حُسم موضوع تشغيل الأطفال في الخدمة المنزلية، بعدما صوّتت الغرفة الأولى في البرلمان المغربي أخيراً على مشروع قانون العمال والعاملات المنزليين الذي كان قد اقترحه وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية عبد السلام الصديقي.
وكانت المادة السادسة من قانون العمال المنزليّين التي تسمح بتشغيل القاصرين والقاصرات ابتداءً من 16 عاماً، قد أثارت جدالاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والمدنية في المغرب قبل أشهر. وأخيراً عُدّلت ليُرفّع سنّ التشغيل إلى 18 عاماً، لكن بعد فترة انتقالية حُدّدت بخمس سنوات.
وقد صادق على مشروع القانون الذي قدّمه الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ووزير السكن وسياسة المدينة نبيل بن عبد الله، نيابة عن الصديقي لوجوده خارج البلاد، 49 نائباً برلمانياً في غرفة النواب في حين عارضه سبعة وغاب عن جلسة المصادقة 39 نائباً. هذا ما أفادت به رئيسة المكتب الجهوي لفيدرالية رابطة حقوق النساء، سميرة موحيّا، "العربي الجديد"، مضيفة أنّ "هذا الغياب رَهَنَ مستقبل الفتيات للاستغلال".
يُذكر أنّ فريق حزب الأصالة والمعاصرة اقترح إرجاع النصّ إلى اللجنة المختصة لـ"تعميق النقاش" بحثاً عن حلول وبدائل للمادة السادسة، وهو مقترح رُفض لعدم احترام الشكليات المتعلقة بضرورة تقديمه من قبل رئيس فريق أو من قبل عشرة نوّاب.
يقضي التعديل على المادة السادسة بتحديد السنّ الأدنى لتشغيل القاصرات كعاملات في المنازل، 18 عاماً، وفق مرحلة انتقالية مدّتها خمس سنوات تبدأ من تاريخ وضع القانون حيّز التنفيذ. وهو يسمح بتشغيل الأشخاص الذين تراوح أعمارهم ما بين 16 و18 عاماً، شرط أن يحصلوا على إذن مكتوب من أولياء أمورهم مصادق عليه وموقّع حتى يكون صالحاً لعقد العمل. وقد لفت بن عبد الله في كلمة له إلى أنّ "من الصعب إيجاد صيغة مثلى يندرج فيها كل ما يمكن أن يتوفّر من تعديلات".
إلى ذلك، تقول موحيّا إنّ "الحكومة الحالية قد شارفت على نهاية عهدها، وسوف يصبح هذا القانون من ضمن صلاحيات الحكومة الجديدة، الأمر الذي يفتح باباً للتحايل على حقوق القاصرات". تضيف أنّ "الحكومة برّرت مصادقتها بأنّ أسراً فقيرة كثيرة في حاجة إلى إعالة، وهذا تبرير واهم. يجب على الدولة توفير التعليم والحياة الجيّدة للأطفال، كذلك يجب مكافحة الفقر عبر تنمية المناطق المهمّشة، إذ ما هو حاصل من شأنه أن يخلّ باتفاقيات المغرب الدولية تجاه حقوق الإنسان والطفل".
تجدر الإشارة إلى أنّ مشروع قانون العمال والعاملات المنزليين منفصل عن قانون الشغل المغربي الذي لم يدرج في نصوصه كيفية تشغيل هؤلاء، لأنه نشاط يحصل في أماكن مغلقة لها خصوصيتها، خلافاً للعمل في الأماكن المفتوحة أمام مفتشي العمل.
في هذا السياق، يوضح محمد خطاب، وهو عضو ائتلاف مناهضة الطفلات القاصرات في العمل المنزلي، أنّ "النقاش حول المشروع بدأ في عام 2006 وهو تفعيل للمادة الرابعة من مدوّنة التشغيل التي تنصّ على إصدار قانون خاص بعمّال المنازل الذين يتميزون بوضعية خاصة. هم يعملون لمدّة طويلة في أماكن مغلقة لها خصوصية وغير متاحة للمفتشين.
كذلك، تنصّ المدوّنة على تشغيل من هم فوق 18 عاماً، انطلاقاً من الاتفاقية 180 لمنظمة العمل الدولية التي تمنع تشغيل الأطفال في الأعمال الشاقة". والأعمال المنزلية وفق خطّاب هي "أعمال شاقة. القاصرون والقاصرات من بين هؤلاء، يقومون بأعمال خطيرة مثل الاهتمام بالرضع والأشخاص المعوّقين وكبار السنّ وحمل الأوزان الثقيلة. تُضاف إلى ذلك علاقتهم بالآلات الكهربائية وسوء المعاملة والتحرّش والتعنيف".
ويتابع خطّاب أنّ في عام 2014 أصدرت لجنة حقوق الطفل والمؤسسات الحقوقية الوطنية تقريراً يوصي المغرب بمنع تشغيل الأطفال. لكنّ الحكومة الحالية "لم تدلِ بأي مسوغ موضوعي ومعقول حول تشبثها بالمادة السادسة من المشروع الجديد، وقبلت بتشغيل الأطفال ما بين 16 و18 عاماً خلال فترة انتقالية". ويرى خطّاب أنّ خطورة المرحلة الانتقالية تكمن في "تعبيد الطريق لما هو أسوأ"، إذ إنّ المشروع لم يشمل طرق تشغيل الأطفال أو إعادة إدماجهم في الوسط العائلي أو المدرسي أو التكوين (التدريب) المهني. بالتالي، يطالب "الدولة بمنع تشغيل الأطفال وتحويل الفترة الانتقالية إلى فترة توعية". ويقول: "ننتظر قراءة المشروع في الغرفة الثانية للبرلمان قريباً، والتي سوف تعطي مجالاً أوسع للنقاش ولإدخال تعديلات عليها"، مشيراً إلى قيام الائتلاف حالياً بـ "الترافع حتى يصبح القانون أكثر إنسانية".
تجدر الإشارة إلى أنّ تعديلاً آخر أُدخِل على المادة 23 من قانون العمّال والعاملات المنزليّين، حُدّدت بموجبه العقوبات في حال عدم احترام المقتضيات القانونية المتعلقة بالسنّ.