فاجأت الحكومة الجزائرية المؤقتة، الرأي العام والمتتبعين للشأن الزراعي، بإعلانها عن نهاية عهد استيراد القمح، لتتحول البلاد، حسب الأرقام الرسمية، من إحدى أكثر الدول استيرادا للقمح، إلى دولة منتجة له في ظرف زمني وجيز.
خطوة وإن رحّب بها خبراء وعاملون في قطاع الزراعة، إلا أنها تبقى مشكوكا فيها، خاصة أن الطلب الداخلي لايزال يأخذ منحى تصاعديا، وبالتالي ما زالت هناك فجوة كبيرة بين الإنتاج والاحتياجات المحلية، حسب الخبراء.
وأعلنت الحكومة المؤقتة الجزائرية، في الأسبوع الماضي، أنه تم وقف استيراد القمح الصلب منذ يونيو/حزيران الماضي، لأول مرة منذ عقود.
وأرجعت حكومة نور الدين بدوي، في بيان لها، وقف الاستيراد، إلى أن "إنتاج البلاد من القمح الصلب الصيف الماضي (موسم الحصاد الثاني) بلغ 3.2 ملايين طن، وهو رقم تاريخي مكننا من تحقيق الاكتفاء الذاتي". وأشارت إلى أن الجزائر حققت الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب اعتبارًا منذ منتصف العام الجاري، بفعل الإنتاج الكبير لهذه المادة. ويوجد في الجزائر موسمان للحصاد الأول في الربيع والثاني في الصيف.
وذكر البيان أن رئيس الحكومة قدم تعليمات لوزارة الزراعة لدعم وتطوير زراعة القمح الصلب (المخصص للطحين والمعكرونة) واللين والحبوب بصفة عامة، في ولايات جنوبي البلاد والمناطق الداخلية.
ولسنوات، واجهت الحكومة انتقادات لأنها وقفت عاجزة عن كبح واردات البلاد من الحبوب، خاصة القمح الصلب واللين، رغم إنتاج البلاد وتوفر المساحات الزراعية. كما وجهت اتهامات للحكومات المتوالية لسنوات بأنها غضّت الطرف عن واردات الحبوب، كونها موجهة لأشخاص ورجال أعمال نافذين، يستغلونها في نشاط المطاحن بالاستفادة من أسعارها المدعومة.
وحسب مدير النشاطات الزراعية في وزارة الزراعة الجزائرية، جمال بويعلي، فإن "الطاقة الإنتاجية للقمح (خلال موسمي الحصاد) تضاعفت في السنوات الأخيرة وانتقلت إلى 6 ملايين طن سنة 2018، مقابل 4.2 ملايين طن في 2017، ونحو 3.3 ملايين طن في 2016، وحوالي 4 ملايين طن في العام السابق عليه."
وأضاف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "هذه الأرقام سمحت للجزائر بتقليص فاتورة الواردات، وتوفير قرابة 750 مليون دولار. وترجع هذه القفزات في كميات الإنتاج إلى دعم الحكومة للمزارعين بأكثر من 200 مليون دولار في السنوات الأخيرة، قسمت بين دعم أسعار البذور وعمليات السقي، وحتى تشجيعهم فيما بعد بشراء ما تم إنتاجه من طرف دواوين الحبوب".
ورغم الأرقام التي قدمتها الحكومة حول إنتاج القمح في البلاد خلال موسم حصاد 2019، والذي سمح لها بتوقيف أو تجميد الاستيراد، سجلت الجزائر اسمها على رأس قائمة زبائن القمح الأوروبي، بعدما استوردت 671 ألف طن من القمح بكافة أنواعه، في الفترة الممتدة من 1 يوليو/تموز إلى 8 سبتمبر/أيلول الحالي، حسب إحصائيات موقع "شبينغ نيوز" المختص في السوق العالمية للقمح، أي في الفترة التي أعقبت التاريخ الذي كشفت عنه حكومة بدوي بوقف الاستيراد.
ومثلت الجزائر 15.4 في المائة من السوق الأوروبية للقمح في تلك الفترة، متقدمة على المملكة العربية السعودية التي استوردت خلال الفترة عينها 568 ألف طن. ومن أصل ما استوردته الجزائر من قمح أوروبي، يمثل القمح الفرنسي حصة الأسد بـ 70 في المائة.
