لم يكشف وزير الخارجية القطري، خالد بن محمد العطية، سرّاً في قوله لمحطة "سي إن إن" الأميركية، أول من أمس الثلاثاء، إن بلاده تدعم فصيلاً معارضاً مسلّحاً سورياً في ميدان القتال ضدّ النظام. لكنّها المرّة الأولى التي يصرّح فيها مسؤول قطري بارز عن هذا الأمر.
اقرأ أيضاً: وزير خارجية قطر:إذا التدخل العسكري سيحمي السوريين سنقوم به
وأوضح العطية، في الوقت نفسه، أن مجلس الأمن الدولي لا يقوم بما فيه الكفاية لحماية الشعب السوري، ولذلك "حملنا على عاتقنا، نحن وأصدقاؤنا، مهمة القيام بكل ما في وسعنا، لحماية الشعب السوري، عبر دعم المعارضة السورية المعتدلة". وعندما سأله الصحافي عن "أحرار الشام"، تحديداً، لم يلجأ العطية إلى المداورة الدبلوماسية، بل قال إنّ "هؤلاء ليسوا حلفاء تنظيم (القاعدة)، وإنما يحاربون لتحرير سورية، ولا نعتبرهم متطرفين وإرهابيين". والأكثر وضوحاً كان قول الوزير العطية، في المقابلة مع المحطة الأميركية، كما بثتها وكالة الأنباء القطرية أمس، إنه "إذا كان التدخل العسكري سيحمي الشعب السوري من وحشية النظام فسنقوم به".
ولا يُقرأ هذا التصريح منزوعاً من سياق سياسي وعسكري راهن، كما لا يمكن فهمه أن دولة قطر ستنهض وحدها بعبء كبير، من قبيل قيامها بتدخل عسكري في الأراضي السورية، وإنما هو التأشير إلى أن اللعبة صارت شديدة الوضوح هناك، وأن حرباً تجري في سورية، ولكل طرف من طرفيها (أو أطرافها) من يدعمه، ليس بالإسناد السياسي فقط، بل أيضاً بالدعم التسليحي.
وشدّد العطية، في إيضاحه هذا لوسيلة إعلام أميركية شهيرة، على أولوية "الحوار من موقع القوة" على منطق الصراع، وذكّر بما بذلته الدوحة من محاولات لإيجاد حل سلمي في سورية. وكان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في خطابه أمام الجمعية للأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول الماضي، قد دعا إلى "فرض حل سياسي" في سورية التي تشهد "حرب إبادة وتهجير جماعي للسكان".
ويمكن الذهاب إلى أنّ احتدام الحديث الرسمي، علناً، عن تدخل عسكري، وعن إسناد تسليحي لفصائل سورية معارضة في الميدان، إذ يأتي في غضون تدخل روسي عسكري سافر، يفتك بمئات المدنيين، ويستهدف مواقع للمعارضة، إنما ينذر بأن الوضع الميداني في سورية يتدحرج إلى مزيد من السخونة. وإذا ما اقترن هذا الحال بالزيارة المفاجئة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى موسكو، يوم الثلاثاء، فإن المشهد يبدو مقبلاً على تسخين سياسي أيضاً، كانت قد أحالت عليه أيضاً الزيارة التي قام بها، الأسبوع الماضي، وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إلى أنقرة، والتي عكست وصول التنسيق السعودي التركي في الشأن السوري إلى مرتبة متقدّمة، التقت مع التشاور السعودي القطري المتواصل، في هذا الشأن.
وجاء دالاً، في هذا السياق، قول الجبير في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، في الرياض، إن بلاده ستستخدم كل ما لديها من قوة لمواجهة نفوذ طهران.
وإذا كان اليمن ساحة رماية سعودية إيرانية في هذا السياق، فإن الساحة السورية متاحة لهذا الأمر، فيما لم تُهادن الرياض في السجال السياسي بشأن بشار الأسد، وأكدت غير مرّة، وبعد محادثات في موسكو وغيرها، أن حلاً سياسياً في سورية لا يتضمن رحيل الأسد لن يكون مقبولاً، ولن يقيّض له النجاح.
وبالتنسيق الواضح مع تركيا، وبالتلاقي مع السعودية، يبدو الجهد القطري مصوّباً نحو الدفع باتجاه ما قد يمثل نوعاً من التوازن الميداني على الأرض، وما قد تنتج عنه نجاحات عسكرية ظاهرة، وذلك ما قد يكون له تأثيره النوعي في أي مداولات جديّة بشأن تسوية سياسية ممكنة، أو معالم تسوية محتملة، يتم العمل على إنضاجها، ولو احتاجت شهوراً، ولو كانت بانتظار معادلاتٍ دولية، أميركية خصوصاً، مغايرة لما هي عليه واشنطن حالياً من جمود.
وما يتضمنه تلميح وزير الخارجية القطري، خالد العطية، إلى حد التصريح، عن إسناد بلاده "أحرار الشام"، وغيره من فصائل معارضة معتدلة، يتوازى مع أنباء تحدثت، أخيراً، عن اتصالات تجريها قطر وتركيا لتشكيل كيان عسكري موحد، أو أقله تأسيس أرضية تنسيق فعالة وعملية بين تشكيلات معارضة مسلّحة، بينها "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" و"فيلق الشام"، ليكون في الوسع أن تثمر زيادة الدعم العسكري عن نتائج ميدانية، تؤثر، بشكل ملحوظ، على الجهد الإيراني والروسي، وعلى تحركات حزب الله اللبناني، ما يمكّن من منع النظام من استعادة مناطق تسيطر عليها المعارضة في الشمال والوسط.
ويُذكر أن نحو 40 فصيلاً مسلّحاً دعوا، أخيراً، في بيان مشترك، إلى "تشكيل تحالف إقليمي ضدّ روسيا وإيران في سورية". كما أن رئيس الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة السورية، خالد خوجة، والذي استقبله الوزير خالد العطية في الدوحة أول من أمس، كان قد سعى إلى تنسيق الفصائل المسلحة فيما بينها. وإذا ما تكثفت الجهود القطرية، ومعها التركية والسعودية، في هذا الإطار، وكما توحي بها تصريحات العطية إلى "سي إن إن"، في هذا كله، فإن المعادلة العسكرية ميدانياً في الأراضي السورية قد تشهد جديداً نوعياً، كما أن المداولات السياسية مرشحة لتسخين من نوع تصعيدي، على ما تنذر به زيارة الأسد موسكو أيضاً.
اقرأ أيضاً: سورية: "هيئة التحرير الوطنية" لتوحيد فصائل المعارضة وساستها