تهدد التطورات في منطقة القبائل الباكستانية مخططات الجيش الباكستاني، إذ إن الصراع بين الجيش والقبائل بدأ يكبر، وذلك على خلفية تصاعد عمليات الاغتيال والعنف في وزيرستان المحاذية للحدود الأفغانية، واتهام القبائل للجيش بإعادة التنظيمات المسلحة إلى المنطقة لإخافة القبائل. وكانت قبائل وزيرستان اتهمت الجيش الباكستاني بإعادة التنظيمات المسلحة المقربة إليه إلى مقاطعتي وزيرستان الشمالية والجنوبية. كما اتهمت هذه المجموعات بالوقوف وراء موجة جديدة من أعمال العنف في وزيرستان، المتمثلة في تفجير المدارس واستهداف الاجتماعات العامة واغتيال وجهاء وزعماء القبائل.
وارتفع منسوب التوتر بين القبائل والجيش، مع الاعتصام المفتوح، الذي بدأ منذ 3 أيام، في منطقة مير علي شمال وزيرستان. ويكشف شعار الاعتصام، وهو أن "السلاح في يدك أيها الجيش، فمن القاتل إذاً؟"، أن القبائل غاضبة من الجيش، إذ يجتمع، تحت هذا الشعار، مئات من عناصرها في منطقة مير علي احتجاجاً على تصاعد أعمال العنف في المنطقة القبلية عموماً، وفي مقاطعتي شمال وجنوب وزيرستان خصوصاً. وكانت القبائل أطلقت اعتصامها بعد يوم من مقتل الزعيم القبلي موسى كليم الله، وهو العاشر الذي يُقتل خلال أسبوعين في منطقة مير علي بشمال وزيرستان. كما وقعت عمليات اغتيال، لوجهاء قبائل، جلهم من المعارضين للتنظيمات المسلحة أو الجيش، في مقاطعات أخرى. والاعتصام الذي بدأ بمجموعة من الشباب المحتجين على عمليات الاغتيال والانفلات الأمني، سرعان ما انضم إليه شيوخ وأفراد من القبائل. وتزايدت أهميته وثقله بعد إعلان "حركة حماية البشتون"، بزعامة منظور بشتين، تأييدها للاعتصام، ودعوتها لعناصرها للمشاركة فيه. وحاول الجيش تدارك إمكانية تصاعد عدد المشاركين في الاعتصام، عبر فرضه حظر تجول في المنطقة، في إطار محاولاته لمنع المتوجهين من مدينة بيشاور وإقليم خيبربختونخوا ومن المقاطعات القبلية الأخرى، من الوصول إلى مكان الاعتصام.
وقال القيادي في "حركة حماية البشتون"، محسن داور، والمعروف بخطاباته وتصريحاته المناهضة للجيش والاستخبارات، أمام المعتصمين الثلاثاء الماضي، وذلك بعدما استطاع مع عدد من عناصر الحركة الوصول إلى المكان، "أنا أهنئكم على هذا العمل، وهو رفع الصوت ضد العدوان والظلم". وحذر الجيش من أن "القتلة بالإيجار (في إشارة إلى الجماعات المسلحة)، الذين أتيتم بهم إلى مناطقنا بعد العام 2001، وقاموا بتدمير المنطقة أو دمرتموها (الجيش) بذريعة شن عمليات ضدهم، تأتون بهم مرة أخرى، وعمليات العنف الحالية بداية لتنفيذ تلك الخطة السوداء". وخاطب داور الجيش قائلاً "عليك أن تفهم أن القبائل واعية الآن، وهي ستقف في وجه التنظيمات أولاً ثم ستحاسبك ثانياً"، مشيراً إلى أن "الاعتصام والاحتجاجات التي تنظمها قبائل البشتون في ربوع البلاد وجهت رسالة إلى صناع القرار، هي أنكم خططتم في ما مضى لتدمير منازلنا وقتل أبنائنا، ولكن آن الأوان أن توقفوا العمل بتلك الخطط". وتابع "أقول للحكومة ولصناع القرار استخدمتم كل ما في وسعكم حتى تجعلوا منطقة القبائل خط النار الأول، لكننا لن نقبل ذلك، وعليكم الاطلاع على تاريخ هذه القبائل قبل الإتيان بالتنظيمات المسلحة مرة أخرى لقتل أبنائنا وشبابنا".
وقال الزعيم القبلي في جنوب وزيرستان، أصيل خان، لـ"العربي الجديد"، إن "الأهالي يحاولون إعادة الحياة إلى المنطقة والعيش بأمان بعدما دمرت عمليات الجيش مناطقنا ومنازلنا، ولكن أحلامنا بدأت تتلاشى بسبب أعمال العنف الأخيرة. ما يحيرنا هو أن الجيش يداهم منازلنا ويعتقل أي شخص يحمل سكيناً، إذ لا يسمح لأحد حمل السلاح، عدا الجيش، بينما لا يتم ملاحقة الذين يقتلون ويغتالون". وأوضح أصيل خان، الذي فقد خلال عمليات الجيش أربعة من أسرته، أن "موجة الاغتيالات وأعمال العنف الجديدة بدأت بعد انتفاض قبائل البشتون للمطالبة بحقوقها. لكن وفي إطار محاولاته لتخويف القبائل، سمح الجيش بعودة المسلحين إلى المنطقة، لتعود معهم أعمال القتل والاغتيال وتصفية كل معارض". وأشار الزعيم القبلي إلى ظهور تنظيم جديد باسم "اتحاد مجاهدي وزيرستان"، وهو تحالف مكون من عدة تنظيمات وشخصيات جهادية في القبائل، معتبراً أن "هذا التنظيم الجديد محاولة لتكرار ما حدث في منطقة القبائل بعد العام 2001، وأن هذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا بمباركة من الجيش". والتنظيم الجديد، الذي برز في شمال وزيرستان أخيراً، أعلن معارضته لتعليم البنات، وهو تبنى تفجير عدد من مدارس البنات في المنطقة، كما أن أعمال العنف، خصوصاً تلك التي تستهدف القبائل، تزايدت بعد ظهوره، بحسب أصيل خان. وكان زعيم "حركة حماية البشتون"، منظور بشتون، اتهم، خلال اجتماع للبشتون في كراتشي في 13 مايو/أيار الحالي، أن "الجيش يأتي بالمسلحين من مناطق مختلفة إلى وزيرستان لقمع القبائل وتنفيذ مخططاته. وكانت خرجت مسيرات احتجاجية في مناطق باكستانية مختلفة، خصوصاً بيشاور، دعماً لاعتصام القبائل في وزيرستان.