بُعيد ساعات قليلة من إعلان وزارة الداخلية العراقية نتائج التحقيق بمقتل متظاهرين في بغداد خلال موجة الاحتجاجات الجديدة التي ارتفعت وتيرتها منذ الأحد الماضي، وإقرارها بالمسؤولية عن القمع الذي تعرض له المتظاهرون وتوقيف ثلاثة من عناصر الأمن، شككت قوى سياسية عراقية بنتائج التحقيق واعتبرته غير مقنع.
وأقرّ وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي، مساء أمس الخميس، بمسؤولية قواته عن مقتل محتجين عراقيين وإصابة آخرين خلال هذا الأسبوع، وذلك في أول إعلان رسمي من نوعه يتعلق بملف قمع التظاهرات العراقية التي انطلقت في مطلع أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية والفساد المستشري في البلاد.
وأكد، في مؤتمر صحافي عقده في بغداد، أنّ التحقيقات وتقرير الطب العدلي أثبتا أن المتظاهرين قتلوا ببنادق صيد استخدمت من قبل 3 منتسبين لقوات الأمن العراقية، مؤكداً أنه "تقرر إيقاف المنتسبين المتسببين بإطلاق النار على المتظاهرين، وتشكيل مجلس تحقيقي حيال أعمال العنف التي حدثت في التظاهرات"، داعياً في الوقت نفسه المتظاهرين للحفاظ على سلمية التظاهرات. لكن تسريبات نقلها مسؤول عسكري عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، أكدت أن نتائج التحقيق تم تقليصها وجعلها مقتصرة على ثلاثة أشخاص فقط لاعتبارات سياسية وأخرى أمنية، أثبتت تورط ضباط كبار بإعطاء أوامر فتح النار واستخدام بنادق الصيد"، مؤكداً أن المعلن من التحقيق أقل من ربع الحقيقة، وهناك تفاصيل فضلت الحكومة عدم الكشف عنها.
نتائج لجنة التحقيق:
— محمد الكبيسي (@malkobaysi) July 30, 2020
-ثلاثة أطلقوا النار بشكل شخصي وهم (الرائد أحمد سلام غضيب-معاون آمر الفوج الرابع، والملازم حسين جبار جهاد-آمر السرية الثانية، والمنتسب علاء فاضل-قوة حفظ القانون).
-القاضي قرر إيقاف المتهمين بإطلاق النار على المتظاهرين.
-تشكيل مجلس تحقيقي لمحاسبة المقصرين. pic.twitter.com/DGeMd1EEf1
من جانبه، قال عضو البرلمان العراقي باسم خشان، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "إلقاء المسؤولية على أفراد أمن برتب صغيرة يأتي من أجل حماية المسؤولين الكبار، الذين هم فعلاً المتورطون بإدارة عمليات قتل وقمع المتظاهرين"، معتبراً أن "هذ العمليات في العراق ممنهجة، وليست بتصرفات فردية كما تزعم التقارير الحكومية، كما أن هناك تناقضاً كبيراً في تصريحات وزير الداخلية عثمان الغانمي، والمتحدث باسم رئيس الوزراء أحمد ملا طلال، عن كيفية استشهاد المتظاهرين في ساحة الطيران، وهذا يدلّ على عدم مهنية نتائج التحقيق، ولهذا فهي غير مقنعة، وهي بعيدة عن الواقع بكل تأكيد".
وختم النائب العراقي قوله إنه "من غير المستبعد، قيام الحكومة العراقية بتغيير نتائج التحقيق بشأن مقتل وإصابة عدد من المتظاهرين في ساحة الطيران، بعد ثبوت تورط جهات أمنية لها دعم سياسي، أو تورط شخصيات سياسية أو فصائلية، فهذا الأمر وارد جداً، وحصل كثيراً في العراق طيلة السنوات الماضية، ولهذا دائماً، يكون المتورطون هم صغار الموظفين".
في المقابل، قال عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "نتائج التحقيق بشأن مقتل وإصابة عدد من المتظاهرين في ساحة الطيران غير مقنعة وفيها غموض كثير، خصوصاً أن بندقية الصيد لا يمكن أن تقتل أي إنسان، خصوصاً من المسافات البعيدة".
وتساءل المطلبي "كيف يمكن لمنتسبين رسميين حمل أسلحة كهذه في ظل واجبهم الرسمي، خصوصاً أن هذا السلاح كبير، ولا يمكن إخفاؤه، فأي استخدام له يظهر أمام الجميع من الضباط أو المتظاهرين".
وأضاف أن "تقرير نتائج التحقيق تشوبه الكثير من النواقص العلمية والفنية، وهو جاء لتبرير حوادث لا تريد حكومة مصطفى الكاظمي الكشف عنها، ومن خلال التحليل، يبدو أن الحكومة العراقية لا تريد كشف نتائج التحقيق الحقيقية، التي تثبت من هي الشخصيات والجهات المتورطة بعمليات قتل وقمع المتظاهرين".
وتساءل النائب محمود الزجراوي، في تصريحات صحافية: "كيف لمنتسب للأمن أن يحمل بندقية صيد؟ وكيف لبندقية كهذه أن تقتل إنساناً، فأي إنسان، يصاب بسلاح كهذا يجرح فقط، ولا يقتل، ولهذا النتائج غير مقنعة وبعيدة عن الواقع"، مبيناً أن في التحقيق تناقضاً واضحاً.