تصعيد "الشباب" في الصومال: خطوة استباقية ضدّ السلطة وترامب

11 ابريل 2017
موقع تفجير استهدف قائد الجيش الصومالي الأحد(محمد عبدالوهاب/فرانس برس)
+ الخط -
دخلت الصومال في مرحلة جديدة من التوتر الأمني، مع تصعيد حركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" اعتداءاتها وهجماتها الانتحارية، في الآونة الأخيرة، ضد كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين وضد عناصر الجيش والشرطة والمدنيين. ويأتي هذا التصعيد كرد مزدوج على دينامية أمنية داخلية جديدة تحاول إطلاقها السلطة الحاكمة في الصومال لمكافحة الإرهاب وإعادة الاستقرار والأمن إلى البلاد، وكذلك على توجهات أميركية جديدة أقرتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتتمثل بقرار يقضي بتوسيع الصلاحيات الممنوحة للجيش الأميركي لتنفيذ ضربات في الصومال ضد حركة "الشباب"، وذلك في إطار استراتيجية ترامب لمكافحة تنظيم "القاعدة" واستهدافه في عدة أماكن في الشرق الأوسط.

وبعد أيام من إعلان الرئيس الصومالي المنتخب حديثاً، الرئيس محمد عبدالله محمد، عن سلسلة تعيينات جديدة على رأس الأجهزة الأمنية والعسكرية، وإطلاقه خطاباً اتسم بالشدة تجاه حركة "الشباب"، بدأت الصومال تتعرض لسلسلة من التفجيرات، استهدفت إحداها يوم الإثنين، موظفاً حكومياً في وزارة التعليم العالي، يدعى عبدالقادر عثمان، في انفجار قنبلة مزروعة بسيارته، في العاصمة الصومالية مقديشو، ما أدى إلى مصرعه. ولم تعلن أي جهة بعد مسؤوليتها عن الانفجار، إلا أن أصابع الاتهام تشير، بحسب تقارير إعلامية محلية، إلى حركة "الشباب". كذلك، فجر انتحاري نفسه أمس، الإثنين، داخل أحد أكبر معسكرات التدريب بمقديشو، موقعاً عدة قتلى وجرحى في صفوف الجنود، بحسب مصدر عسكري.

وكان قائد الجيش الصومالي المعين حديثاً، محمد أحمد جمال، قد نجا من محاولة اغتيال تعرض لها من خلال هجوم انتحاري بسيارة مفخخة، أوقع عشرات القتلى والجرحى، بينهم سبعة مدنيين في مقديشو. واستهدف انتحاري يقود سيارة مفخخة يوم الأحد الموكب المرافق لقائد الجيش الجديد الذي عينه الرئيس محمد، الخميس الماضي. وأعلنت حركة "الشباب" مسؤوليتها عن محاولة الاغتيال في بيان نشر على الموقع الإلكتروني لإذاعة "الأندلس" التابعة لها.

وشهدت الصومال في الفترة الأخيرة عدة اعتداءات وتفجيرات. وكان تفجير سيارة مفخخة أمام مطعم قريب من مقر وزارة الأمن الداخلي في مقديشو، في 5 أبريل/نيسان الحالي، أدى إلى مقتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص وجرح عشرة، بحسب مسؤولين في العاصمة الصومالية. وقتل 19 شخصاً في تفجير بـ"لغم أرضي" استهدف، الخميس الماضي، حافلة صغيرة كانت تقل مدنيين في إقليم "شبيلي السفلى"، جنوبي الصومال.

وتبدو محاولة اغتيال قائد الجيش الجديد، بمثابة رد من حركة "الشباب" على الخطاب شديد اللهجة الذي ألقاه الرئيس الصومالي، محمد عبدالله محمد، يوم الخميس الماضي بمناسبة سلسلة من التعيينات الجديدة لقادة الأجهزة الأمنية. وأعلن الرئيس الذي انتخب في 8 فبراير/ شباط، ويواجه تحدي إعادة بناء الاستقرار والأمن في هذه الدولة، "حالة الحرب في البلاد" كما دعا، في خطابه "الشعب إلى دعم الجيش الوطني للمساعدة في محاربة الإرهابيين". وقال "لن ننتظر أن يفجّر العناصر المتطرفون شعبنا، علينا مهاجمتهم وتحرير المناطق التي يتمركزون فيها". وأكد أن التعامل مع حركة "الشباب" هو أهم أولوياته. وأبلغ محمد، الذي كان يرتدي زياً عسكرياً، الصحافيين أنه "أمر جميع قوات الأمن والجيش بالاستعداد لإقامة السلام واليوم يوجد تغيير جديد في قيادات الجيش ومسؤولي الأمن"، وفق قوله.


