تشوّهاتٌ لا مناص منها

17 ابريل 2017
+ الخط -
ليس مستهجناً أن يمارس السياسي الكذب والتضليل والخداع، في سبيل تلميع نفسه أو الدفاع عن موقفٍ منحرفٍ ما، فذلك مفهومٌ ولا تترتب عليه أي صدمة لدى المتلقي، كون الاحتيال والكذب والتضليل وتزييف الحقائق واللعب على التناقضات، هي غالباً، من عدة الشغل المتعارف عليها في حياة محترف السياسة، وهي بند ضمني أساسي في قائمة الوصف الوظيفي التي تحدّد المهام والمسؤوليات. وكلما زادت قدرته على المراوغة اعتبر أكثر صلاحية لمتطلبات المهنة. ولا يمكن أن نتوقع له، من دون هذه الأدوات، أي نجاح أو تميز يذكر، في عالم السياسة القائم أصلا على فكرة توازن المصالح. بالتالي، لا يخجل السياسي، في العادة، حين يغير أقواله أو يبرّر أفعاله المتناقضة، لأنها أصلا غير ثابتة، وليس لها أي علاقة بالمبادئ والقيم الأخلاقية الثابتة، وتظل هذه السلوكيات مفهومةً، إلى حد ما، على الرغم من الإدانة الأخلاقية البديهية.
ولكن، يبدو الأمر صادما وفجائعيا ومثيرا للخيبة، حين تقدم على سلوكياتٍ مشابهةٍ نماذج محسوبة على الفن والثقافة، حققت تراكما معرفيا ومنجزا إبداعيا وحضورا جماهيريا معقولا، المفترض أنها مشتغلة، من حيث المبدأ، على تكريس قيم الحق والجمال، وفي تصويب مظاهر القبح والظلم والعدوان في العالم واستدراكها، من خلال القصيدة والقصة والرواية، واللوحة التشكيلية، والقطعة الموسيقية والرقصة والمنحوتة، وكل أشكال التعبير، بغية تعزيز مفهوم الخير وإنكار الذات، والاحتفال بالحياة، فرصة نادرة عابرة، لكي نقول كلمةً صادقة ونعلن موقفا شجاعا، ونسلك في دروبها، بعزة نفسٍ ورفعة وأنفة واستغناء، فنفرض احترامنا على الآخرين الذين لن يصدّقونا، في حال كانت سلوكياتنا رعناء فجّة، على النقيض مما نعبر عنه من قيم ومثل عليا، لا تشبهنا ألبتة على مستوى التنظير، فنقع في فخّ الازدواجية التي تجعل نفراً غير قليل من الكتاب يظهرون أعراضاً كثيرة من المرض النفسي الحاد، أو السقوط الأخلاقي المدوي.
هناك مثلا كاتب يساري إنساني شرس، ممن يدّعون حرية فكر وتقدّمية وممانعة ومقاومة وتصديا، ويقف بذلٍّ وجبن أمام المحقق، متنصلا من كل أفكاره غير النيرة، لا يتوانى، بين الحين والآخر، عن ضرب زوجته الضعيفة المستلبة، ورفسها بقدمه، وترك كدماتٍ على وجهها دليلاً لا يقبل الشك عن مدى انحداره في وحل الوضاعة والنفاق.
آخر مناصرٌ فائق الحماس، بسلامته، لحقوق المرأة في التحرّر والحب والعشق، طالما كان ذلك خارج أسوار بيته العالية التي يظنها منيعة. ثمة نموذجٌ دونجواني بائس مثير للشفقة، لديه أوهام مضحكة عن سحره وجاذبيته، وقدرته على الإيقاع بالنساء الجميلات، المخدوعات بضرورة الفن بحسب الكاتب الأردني الراحل محمد طملية، فيقع بالغرام بالجملة، ويرسل إلى نساء عديداتٍ، مرشحات للخديعة ممن لديهن طموحات صعود أدبي، رسائل الوله والوجد، ويحرّضهن على كسر القيود والتمرّد على العادات البالية التي تقف في وجه الحب الطاهر العفيف!!
وهناك نموذجٌ بالغ الخطورة، حلو اللسان قليل الإحسان، كما نقول في الدارجة الأردنية، أناني بالمطلق يتوّهم أن الكون بأسره يتمحور حوله، ذمته المالية مضروبة بالمطلق، يشكو ضيق ذات اليد طوال الوقت، وهو يملك العقارات والأرصدة المحترمة. هو ليس أكثر من مليونير جائع، لديه اعتقاد غبي بإمكانية خداع كل الناس كل الوقت، مستعد لابتذال نفسه، وفعل كل الموبقات من نصب وكذب واحتيال وتشهير بسمعة الآخرين، من أجل حفنة نقود، لا تغني عن كرامة وعزة نفس.
وقانا الله وإياكم من شر طاقة هؤلاء السلبية الكفيلة بإفساد أكثر الأشياء جمالا ونقاءً، كما أن قليلاً من توخي الحيطة والحذر لن يضرّ.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.