسي والإيراني، خصوصاً في ظل إنجازاتهم العسكرية على الأرض.
تأكيدات هيغل عن افتقاد إدارة أوباما إلى استراتيجية في سورية حقيقة ثابتة، فهذه إدارة افتقدت منذ البدء، بغض النظر عن الأسباب، الحسم في السياق السوري، ما فتح الباب واسعا أمام إيران، ولاحقا روسيا، لملء الفراغ الناجم عن الغياب القيادي الأميركي. بل إن إدارة أوباما لم تقدم دعماً معتبراً للمعارضة السورية، ولا هي سمحت لحلفاء آخرين بتقديم دعم عسكري نوعي لها، مثل صواريخ أرض-جو، للتصدي لبطش طيران الأسد، قبل دخول روسيا على الخط أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، لتقلب موازين القوى. وحين دخلت روسيا المعركة رسمياً في سورية لإنقاذ نظام وكيلها الأسد، خرج علينا أوباما بفلسفةٍ من دون معنى، قائلا: إن "الرئيس بوتين اضطر إلى الذهاب إلى سورية ليس من موقع قوة، وإنما من موقع ضعف، لأن وكيله، الرئيس الأسد، كان ينهار. ولم تعد الأموال والأسلحة التي يرسلها إليه كافية، فاضطر (بوتين) أن يرسل طائراته وطياريه" لإنقاذ نظام الأسد من الانهيار. وحذر أوباما موسكو، حينها، بأنها وإيران ينجرّان إلى "مستنقع ولن ينجحا"، ذلك أنهما همّشا غالبية السوريين، وأغضبا المسلمين السنة في المنطقة. وشدد، على قناعته التي كررها، غير مرة، بأنه لم يكن في وسع الولايات المتحدة فرض حل عسكري في سورية. ولذلك، اختارت العمل مع "معارضةٍ معتدلة داخل سورية"، لبناء سورية "متماسكة ومتينة"، بعد "انهيار نظام الأسد"، ذلك أن "نظام الأسد سينهار"، حسب أوباما.
ما سبق تصريحات أطلقها أوباما في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2015، غير أن ما يبدو اليوم أن لا روسيا، ولا إيران، انزلقت نحو "مستنقع" لن تخرجا منه، ولا نظام الأسد في وارد الانهيار قريبا، بل إن الولايات المتحدة تلمح، ضمناً، إلى أن الأسد سيبقى، وبأنه قد يترشح في أي انتخابات مقبلة، فالأولوية، أميركيا، هي لمحاربة "داعش". الأدهى من ذلك أن رئيس أقوى دولة على وجه البسيطة الذي حذر روسيا وإيران من هزيمةٍ في سورية، جعل من وزير خارجيته ساعي بريد إيراني-روسي يحمل شروطهما، بل ويتبناها!
وعودة إلى تصريحات هيغل، قد يقول بعضهم إن الرجل أطلق تصريحاته هذه، بعد أن أصبح خارج السلطة، غير أن الواقع غير ذلك أبداً. فهيغل كان قد أرسل مذكرة إلى مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، أواخر سبتمبر/أيلول 2014، أي حينما كان وزيراً للدفاع، طالب فيها بضرورة وجود "رؤية أكثر وضوحاً حول ما يمكن القيام به حيال نظام الأسد". وأوضحت المذكرة أن نظام الأسد يستفيد عملياً من الهجمات الجوية الأميركية على "داعش" وجبهة النصرة، ذلك أنه أصبح يوجه قوته الضاربة نحو إضعاف من تصفهم واشنطن "المعارضة السورية المعتدلة" التي تعلن دعمها لها.
ذلك ما قاله هيغل حينها. ولكن، ماذا كان مصير مذكرته التي تنبأت بفشل ذريع في سورية، جرّاء غياب استراتيجية ورؤية أميركية للوضع فيها، وتبدد ثقة الحلفاء في الولايات المتحدة؟ وحسب تلميحه في جوابه على هذا السؤال في مقابلته مع الإذاعة الوطنية العامة، كان الإهمال مصير المذكرة.
باختصار، من يرهن كل خياراته للولايات المتحدة كمن يضع بيضه في سلة مثقوبة. اسألوا الفلسطينيين عن ذلك، وهم الخبراء به عقوداً، واسألوا اليوم، السوريين والعرب، عن المساومة عليهم وعلى منطقتهم ومستقبلهم مع إيران وروسيا.