ودعا الرئيس الصومالي مقاتلي "الشباب" إلى تسليم أنفسهم خلال 60 يوماً في مقابل حصولهم على تعليم ووظائف. وقال "نريد العفو عن الشباب الصومالي الذي ضللته حركة الشباب. الحكومة ترحب بهم بمودة. سنعطيهم التعليم وسنوفر لهم وظائف. لا نريد أن نقتل شبابنا. نحثكم مرة أخرى على أن تتركوا (حركة) الشباب بأسرع ما يمكن... أمامكم 60 يوماً"، على حد تعبيره. وتعتبر التغييرات الأمنية الجديدة محاولة من محمد لتعزيز سلطته في البلاد التي تخيّم عليها الفوضى منذ أمد طويل.

قصف أميركي مرتقب
وأتت التعديلات الأمنية التي أقرها الرئيس الصومالي بعد نحو أسبوع من موافقة إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على منح سلطة عسكرية أكبر للقوات الأميركية من أجل ملاحقة حركة "الشباب" في الصومال، بما في ذلك تنفيذ ضربات جوية أكثر فعالية، وفق ما أعلن البنتاغون الخميس 30 مارس/آذار الماضي. وقال مسؤول في وزارة الدفاع طلب عدم كشف اسمه، إن الجيش الأميركي بموجب الصلاحيات الجديدة الممنوحة إليه لن يكون مضطراً إلى تبرير الدفاع الشرعي عن النفس لشنّ ضربات جوية، وسيكون قادراً على شنّ قصف يتخذ طابعاً هجومياً إلى حد أكبر، وفق قوله. كذلك، تُعطي تلك الصلاحيات مزيداً من الاستقلالية في اتخاذ قرار بشن الضربات إلى قائد القوات الأميركية في أفريقيا، الجنرال توماس والدوزر، بحسب المصدر نفسه.

مخاطر وحدود الخيار العسكري
بيد أن عدة خبراء دوليين وصوماليين يشككون بفاعلية أي ضربات أميركية محتملة، في المسقبل، ويستبعدون أن تؤدي إلى القضاء على حركة "الشباب"، كما يحذرون من سقوط ضحايا مدنيين نتيجة القصف الأميركي المرتقب في الصومال. وقال خبراء إن منح تفويض عسكري أكبر للجيش الأميركي لملاحقة عناصر "الشباب" المرتبطين بتنظيم "القاعدة" في الصومال سوف يعرض المدنيين لخطر أكبر، لا سيما مع تسبب الجفاف بتشريد آلاف المواطنين في مناطق سوف تعتبر الآن مناطق حرب، خصوصاً جنوب الصومال. في المقابل، يقترح خبراء تدابير هي في نظرهم أكثر فعالية، إذ يمكن للقوات الأميركية زيادة المساعدة المقدمة إلى الجيش الوطني الصومالي، لتفعيل المكافحة المحلية لنشاط حركة "الشباب".

وقالت الباحثة في شؤون حقوق الإنسان بالصومال، في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، لاتيتيا بادر، إنه "في الوقت الذي يتنقل فيه آلاف المدنيين حالياً، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون حذرة في الاعتماد على المعلومات المتعلقة بما إذا كان هناك وجود للمدنيين أم لا، قبل أن تتخذ قراراً بشن (أي) غارة جوية". وقال مدير مكتب "المجلس النرويجي للاجئين" في واشنطن، جويل شارني، إنه "في بيئة مثل الصومال، من الصعب للغاية تمييز المقاتلين عن المدنيين". وأضاف "يبدو أن هذا تحرك من قبل إدارة ترامب لتخفيف القواعد (التي تحكم عمل القوات الأميركية) والسماح بمزيد من حرية التصرف للقوات ودعم حملات ربما تؤدي إلى جعل المتطرفين يتصرفون بطريقة مجنونة"، وفق تعبيره.

واعتبر محلل شؤون القرن الأفريقي لدى "مجموعة الأزمات الدولية"، راشد عبدي، أن التوسع العسكري الأميركي الجديد في استخدام الضربات الجوية لن يكون له تأثير يذكر في سحق حركة "الشباب". وأضاف "إنهم هدف صعب، على عكس تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ومن غير المحتمل أن تكون هناك أماكن لوجود حركة الشباب يمكن قصفها، باستثناء بعض معسكرات التدريب التي يصعب العثور عليها". وقال "هذه الغارات الجوية ستواجه العديد من التحديات، ووقوع ضحايا مدنيين سيحدث نتائج عكسية".

وبحسب الخبير العسكري المتقاعد، أبشر روبو، فإن "اجتثاث جذور حركة الشباب يتطلب استراتيجية عسكرية شاملة، وتغيير آليات وأساليب القتال العسكرية لدى القوات الصومالية والأفريقية، بحكم أن استراتيجية القتال المناسبة مع الحركة ليست هي الحرب المباشرة، بل ما يعرف بحرب الغوريلا، أي الكر والفر بين الحين والآخر". ورجح أن "الحملة الأميركية ستضغط على مقاتلي الشباب، وتحد من تحركاتهم نهاراً لشن هجمات على المقار العسكرية الأفريقية والصومالية، بجانب تقليل مخاطر الحركة على شركاء واشنطن الإقليميين في الحرب على الإرهاب".