أرقام وحقائق يراها المتتبعون للشأن الزراعي تتقاطع مع الواقع، فالجزائر تستهلك 15 مليون طن سنوياً، حسب تقارير رسمية، في حين استوردت قرابة 11 مليون طن في 2018، ما جعلها من أكبر المستوردين عالمياً، في وقت بلغ أقصى ما أنتجته الجزائر في سنة واحدة نحو 6 ملايين طن، ما يطرح أسئلة عن الفارق بين الرقمين.
وإلى ذلك، يؤكد رئيس الاتحاد العام للمزارعين الجزائريين، محمد عليوي، لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائر تسجل عجزا سنويا يعادل 9 ملايين طن، كنا نود ونريد أن نصدق ما قالته الحكومة من أرقام، إلا أنها تلاعبت بها واستغلتها للترويج لمكسب لم يتحقق بعد".
وأضاف نفس المتحدث: "كان الأجدر أن تقول الحكومة "تجميد عملية الاستيراد" إلى مطلع السنة القادمة"، عوضا عن استعمال كلمة "توقيف" أو "تجميد" من دون تحديد وقت معين لعودة الاستيراد، فالحقيقة أن الجزائر لا تزال تحتاج للقمح الأجنبي والأرقام لا تكذب، فعلا هناك ارتفاع في الإنتاج لكن ليس بمستوى وقف الاستيراد".
وحاولت الجزائر، مطلع السنة الحالية، تحرير حاجاتها للقمح من التبعية لفرنسا التي احتكرت توريد هذه السلعة لأكثر من عقدين، حيث قررت الحكومة إرسال فرق إلى روسيا لأخذ عينات من القمح الروسي وإجراء تحاليل حول مدى تطابقه مع احتياجات السوق المحلية.
وحازت باريس 4 مناقصات لتصدير نحو 6 ملايين طن من القمح للجزائر في موسم 2017/ 2018، وفقاً للأرقام الفرنسية الرسمية، في حين تقاسمت كل من كندا والولايات المتحدة الأميركية الحصة الباقية من القمح المستورد بـ3 ملايين طن للأولى ومليوني طن للثانية، بفاتورة إجمالية لما تم استيراده من قمح فاقت 2.2 مليار دولار سنة 2018.
وعجزت الجزائر عن تحقيق الاكتفاء في مجال إنتاج القمح، رغم البرامج الحكومية والإنفاق الكبير على القطاع الزراعي. ويُرجع الخبير الزراعي، أحمد غماز، أسباب عدم قدرة الجزائر على تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى الحبوب، إلى "عدم هيكلة القطاع الزراعي الجزائري، وفقره من حيث العتاد والبذور وحتى تدريب المزارعين".
ويشير الخبير الزراعي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "ما بين 85 و90 في المائة من الأراضي الزراعية صغيرة ومجزأة، مما لا يسمح بتطوير مردودية وإنتاجية الزراعة، ويجعل متوسط الإنتاج لا يتعدى 7 أطنان للهكتار الواحد."
ويضيف غماز أن "الأمطار تؤثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي في الجزائر، فغيابها يخفض الإنتاج، خاصة في الأراضي التي لا تعتمد على السقي (الري)."
وحول الحلول المقترحة، يرى الخبير الزراعي أن "البرامج الحكومية في مجال إنتاج الحبوب خاصة القمح يجب أن تُراجع، كما يجب رفع مستوى تعليم وتدريب المزارع، وإمداده بالموارد المالية التي تمكنه من الاستثمار ومقاومة التقلبات المناخية."
وكانت الحكومة المؤقتة قد أطلقت حملة ضد المتلاعبين بالقمح وأسعاره، أفضت إلى غلق 45 مطحنة خاصة مع متابعتها قضائياً، بتهمة تضخيم الفواتير والتصريح الكاذب، إضافة إلى إقرار متابعات قضائية لباقي المطاحن التي قدمت تصاريح كاذبة فيما يخص قدراتها الإنتاجية الفعلية، وذلك في إطار التدابير التي أقرتها الحكومة للحفاظ على احتياطي الصرف.