وفي تصريحاته الإثنين الماضي (الأول من يناير/كانون الثاني الجاري)، قال هيغل إن أوباما فوّت فرصة مهمة في سورية في أغسطس/آب 2013، عندما استخدم نظام بشار الأسد أسلحة كيماوية ضد مدنيين من شعبه، وهو ما كان أوباما حذّر النظام من مغبة فعله، واعتبره "خطاً أحمر" يستوجب رداً عسكرياً أميركيا. وفعلا، خرج أوباما مخاطباً الشعب الأميركي، مساء 31 من أغسطس/آب 2013، مؤكداً أن نظام الأسد تجاوز ذلك الخط الأحمر، وأن على الولايات المتحدة أن تقوم برد عسكري، غير أنه ربط استخدام القوة العسكرية بموافقة الكونغرس الأميركي، الذي لم يصوت على الأمر، بسبب امتعاض الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، على السواء، من ركل الكرة إلى ملعبهم، على الرغم من أن الغالبية كانت مؤيدة لرد عسكري محدود. هنا، يقدم هيغل تقويما قاسيا لتكتيك أوباما حينئذ، قائلا: "آذى ذلك سمعة الرئيس كقائد. أثار شكوكا عند حلفائنا ودول أخرى حول ما إذا كان يمكن تصديق كلامه. هل يمكن أن يثقوا بكلمته؟ هل يمكنهم الاعتماد على كلمته؟ هل يعني فعلاً ما يقول؟ جوهرياً، من وجهة نظري، فإنه (أوباما) خفّض من قيمة عُمْلَتِهِ لناحيتي الثقة والاطمئنان، عندما قرّر التراجع عما قاله من قبل". ويلمح هيغل إلى أن أوباما ومستشاريه شعروا بأنهم ألزموا أنفسهم، عن دون قصد ولا نية، بتصريح أوباما السابق عن "الخط الأحمر". ولذلك، عندما تجاوز نظام الأسد ذلك الخط، وجدوا أنفسهم في حرجٍ حول كيفية التملص من تبعاته، فكان الحل بتمرير الكرة إلى الكونغرس. وبالمناسبة، لم يكن أوباما يحتاج إلى مثل ذلك التخويل من الكونغرس، إذ إنه يقع ضمن صلاحياته التنفيذية، ما دام أنه كان سيقتصر على ضرباتٍ جوية، ولم يطلب رئيس قبله تفويضاً كهذا، بل إن أوباما، نفسه، لم يطلب تفويضا مماثلاً من قبل في ليبيا عام 2011، ولا بعد ذلك في العراق وسورية عام 2014. وكان واضحاً حينها أن أوباما ألقى بالكرة إلى الكونغرس، وهو يعلم أن الأخير لن يقبل أن يتلقاها، فكثيرون من أعضائه كانوا قد دخلوا في مزاج انتخابات التجديد النصفي لعام 2014.
صحيح أن الإدارة وجدت في العرض الروسي لتدمير السلاح الكيماوي السوري مخرجاً لحفظ ماء وجهها، غير أن هيغل يؤكد أن "الخط الأحمر" الذي أعلنه أوباما كان ينص على استخدام القوة العسكرية، حتى وإن كانت محدودة، في حال ما تم خرقه، وليس التخلص من مخزون السلاح الكيماوي السوري.
مناسبة هذا الحديث وأهميته مرتبطتان بتطورات الأحداث على الساحة السورية اليوم، وفشل
الآن، ومع إعلان موفد الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أول من أمس الأربعاء، تعليق المفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة في جنيف حتى 25 فبراير/شباط الجاري، أطل علينا كيري مرة أخرى، ليتابع مسار التخبط الأميركي في سورية نفسه، متهماً النظام السوري، وحليفه الروسي، بالسعي إلى فرض حل عسكري، وتقويض جهود السلام، خصوصا في مدينة حلب وريفها اللذين يتعرّضان، الآن، إلى قصف وحشي من النظام وروسيا. ولكن، ما هو بديل كيري، إن لم تنجح مناشداته لروسيا وإيران ونظام الأسد؟ لا شيء فعليا، فهو يراهن على إطلاق المفاوضات الجديدة أواخر الشهر الجاري، ولا يُسْتَبْعَدُ أبداً، بل وهذا هو المرجح، أنه سينخرط في جولة ضغط جديدة على المعارضة السورية للقبول باشتراطات النظام، وحليفيه الروسي والإيراني، خصوصاً في ظل إنجازاتهم العسكرية على الأرض.
تأكيدات هيغل عن افتقاد إدارة أوباما إلى استراتيجية في سورية حقيقة ثابتة، فهذه إدارة افتقدت منذ البدء، بغض النظر عن الأسباب، الحسم في السياق السوري، ما فتح الباب واسعا أمام إيران، ولاحقا روسيا، لملء الفراغ الناجم عن الغياب القيادي الأميركي. بل إن إدارة أوباما لم تقدم دعماً معتبراً للمعارضة السورية، ولا هي سمحت لحلفاء آخرين بتقديم دعم عسكري نوعي لها، مثل صواريخ أرض-جو، للتصدي لبطش طيران الأسد، قبل دخول روسيا على الخط أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، لتقلب موازين القوى. وحين دخلت روسيا المعركة رسمياً في سورية لإنقاذ نظام وكيلها الأسد، خرج علينا أوباما بفلسفةٍ من دون معنى، قائلا: إن "الرئيس بوتين اضطر إلى الذهاب إلى سورية ليس من موقع قوة، وإنما من موقع ضعف، لأن وكيله، الرئيس الأسد، كان ينهار. ولم تعد الأموال والأسلحة التي يرسلها إليه كافية، فاضطر (بوتين) أن يرسل طائراته وطياريه" لإنقاذ نظام الأسد من الانهيار. وحذر أوباما موسكو، حينها، بأنها وإيران ينجرّان إلى "مستنقع ولن ينجحا"، ذلك أنهما همّشا غالبية السوريين، وأغضبا المسلمين السنة في المنطقة. وشدد، على قناعته التي كررها، غير مرة، بأنه لم يكن في وسع الولايات المتحدة فرض حل عسكري في سورية. ولذلك، اختارت العمل مع "معارضةٍ معتدلة داخل سورية"، لبناء سورية "متماسكة ومتينة"، بعد "انهيار نظام الأسد"، ذلك أن "نظام الأسد سينهار"، حسب أوباما.
ما سبق تصريحات أطلقها أوباما في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2015، غير أن ما يبدو اليوم أن لا روسيا، ولا إيران، انزلقت نحو "مستنقع" لن تخرجا منه، ولا نظام الأسد في وارد الانهيار قريبا، بل إن الولايات المتحدة تلمح، ضمناً، إلى أن الأسد سيبقى، وبأنه قد يترشح في أي انتخابات مقبلة، فالأولوية، أميركيا، هي لمحاربة "داعش". الأدهى من ذلك أن رئيس أقوى دولة على وجه البسيطة الذي حذر روسيا وإيران من هزيمةٍ في سورية، جعل من وزير خارجيته ساعي بريد إيراني-روسي يحمل شروطهما، بل ويتبناها!
وعودة إلى تصريحات هيغل، قد يقول بعضهم إن الرجل أطلق تصريحاته هذه، بعد أن أصبح خارج السلطة، غير أن الواقع غير ذلك أبداً. فهيغل كان قد أرسل مذكرة إلى مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، أواخر سبتمبر/أيلول 2014، أي حينما كان وزيراً للدفاع، طالب فيها بضرورة وجود "رؤية أكثر وضوحاً حول ما يمكن القيام به حيال نظام الأسد". وأوضحت المذكرة أن نظام الأسد يستفيد عملياً من الهجمات الجوية الأميركية على "داعش" وجبهة النصرة، ذلك أنه أصبح يوجه قوته الضاربة نحو إضعاف من تصفهم واشنطن "المعارضة السورية المعتدلة" التي تعلن دعمها لها.
ذلك ما قاله هيغل حينها. ولكن، ماذا كان مصير مذكرته التي تنبأت بفشل ذريع في سورية، جرّاء غياب استراتيجية ورؤية أميركية للوضع فيها، وتبدد ثقة الحلفاء في الولايات المتحدة؟ وحسب تلميحه في جوابه على هذا السؤال في مقابلته مع الإذاعة الوطنية العامة، كان الإهمال مصير المذكرة.
باختصار، من يرهن كل خياراته للولايات المتحدة كمن يضع بيضه في سلة مثقوبة. اسألوا الفلسطينيين عن ذلك، وهم الخبراء به عقوداً، واسألوا اليوم، السوريين والعرب، عن المساومة عليهم وعلى منطقتهم ومستقبلهم مع إيران وروسيا.